حفظ النعمة

عبد الله بن محمد الطيار
عناصر الخطبة
  1. نعمة الطعام وفضلها .
  2. المحافظة على الطعام وعدم الإسراف فيه .
  3. من صور الإسراف في الطعام .
  4. عام هجري جديد والصوم في شهر المحرم. .

اقتباس

لقد أكرَمنَا ربُّنا -جلَّ وعلا- ومَنَّ علينا بنعمٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ، ومن تلكَ النِّعمِ: نعمةُ الطعامِ، فهوَ قوامُ حياةِ الإنسانِ وغذاءُ بدنِه ومصدرُ قوتِه وطاقتِه. وأَمرَنا -سبحانَه وتعالى- أَنْ نتأمَّلَ في بديعِ إيجادِ هذا الطعامِ ومراحلِ تكوينِه...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ رب العالمين؛ كثير المنِّ والكرم، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، قدوة العالمين في تمام الشكر لربه، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون)[الحشر:18].

أيُّها المؤمنونَ: لقد أكرَمنَا ربُّنا -جلَّ وعلا- ومَنَّ علينا بنعمٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ، ومن تلكَ النِّعمِ: نعمةُ الطعامِ، فهوَ قوامُ حياةِ الإنسانِ وغذاءُ بدنِه ومصدرُ قوتِه وطاقتِه. وأَمرَنا -سبحانَه وتعالى- أَنْ نتأمَّلَ في بديعِ إيجادِ هذا الطعامِ ومراحلِ تكوينِه، فقالَ -جلَّ وعلا-: (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِه * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُم)[عبس:24ــ32]، وهذه النعمةُ نحنُ مسؤولونَ عنهَا ومحاسبونَ عليهَا، وعلى تأديةِ الشكرِ لمسدِيها -جلَّ وعلا-.

أيُّها المؤمنونَ: وقدَ أمرَنا اللهُ -جلَّ وعلا- بالمحافظةِ على نعمةِ الطعامِ وعدمِ الإسرافِ فيهَا، فقال -تعالى-: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف:31]، وأوصَانَا نبيُّنا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- باحترامِ النعمةِ، وعدمِ الإسرافِ فيهَا وإهدارِها؛ فعن أنسٍ -رضي اللهُ عنه- قال: مرّ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- بتمرةٍ في الطريقِ فقالَ: "لولا أنِّي أخافُ أن تكونَ من الصدقةِ لأكلتُها"(متفق عليه).

وعن عائشةَ -رضي اللهُ عنها-، قالتْ: "دَخَلَ عليّ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- فرأى كِسرةً ملقاةً، فأخَذَهَا، فَمَسحَها، ثمَّ أَكَلَهَا، وقال: يا عائشةُ! أَحسنِي جوارَ نعمِ اللهِ، فإنَّها ما نَفَرتْ من قومٍ فَعادتْ إليهِم"(رواه ابن ماجه).

وكان من شدةِ حرصِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- على هذِه النعمةِ أَنَّه "كانَ إذا أَكَلَ طَعامًا لَعِقَ أَصابِعَهُ الثَّلاثَ، وَقالَ: إذا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْها الأذى وَلْيَأْكُلْها، وَلا يَدَعْها لِلشَّيْطانِ، وَأَمَرَنا أَنْ نَسْلُتَ القَصْعَةَ، قالَ: فإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أَيِّ طَعامِكُمُ البَرَكَةُ"(رواه مسلم).

فأينَ هذا مِنْ واقعِ بعضِ المسلمينَ اليومَ تجاهَ هذهِ النعمةِ وإساءتِهم في استعمالِها، وإسرافِهم فيهَا، وإهدارِها، ورميِها في الزبالاتِ -والعياذُ باللهِ-.

عبادَ اللهِ: ومِنْ صورِ الإسرافِ في نعمةِ الطعامِ وإهدارِها وامتهانِها ما يلي:

1- الإسرافُ في الولائمِ في حفلاتِ الزواجِ، ثمَّ إذَا انتهتْ المناسبةُ ألقوا باقيَ هذهِ الولائمِ في القماماتِ.

2- الأطعمةُ والمشروباتُ التي تكونُ في الاجتماعاتِ والمناسباتِ العائليةِ والتي تزيدُ عن الحاجةِ، ثم يوضعُ ما تبقَّى منها في النفاياتِ أو على حافَّاتِ الطريقِ.

3- الوجباتُ الزائدةُ عن الحاجةِ في الفنادقِ والمطاعمِ ومحلاتِ الوجباتِ الخفيفةِ، فأغلبُها لا يستفادُ منهَا على الرغمِ من سلامتِها، بل تُلقَى في النفاياتِ، أو للحيواناتِ.

4- التمورُ التي تكونُ في البيوتِ من العامِ الماضي، وهيَ من أجودِ أنواعِ التمورِ نراهَا ملقاةً في أماكنِ تجمعِ الطيورِ والحيواناتِ أو على الأرصفةِ، ثمَّ تُمتَهنُ ولا يستفادُ منها.

والواجبُ علينَا أن نحافظَ على هذهِ النعمةِ، وأن نتعاونَ في إيصالِ الزائدِ منهَا إلى مستحقِيهَا من الفقراءِ والمحتاجينَ عن طريقِ الجمعياتِ التي تَتَولَّى ذلكَ.

وهنا أشيدُ بأولئكَ الرجالِ الأخيارِ الذين يَتَتبَّعونَ مواقعَ هذهِ النعمةِ في الشوارعِ وعلى الأرصفةِ ويأخذونَها لدوابِّهم، فلْيبْشِرُوا بالخيرِ، فهم في عبادةٍ وعملُهم من أرجى الأعمالِ مع النيِّةِ الصالحةِ.

أعوذُ باللهِ منْ الشَّيطانِ الرجيمِ: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112].

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.

أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واحرصوا على شكرِ نعمةِ الطعامِ وذلكَ بالمحافظةِ عليهَا، وعدمِ الإسرافِ فيهَا، وامتهانِها وإهدارِهَا، وألَّا يُرمَى الزائدُ من الطعامِ في النفاياتِ، فهذا تبذيرٌ، وقد نهى اللهُ -تعالى- عنه.

واعلموا أنَّ الشُّكرَ يحفظُ النِّعمةَ ويُنمِّيها، ويجلبُ رضَا مسدِيهَا ومُولِيها، والنِّعمةُ إذَا شُكرتْ قرَّت وإذا كُفرتْ فرَّت. وعلى الجميعِ توعيةُ الأبناءِ بضرورةِ حفظِ النِّعمةِ، وعدمِ الإسرافِ فيهَا أو امتهانِها أو إهدارِها.

أيُّها المؤمنونَ: ها هو عامٌ من أعمارِنا قد مضى بما فيه، وعامٌ جديدٌ قد استقبلنَاه، فعلينَا أن نتزوَّدَ فيه من الأعمالِ الصالحاتِ قبلَ المماتِ، والابتعادِ عن كلِّ ما يوجبُ سخطَ الربِّ -جلَّ في علاه-.

وها أنتمْ في شهرٍ من الأشهرِ الحرمِ، وهوَ شهرُ اللهِ المحرَّم، الذي يُسنُّ فيه الإكثارُ من الصيامِ، فعن أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنه- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "أَفضلُ الصّيامِ بعد رمضان شهرُ الله المحرم"(رواه مسلم)، ولا سيما التاسع والعاشر، وهي توافق في هذا العام 1442ه الجمعة والسبت.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى؛ فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ -جلَّ وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي