إذا الوضع استمر على ما هو عليه، وتُرك الملحدون يبثون شرورهم، وتَرَك أولياء الأمور وأهلُ الإصلاح من دعاة ومعلمين وآباء دورَهم في حماية أبنائهم ومجتمعاتهم؛ فإن مجتمعنا رغم تدينه قد يغرق ويزداد وباء الإلحاد فيه، فلا غرابة إذاً من أن تجد من أبناء جلدتنا من يحمل فكر الإلحاد ويدعو له، ويحارب دين الله، ويشكك بوجود الخالق...
الْخُطبَةُ الْأُولَى:
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين, وأشهد أن محمدا عبد ورسوله, صلوات الله وسلامه وبركاته عليه, وعلى آله وصحابته أجمعين, وبعد:
قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
إخوة الإيمان: إن من أعظم المصائب مصابُ الدين، وأعظم المصائب الردّة بعد الإسلام, وأعظم الكفر الإلحاد، -نسأل الله السلامة-, والإلحاد مذهب فكري, ينفي وجود خالق الكون, والملحد كافرٌ؛ منكر للدين, منكر لوجود الإله، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا)[النساء: 137].
الإلحاد ظاهرةٌ عالمية لا ينكرها إلا معاند جاهل، تفيد الإحصاءات الغربية أن بين كل ستة أشخاص في العالم يوجد ملحد واحد، سدس العالم ملحد، فإن صحّ هذا الأمر عند أهل الكفر وقُبل عندهم؛ فبسبب دينهم الباطل, وغرقهم في الشبهات والشهوات والمتع؛ فلا دين يمنعهم, ولا قيم تحجزهم, أما مجتمعاتِنا المسلمة فالإسلام حصن حصين لأبنائه, وخطر الإلحاد عليهم أضعف، لكن هذا لا يعني السكوت والغفلة عن انتشاره، وخصوصاً وقد أصبح العالمُ عالما افتراضياً واحدا، أصبح كالقرية الواحدة.
فما هو مرض ووباء في الدول الكافرة سيصل مجتمعاتنا المسلمة ولا بدّ؛ إن لم نحترز منه ونتقيه، وخصوصاً مع انبهار بعض شباب مجتمعاتنا المسلمة بالعولمة وما تحمل معها من دعوى الفجور والمجون والإباحية، وانخداعهم بسلطة الدول الكافرة وتقدمها مادياً وعسكرياً وحضارياً، وسقوطها راكعة أمام الإلحاد, فلا عجب بعد ذلك أن ترى من أبنائنا من يتلبّس بلباس الإلحاد, ويتبجح باسم التقدم والحضارة, ويدعو لفكر الإلحاد ومحاربة الدين, يشابه أسياده الكفار الملحدين!.
إخوة الإيمان: في عصرنا تتنوع طرق الدعوة للإلحاد بشكل مباشر وغير مباشر، ومن ذلك ما يعرض في القنوات الفضائية، والمواقع الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي؛ الفيس, التويتر, انستقرام..، ألعاب البلي ستيشن, والكتب، والصحف، والمجلات وغيرها.
ولكن من أشدها خطرا وأكثرها فتكا, من يحمل راية نشر وباء الإلحاد عالمياً، إعلامٌ عالمي خبيث يقوم عليه رجال شبه الشياطين، ينفثون سمومهم عبر جميع وسائله، وخصوصا مع انفتاح العالم الفضائي بشقيه: القنوات, والانترنت, وما يُبثون فيهما من شهوات وشبهات، فشهوات تأمر بالتخلص من التكاليف الشرعية، وشبهات تدعو لمحاربة الدين والتخلص من قيوده، وهذه سمةٌ في معظم إعلام أهل الكفر!.
هذا بحد ذاته إن كان الأمر دون مكر وتخطيط، كافٍ لتشكيك المسلم بدينه وإغراقه في شهواته وملذاته، فكيف نغفل عما تتعرض له اليوم مجتمعاتنا المسلمة من حملات متتابعة للطعن في ثوابتها، ومحاولة شغلها عن بناء مستقبلها، وإغراقها في الحروب المدمّرة والصراعات الفكرية، ومحاولة هدم الإسلام من الداخل بأيدي أبناءه؟؛ (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الأنفال: 30].
إخوة الإيمان: إذا كان يحرم مشاهدة الأفلام والمسلسلات الهابطة التي تنشر العهر والفجور, وتنشر الفاحشة والجريمة، فكيف يسمح مسلم لنفسه أن يشاهد أفلام الكفر والإلحاد؟! وحقيقةً ممّا يملأ القلب حزناً وكمداً، أن أصبح مِنْ أبناء وبنات المسلمين مَن يستقبل الإلحاد عياناً بياناً, عبر مسلسلات وأفلام أُشْتِهَر أنها إلحادية، تُعرض عبر تطبيق اليوتيوب, أو منصات الأفلام الخبيثة مثل النيتفليكس وغيرها، أفلام ومسلسلات تمسّ جناب الرب -عز وجل-، وتطعن في أصول الدين في النبوات والرسالة؛ القرآن, والسنة, يتابعها بعض شبابنا؛ ذكرانا, وإناثا, هداهم الله!.
وإذا ناصحتهم وسألتهم لماذا تشاهدون؟, يجيبون بدعوى المتعة والمشاهدة مع عدم الرضا بما يُعرض، وتراه يُصغي بسمعه وبصره، ويُقبل بقلبه وقالبه على ما يقدّمون من أفكار خبيثة إلحادية, تغزو العقول وتحقق للكفار ما يريدون من صرف المسلمين عن دينهم, والله -جل جلاله- حذرهم من ذلك, فقال -تعالى-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)[البقرة: 109]، (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ)[آل عمران: 69], (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)[القلم: 8، 9], والآيات كثيرة
لتعلم أخي في الله: أن من يشاهد مثل هذه الأفلام والمسلسلات الإلحادية، وهو يعلم يقيناً تجنٍّيها على مقام الربوبية, أو الطعن في ثوابت الدين بأي شكل من الأشكال، فإنه على خطر كبير قد يصل به إلى الردّة عن دين الله، والكفر بعد الإيمان؛ كما قال -تعالى-: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)[الصف: 5], وقوله -تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)[النساء: 140].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
إخوة الإيمان: إذا الوضع استمر على ما هو عليه، وتُرك الملحدون يبثون شرورهم، وتَرَك أولياء الأمور وأهلُ الإصلاح من دعاة ومعلمين وآباء دورَهم في حماية أبنائهم ومجتمعاتهم؛ فإن مجتمعنا رغم تدينه قد يغرق ويزداد وباء الإلحاد فيه، فلا غرابة إذاً من أن تجد من أبناء جلدتنا من يحمل فكر الإلحاد ويدعو له، ويحارب دين الله، ويشكك بوجود الخالق، ويطعن بثوابت الدين، ويكذب القرآن الكريم والسنة المطهرة, نسأل الله -جل جلاله- أن يحمينا ويحمي شباب المسلمين؛ (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 8].
ومع هذه الشرور وعِظَم الخطب، وَجَبَ على أولياء الأمور مُتابعةُ أبنائهم، وتحذيرهم من الولوغ في نجاسة تلك الأفلام والمسلسلات الكافرة والهابطة، ويكونوا لهم كالحصن الحصين من هذه الفتن، عليهم تعهُّدهم بعطفٍ وأبوَّةٍ، وحبٍّ وحنانٍ، بالنُّصْح والإرشاد، أخرج الشيخان من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته؛ الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها", قال -تعالى- بعد أن ذكر أوصاف الجنة وأهلها: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)[الطور: 25 - 28].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي