اسم الله الستير

عبدالله عوض الأسمري
عناصر الخطبة
  1. تأملات في معاني اسم الله الستير .
  2. نعمة الستر .
  3. من أسباب الفوز بستر الله تعالى .
  4. التعبُّد لله باسم الستير. .

اقتباس

الله يستر على عباده ذنوبهم وعيوبهم، ولا يفضحهم. ومن أجمل وأعظم نعم الله عليك: أن يشملك بستره الجميل، ولأجل الستر شرع الله حدّ القذف؛ حمايةً للأعراض، ولأجل الستر نهى الإسلام عن سوء الظن، كما نهى عن التجسس؛....

الخطبة الأولى:

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عباد الله: إن من أسماء الله -عز وجل- الستير، ومعنى الستير في حق الله -تعالى- أنَّ الله يستر على عباده ذنوبهم وعيوبهم، ولا يفضحهم. ومن أجمل وأعظم نعم الله عليك: أن يشملك بستره الجميل، ولأجل الستر شرع الله حدّ القذف؛ حمايةً للأعراض، ولأجل الستر نهى الإسلام عن سوء الظن، كما نهى عن التجسس؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)[الحجرات:12].

لأن سوء الظن يعني غلبة الظن بفساد أحد من الناس دون تثبُّت، والبحث عن عيوب المسلم وتتبع عوراتهم، وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: "يا مَعشرَ مَن آمَنَ بلِسانِه، ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه: لا تَغتابوا المُسلمينَ، ولا تتَّبِعوا عَوراتِهم؛ فإنَّه مَن تتبَّعَ عَوراتِ المُسلمينَ، تتبَّعَ اللهُ عَورتَه، ومَن تتبَّعَ اللهُ عَورتَه، فيَفضَحُه ولو في جَوفِ رَحلِه"(صحيح الجامع ٧٩٨٤).

ولأجل الستر أمر الله بغضِّ الأبصار؛ للرجال والنساء فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)[النور:30-31]؛ حتى لا تصل الأمور إلى ارتكاب الزنا، ومِن ثَمَّ إقامة الحدود والفضيحة أمام الناس.

عباد الله: ومن أسباب الفوز بستر الله -عز وجل- عليك ما يلي:

1- الإخلاص لله -تعالى- واجتناب الرياء: قال -صلى الله عليه وسلم- "مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ"(صحيح البخاري ٦٤٩٩).

2- عدم المجاهرة بالذنب أو المعاصي؛ فإن الله لا يعافي المجاهر بالمعاصي في الحديث "كلّ أُمتي معافى إلا المجاهرون"، ورُوِيَ عن أحد الصالحين أنه قال: "لا يعذب الله قوماً يسترون الذنوب"؛ فإذا وقع العبد في معصية، ثم تاب منها دون أن يجهر بها ستره الله في الدنيا والآخرة والأسوأ من المجاهرة إفشاء الأسرار فيما يحصل بين الزوجين.

3- من أسباب ستر الله عليك: كثرة الاستغفار، والإكثار من العبادات.

4- كذلك الستر على أخيك المسلم؛ ففي الحديث أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة"(رواه البخاري).

واعلموا أن الستر لصاحب المعصية الذي تَحْدُث منه لأول مرة، وهي زلة منه، ولم يكن مشتهرًا بالمعاصي؛ فإن هذا ينبغي أن نستر عليه لأنه غير مشتهر بالمعاصي، أما من كان مشتهرًا بالمعاصي ومعروفًا بها، وقد آذى الناس كالمدمن في الخمور والمخدرات أو غيرهم؛ فيجب في مثل هؤلاء عدم الستر عليهم، ويجب الإبلاغ عنهم وفضحهم؛ لأنه قد آذى الناس ومعروف بالاستمرار في إضلال الناس وإفسادهم في دينهم ودنياهم.

5- أيضًا من أسباب ستر الله -عز وجل-: الصدقة؛ ففي الحديث عن النبي -صلى  الله عليه وسلم- أنه قال: "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل"(رواه مسلم).

6- أيضاً: من أسباب ستر الله -عز وجل-: كظم الغيظ والغضب، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ومَن كفَّ غضبه ستر الله عورته"(حسنه الألباني).

7- وكذلك الدعاء؛ فمن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي".

8- والإحسان إلى البنات؛ حيث ثبت في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن ابتُلِيَ مِن هذه البنات بشيء كن له سترًا من النار".

9- تأدية حق الله في المال؛ فإذا أديت حق الله في المال ستَرك الله، وإذا لم تؤدِّ حق الله في المال، وهي الزكاة وأنفقته؛ فإنك مُعرَّض للعقوبة والفضيحة من الله.

10- وأيضًا يجب ستر المسلم عند تغسيله "مَن غسَّل ميتًا فستره ستَره الله"، أو كما ورد نسأل الله -عز وجل- أن يسترنا في الدنيا والآخرة.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة على محمد وآله وصحبه وسلم، وبعد:

علمنا أنَّ الله يستر على عباده ما اقترفوا من آثام وذنوب؛ فيجب علينا أن نستر إخواننا المسلمين، وأن نتعلم من هذا الاسم الستر على عباد الله؛ فإن الجزاء من جنس العمل، فمن يفضح المسلمين، ويُشوّه صورتهم أمام الناس؛ فإن الله -عز وجل- سوف يفضحه أمام الناس ولو في عقر داره، كما في الحديث السابق.

ولا يجوز تتبُّع عورات المسلمين وأخطائهم، ولا يجوز غيبة وفضح أصحاب المعاصي لمن لم يشهر بمعصيته وكانت لأول مرة منه.

نسأل الله أن يسترنا في الدنيا والآخرة، وأن يستر أهل بيوتنا وأقاربنا وجيراننا وإخواننا، ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودَمِّر أعداءَ الدِّينِ، واجعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا، رخاءً سخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم بفضلك عمنا، وبلطفك حفنا، وعلى الإسلام والسنة والجماعة جمعا توفنا، توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين ولا مبدلين ولا مغيرين، يا رب العالمين.

اللهم ما سألناكَ من خير فأَعْطِنا، وما لم نسألك فابتَدِئْنا، وما قَصُرَتْ عنه آمالُنا وأعمالُنا من خيرَيِ الدنيا والآخرة فبَلِّغْنا، اللهم إنَّا نسألكَ الهدى والتقى، والعفاف والغنى، اللهم إنَّا نسألكَ العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا، وآمِنْ روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتَنا، وفي القبور وحشتَنا، ويومَ القيامة بين يديك ذُلَّ وقوفنا، يمِّمْ كتابَنا، ويَسِّر حسابَنا، وثبِّتْ على الصراطِ أقدامَنا، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي