على المسلمِ أن يُميِّزَ هذه الأيام عن غيرِها بما يُسجِّل فيها في صحيفةِ حسناتِه من الأعمالِ الصالحةِ، وأن يَبتَعدَ عن الظُلمِ والغيبةِ والنميمةِ وأذيةِ الناسِ وقطيعةِ الرَّحمِ وأكلِ أموالِ النَّاسِ بغيرِ وجهِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الكريمِ المنانِ ذِي الفضلِ والإحسانِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه ومَنْ سارَ على نهجِه إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عبادَ اللهِ: أَقبلتْ العشرُ الأولُ من شهرِ ذي الحجةِ وهيَ من المواسمِ الفاضلةِ التي أكرمنَا بها ربُّنا جلَّ وعلا، وبشَّرنَا بها نبيُّنا محمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلم فقال: "مَا مِنْ أَيامٍ العملُ الصالحُ فيهَا أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيامِ" يعني عشرَ ذي الحجِّة ـ قالوا: يا رسولَ اللهِ: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قالَ: "ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلا رجلٌ خرجَ بنفسِه ومالِه، ثُمَّ لم يرجعْ من ذلكَ بشيءٍ". قال ابنُ حجرٍ في الفتحِ: "والذي يظهرُ أنّ السببَ في امتيازِ عشرِ ذِي الحجةِ، لمكانِ اجتماعِ أمهاتِ العبادةِ فيه، وهي الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ والحجُّ، ولا يأتي ذلك في غيرهِ".
عبادَ اللهِ: ومن أنواعِ العملِ الصالحِ في هذه الأيامِ ما يلي:
أولاً: الحرصُ على صيامِها: وقد أجمع العلماءُ على استحبابِ صيامِها كلِّها أو بعضِها، وخاصةً يومَ عرفةَ، فقد سُئل صلى اللهُ عليه وسلم عن صومِ يومِ عرفةَ؟ فقال: "يُكفِّرُ السنةَ الماضيةَ والباقيةَ".
ثانيًا: الإكثارُ من التكبيرِ والتحميدِ والتهليلِ والتسبيحِ فيهَا: ويُسنُّ الجهرُ بذلكَ في المساجدِ والمنازلِ والطرقاتِ وكلِّ موضعٍ يجوزُ فيه ذكرُ اللهِ إظهاراً للعبادةِ، وتعظيمًا للهِ، ويبدأُ التكبيرُ من وقتِ ثبوتِ دخولِ أولِ الشهرِ وحتى نهايةِ اليومِ الثالثِ عشرَ من ذي الحجةِ، وصفتُه أن يقولَ المسلمُ: اللهُ أكبرُ، اللهُ اكبرُ، لا إله إلا الله، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد، يُكرِّرهَا ويرفعُ بها صوتَه.
ثالثًا: الإكثارُ منْ الأعمالِ الصالحةِ: كأداءِ الفرائضِ، والإكثارُ من النوافلِ، والاستغفارُ، والصدقةُ، والدعاءُ، وقراءةُ القرآنِ، وبرُّ الوالدينِ، وصلةُ الأرحامِ، وغيرُ ذلك.
رابعًا: الحرصُ على التَّوبةِ النَّصوحِ: وتَتَأكَّدُ في تلكَ العشرِ لما لهَا من فضلٍ عن غيرِها، وإذا كانَ عليهِ حقٌّ لآدميِّ فعليه طلبُ المسامحةِ.
خامسًا: على المسلمِ أن يُميِّزَ هذه الأيامِ عن غيرِها بما يُسجِّل فيها في صحيفةِ حسناتِه من الأعمالِ الصالحةِ، وأن يَبتَعدَ عن الظُلمِ والغيبةِ والنميمةِ وأذيةِ الناسِ وقطيعةِ الرَّحمِ وأكلِ أموالِ النَّاسِ بغيرِ وجهِ حقٍّ.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) [المزمل:20].
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بمَا فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ.
أقولُ ما سمعتم، فاستغفروا اللهَ يغْفر لي ولكم إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولِه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ: ومنْ أرادَ أن يُضحِّيَ فلا يأخذُ منْ شعرِه وأظفارِه شيَّئًا لقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "من كان له ذبحٌ يذبحه فإذا أهلَّ هلالُ ذِي الحجةِ فلا يأخذنَّ من شعرِه ولا من أظفارِه شيئًا حتى يضحِّيَ".
وأمَّا غيرُ المضحي من الأهلِ والأولادِ، فلا يلزمُهم الإمساكُ عن أخذِ الشَّعرِ والظُّفرِ.
أسألُ اللهَ -تعالى- أن يبلِّغنَا العشرَ المباركةَ، وأن يُوفِّقنَا فيها لكلِ عملٍ صالحٍ يرضيهِ عنَّا.
هذَا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى، فقد أَمَركُم اللهُ بذلكَ فقال جلَّ من قائلٍ عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي