لنكن صرحاء مع أنفسنا.. ولنتحلّ بشيء من الشجاعة.. فلا يكفي أن ندّعيَ محبة الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون أن يكون لذلك واقع حقيقيٌ في حياتنا، وكيف تكون دعوانا صادقة وحياتنا في أغلب مظاهرها مخالفة لهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بعيدة عن منهجه القويم، أي محبةٍ هذه لمحبوبٍ ألسنتنا معه وحياتنا ليست معه..
أيها الإخوة: جاء في سير أعلام النبلاء قصة لطيفة طريفة.. حدثت في عهد الواثق أحد خلفاء بني العباس حينما ظهرت فتنة القول بخلق القرآن، حيث جيء بشيخ كبير مقيد إلى مجلس الخليفة، وكان ابن أبي دؤاد في المجلس، وهو ممن يقول بخلق القرآن، فقال الشيخ: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال الخليفة: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك مؤدبك، قال الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) [النساء: 86]..
فقال ابن أبي داود: الرجل متكلم. قال له الخليفـة: كلّمـه، فقال: يا شيخ ما تقول في القرآن؟ قال: لم ينصفني.. السؤال لي.. قال ابن دؤاد: سل.. فقال الشيخ: ما تقول أنت في القرآن؟ قال: أقول إنه مخلوق.. قال الشيخ: أهذا شيء علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه؟ قال: شيء لم يعلموه، فقال الشيخ سبحان الله! شيء لم يعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم-، علمته أنت؟ فخجل..
فقال: أقلني –يعني: أريد أن أغير إجابتي- قال الشيخ: المسألة بحالها –يعني: أجب عن نفس السؤال- قال: نعم علموه –أي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وبقية الخلفاء علموا أن القرآن مخلوق.
فقال الشيخ: علموه ولم يدعوا الناس إليه؟ قال ابن أبي دؤاد: نعم. قال الشيخ: أفلا وسعك ما وسعهم.. فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم..
فقـام الواثق من مجلسه وهو يقول: شيء لم يعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت يا سبحان الله!!. أو شيء علموه ولم يدعوا الناس إليه أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم أمر الخليفة بفك قيود الشيخ، ومنذ ذلك الوقت انتهت بفضل الله تلك البدعة التي راجت كثيرا..
ونحن بدورنا نوجه هذه الأسئلة المنطقية لكل صاحب بدعة، ونقول لكل من يدعو إلى أمر لم يشرعه الله عز وجل ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا خلفاءه الراشدون ولا أحدٌ من آل البيت الطيبين ولا بقية الصحابة الكرام، ولا الأئمة الأربعة، ولا أصحاب الكتب الستة كالبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وغيرهم كثير..
نقول لهذا الداعي إلى تلك البدعة: هل هؤلاء كلهم علموا ما تدعو الناس إليه أم لم يعلموه؟ فإن قال لا: لم يعلموه، نقول يا سبحان الله كيف لك أن تعلم أمراً خفي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته وصحابته والأئمة والمحدثين، هل أنت أهدى من أولئك؟!!
فإن قال: نعم علموه.. نقول له فهل حين علموه؟ تركوه، وسكتوا عنه فلم يدعوا الناس إليه؟.. -وليس أمامه إلا أن يقول: نعم، تركوه، وسكتوا عنه ولم يدعوا الناس إليه.. وإلا سيسأل عن إثبات ذلك.. وهذا ما ليس إليه سبيل.. فلا يوجد قول: ولو ضعيف عن فعل هذه البدع في القرون الثلاثة الأولى ولا حتى إلى منتصف القرن الرابع الهجري-
وعندها نقول له: إذن يسعنا ما وسع القوم، فما تركوه نتركه، وما فعلوه نفعله، فهل يسعكم أن تتشبثوا بأمورٍ لم يأمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يفعلها، ولم تذكر عن الخلفاء ولا عن أحد من الصحابة ولا أحد من التابعين.. ولا حتى أتباع التابعين..
أخرج الدارمي بسند صحيح أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعود -رضي الله عنهما-: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبّروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة، فيقول: سبّحوا مائة فيسبحون مائة، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء.
ثم أتى حلقة من تلك الحِلَق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟!
قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصًى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، قال: "فعُدّوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم! هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، والذي نفسي بيده لأنتم على ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لم يصبه".
فلذلك يجب على كل مسلم أن يتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما فعل وترك، وأن يقتدي بالخلفاء الراشدين ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم حتى يحظى بالشربة الهنيئة من حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليحذر أن يُذَاد عن تلك الشربة وتمنعه الملائكة منها، قائلين للنبي -صلى الله عليه وسلم- حين يحامي عنهم.. "أمتي أمتي" فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: "سحقاً سحقاً" .
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: كنا جلوساً عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخط خطاً هكذا أمامه فقال: "هذا سبيل الله" وخط خطاً عن يمينه وخطاً عن شماله، وقال: "هذه سبل الشيطان" ثم وضع يده على الخط الأوسط ثم تلا هذه الآية: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].
أيها الأحبة: من القواعد المقررة شرعاً.. أن الأصل في العبادات المنع والتوقف، وأن الأصل في المعاملات الحل والإباحة، ومعنى ذلك أنه لا تصح عبادةٌ إلا بدليل. ولا تمنع معاملةٌ إلا بدليل..
وقد أكمل الله للأمة هذا الدين ورضيه وأتم به نعمته، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً) [المائدة: 3] وروى الطبراني بإسناد صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئا يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه".. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" متفق عليه..
فالشرع الحكيم رسم للعبادات والتكاليف طرقًا خاصة بأوجه خاصة. قيدها زماناً ومكاناً، وهيئة وعدداً، وألزم الجميع بها أمراً ونهياً، ووعداً ووعيداً، وأخبر أن الخير فيها والشر في تجاوزها وتعديها، وأن من استحسن فقد شرَّع، وأن الزيادة شر من النقصان.. قال أهل العلم: من زعم أن ثمة طرقاً أخرى للعبادات فقد قدح في كمال هذا الدين، وخالف ما جاء به المصطفى الأمين، وكأنه يستدرك على الشريعة نقائص لم يفطن إليها الشارع، قال مالك رحمه الله: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً) [المائدة: 3] فما لم يكن يومئذ ديناً، فلا يكون اليوم دينا " ا. هـ كلامه رحمه الله..
وحين يقول الرسول العظيم محذراً وموصياً: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".. فلكل منصف أن يسأل نفسه بصدق ألم نرَ اختلافاً كثيراً يا عباد الله؟! فأين التمسك والعض بالنواجذ على سنته -صلى الله عليه وسلم-؟!
لقد كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى عامله بشأن بعض الفِرَق الضالة التي خرجت في زمانه في بداية القرن الثاني فقال: "أما بعد: فعليك بلزوم السنة، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل.. وارض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على الهدى المستقيم، وهم كانوا على كشف الأمور أقوى، وكما إنهم عن علمٍ يفعلون، فإنهم عن علمٍ يتوقفون، فما دونهم مقصر، وما فوقهم متعدي.. فالزم غرزهم والسلام"..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر: 8]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الحمد لله وكفى..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّنَا لم نَتَعَرَّضْ لِهَذِهِ البِدعَةِ بِالحَدِيثِ.. إلا لما ابتلينا به في هَذَا الزَّمَانِ من ِقَنَوَاتٍ ضَالَّةٍ مُضِلَّةٍ فَاتِنَةٍ مَفتُونَةٍ، تَنقُلُ مِثلَ هَذِهِ البِدعِ مِن بَعضِ أَجزَاءِ العَالمِ الإسلامِيِّ عَلَى أَنَّهَا مُنَاسَبَاتٌ إِسلامِيَّةٌ، وَقَد يُصَادِفُ هَذَا قَلبًا خَالِيًا مِنَ العِلمِ وَالبَصِيرَةِ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ الحَقُّ وَمَا هُوَ بِالحَقِّ..
أيها المسلمون، لقد كانت بعثة رسولنا -صلى الله عليه وسلم- رحمة ونوراً بعد ظلمات، وتوحداً وجمعًا بعد شتات، وحضارة وحياة بعد ممات، وصدق الله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، وكانت منةً على أهل الإيمان، زكت نفوسهم، ورفعت أقدارهم، وأصلحت حياتهم وشؤونهم، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران: 164]، فكان مفتاح الخيرات والبركات للبشرية جمعاء، وأيقن أهل الإيمان برسالته وبفضله وعظمته، وجعله الله تعالى حجة على العالمين وقدوة للناس أجمعين، يهتدون بهديه ويستنون بسنته...
إلا أنه قد بلغ الحال ببعض الناس أن غلوا في الرسول -صلى الله عليه وسلم- وغالوا فيه، ووصفوه بأوصاف لا تليق إلا بالله، وأنزلوه منزلة الإله، فسألوه ودعَوه من دون الله، وصنعوا له طقوساً واحتفالات ما أنزل الله بها من سلطان، وأقاموا له أعياداً ومناسبات.. نهى هو عنها في حياته أشد النهي، وأحدثوا أموراً في الدين مَا عرفها الصحابة ولا التابعين.. وفعَلوا أشياء ما فعلها الأئمة المقتدى بهم من السلف الصالحين -رضوان الله عليهم أجمعين-، فأحدثوا ما ليس له أصل في الدين..
ونحن لو سألنا من يفعل هذه الأمور: لماذا تفعل هذا؟ لقال: لأني أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. ولا شك أن القلوب تجتمع على محبة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ولن يذوقَ مسلمٌ حلاوةَ الإيمان إذا لم يكن حبُّ رسول الله عنده فوقَ كلّ حبيب، ففي الحديث الصحيح: "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما" بل يترقّى الأمر إلى حدّ نفيِ الإيمان كما في الحديث الصحيح الآخر: "لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" بأبي هو وأمي عليه..
فكل مسلمٍ في مكنون قلبه حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولسانه يلهج بذلك ولولا ذلك لما صار مسلمًا.. ورغم الأهمية العظمي لهذا الأمر، إلا أن ما هو أهم منه! هو كيف نعبر تعبيراً صحيحاً عن هذا الحب؟ وكيف نحوّل هذا الحب إلى برنامج عملي يحكم واقعنا ويسيّر حياتنا.. (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
أحبتي في الله: لنكن صرحاء مع أنفسنا.. ولنتحلَّ بشيء من الشجاعة.. فلا يكفي أن ندّعيَ محبة الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون أن يكون لذلك واقع حقيقيٌ في حياتنا، وكيف تكون دعوانا صادقة وحياتنا في أغلب مظاهرها مخالفة لهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بعيدة عن منهجه القويم، أي محبةٍ هذه لمحبوبٍ ألسنتنا معه وحياتنا ليست معه..
أي محبةٍ لمحبوبٍ نترنم بمناقبه وسيرته في مجالسنا ووسائل إعلامنا، حتى إذا جئنا لواقع حياتنا إذا بنا في بيوتنا وفي أسواقنا وفي مكاتبنا وفي متنزهاتنا، وفي فكرنا وثقافتنا وفي شكلنا وهيئتنا، وفي سلوكنا وعلاقاتنا وفي تجارتنا ومعاملاتنا ومصالحنا.. في ذلك كله وربما غيره لا نعيش معه، ولا نلتزم بمبادئه وآدابه الرفيعة، وإذا رأينا هذه المبادئ والآداب النبوية تُهان وتنتهك فلا تأخذنا الحميّة ولا نغضب، ولا ننتصر لرسول الله ولا لسنته.. فأين الدليل العملي على صدق هذه المحبة التي ندعيها ؟..
هذه سنته قد بلغها إلينا أصحابه من بعده كاملة غير منقوصة.. فكم منّا من قرأ صحيح البخاري ومسلم ولو لمرة واحدة، كم منا من قرأ مختصر صحيح البخاري ومسلم بل ومختصر المختصر وفيهما جُلّ سنته موثقة بالأسانيد الصحيحة.. بل وأقلّ من ذلك !!
فكم منا من قرأ الأربعين النووية.. وفي المقابل فكم من سُنةٍ من سنن المصطفى نعلمها جيداً ونفقهها تماماً، ولكننا لا نطبقها، ولا ننشرها ولا نُعلِمُها لأقرب الناس إلينا.. وإذا فتشت عن حقيقة الحال، وجدت أننا مشغولون عن الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بمحبوبين ومحبوبات آخرين، يُعكفُ عليهم كل ليلة ساعات وساعات، في تلك الشاشات، وتطارد أخبارهم من قناة لقناة، يتابعون بإعجاب ظاهر، ويقلدون في أدق الصغائر..
وإذا تعارضت سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مع أهوائنا ورغباتنا فأي شيء يُقدم؟ هذه هي القضية.. وهذا هو الاختبار الحاسم الذي يفترق الناس عنده فريقين , فريقٌ صادق في حبه لله ورسوله.. وآخر مسكين، يغش نفسه ويعيش أحلام اليقظة.. فأين هو من قول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"..
ألا فتعلموا واعلموا يا عباد الله: أن الوسيلة الصحيحة للتعبير عن حب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- هي في تعلم سنته وتطبقيها وتقديمها على ما سواها ثم نشرها والدعوة إليها.. والذب عنها والصبر فيها.. (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
إن على الأمة واجبًا كبيرًا نحو نبيها العظيم -صلى الله عليه وسلم-.. يتمثل في تعظيمه وتوقيره وحبه وطاعته واتباع هديه، فقد أرسله الله ليطاع فقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) [النساء: 64]، وجعل الهداية في طاعته فقال: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور: 54]، وجعل الفتنة والعذاب في مخالفة أمره فقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].
وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" (رواه البخاري).
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَتَنبهُوا لِذَلِكَ، وعَلَيكُم بِالسُّنَةٍ وَاحذَرُوا البِدَعَ، وَاطلُبُوا العِلمَ الشَّرعِيَّ وَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ، فَإِنَّه مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ..
ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به.. البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، كما تدين تدان.. اللهم صلّ..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي