من ضلالات الصوفية

عبد العزيز بن محمد السعيد

عناصر الخطبة

  1. عقيدة وحدة الوجود
  2. الأقطاب والأغواث والأوتاد والنقباء عند الصوفية
  3. تلقي العلم عن الله بلا واسطة
  4. ارتكابهم للمحرمات والموبقات
  5. الصوفية والقرآن الكريم
  6. تعلق المريد بالشيخ
  7. إيمانهم بالرجعة
  8. الرقص والتواجد والسماع عند الصوفية
  9. شكر الله تعالى على نعمة الهداية للسنة

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فهناك من الطوائف من يأتي بما تأباه العقول السليمة وتستخفه، وتنفر عنه الفطر الصحيحة وتستهجنه، والدين قبل ذلك يرده وينقضه.

لقد زعم قوم أن الرب هو عين المخلوق، فالرب عبد والعبد رب، فالله عندهم نزل عن عليائه حتى حلّ في مخلوقه حلول الماء في الكأس، والمخلوق سما بروحه حتى اتّحد بربه وامتزج به امتزاج اللبن بالماء، حتى قال قائلهم عن نفسه: "لا إله إلا أنا"! وقال الآخر: "سبحاني ما أعظم شأني!". عياذًا بالله.

وعباد الأصنام عندهم ما عبدوا شيئًا إلا الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)﴾ [سورة الإخلاص]، ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255].

قوم نصبوا لأنفسهم طواغيت يسمونهم الأقطاب والأغواث والأوتاد والنقباء، يفزعون إليهم، ويستغيثون بهم، ويزعمون أن لهم تصرفًا في الكون، وأنهم يعلمون الغيب، وما في اللوح المحفوظ، وما في صدور العباد، ومشاهدة الأرضين السبع والسماوات السبع، والشياطين وكيف توالدها، والجن وأين يسكنون، وأنهم يشفون المرضى، ويحيون الموتى، وأنهم لهم قدرة على أن يأخذوا بقلب العبد فيهدوه هداية توفيق، بل يزعمون أنهم يهدونهم بمجرد النظر إليهم، حتى قال أحد طواغيتهم: "قد خصني بالعلم والتصريف، إن قلت: كن يكن بلا تسويف"! وقال طاغوت آخر: "أنا في السماء شاهدت ربي، وعلى الكرسي خاطبته، أنا بيدي أبواب النار أغلقتها، وبيدي جنة الفردوس فتحتها، من زارني أسكنته جنة الفردوس"! وقال آخر منهم: "ومنهم من إذا نظر إليك نظرة تسعد سعادة لا شقاوة بعدها أبدًا، ومنهم من إذا مر على جماعة من العصاة فسلم عليهم آمنهم الله من عذابه، ومنهم من إذا نظر إليك تسعد وإذا نظرت إليه تسعد".

الله أكبر! سبحانك هذا بهتان عظيم! زعموا لأنفسهم ما لم يكن لأنبياء الله ورسله -عليهم الصلاة والسلام-، بل ما هو محض حق الله الذي لا يجوز أن يصرف لغيره، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل: 65]، وقال سبحانه: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾ [يس:83].

وزعموا أنهم يتلقون العلم عن الله بلا واسطة إلا "حدثني قلبي عن ربي"، وأنهم يأخذون من اللوح المحفوظ، وقالوا: "هذا علم الحقيقة". وهي خواطر ووساوس شيطانية تلقى في قلوبهم يسمونها الكشف، ويوظفونها شريعة محكمة، ويستغنون بها عما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويسمونها علم الشريعة، ويقولون هي: رسوم العوام، ويُزرون على حملتها، ويجعلون تعلمها من الآفات، يقول قائلهم: "آفة المريد ثلاثة أشياء: التزويج، وكتابة الحديث، ومعاشرة الضد"! ويقصدون بالضد علماء الشريعة وطلابها.

قال أبو الوفاء ابن عقيل -رحمه الله-: "ومن قال: حدّثني قلبي عن ربي فقد صرح أنه غني عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومن صرّح بذلك فقد كفر، فهذه كلمة مدسوسة في الشريعة تحتها هذه الزندقة، ومن رأيناه يزري على النقل علمنا أنه قد عطل أمر الشرع".

وقال القرطبي -رحمه الله-: "وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي، واليقين الضروري، وإجماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى، إلا من جهة الرسل، فمن قال: إن هناك طريقًا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل، بحيث يستغني عن الرسل، فهو كافر يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال وجواب".

وبناءً على هذا المعتقد الفاسد تولد معتقد آخر، وهو اعتقاد أن بعض الأشخاص يسعه الخروج عن شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل قال طاغوتهم: "عجبًا لمن عرف الله كيف يعبده"! كذب وربي، وفجر وظلم وكفر، قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد:19].

ولهذا ترى في كبرائهم من الفسق والضلال والإلحاد وتعطيل الأوامر وارتكاب الفواحش وانتهاك الحرمات ما يبرأ الله ورسله والمؤمنون منه، فترك الصلاة والطهارة والأكل في نهار رمضان والزنا واللواط والتعري ومعاقرة الخمرة في مساوئ كثيرة محرمة شرعًا بالنصوص القطعية هي من فضائل هؤلاء المذكورة في سيرهم التي دونها أتباعهم، وسوغوا ذلك بحجة شيطانية فقالوا: قد يأتي الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن!

بأي دليل في الشرع كان الزنا مذمومًا ظاهرًا محمودًا باطنًا؟! وكذا بقية المحرمات! بل إنهم تجرؤوا على ما لم تتجرأ عليه اليهود والنصارى، وأحجم عنه المشركون؛ لشناعته وبشاعته، ولكن حملهم على هذا اعتقادهم وحدة الوجود، وأن كل ما تعلقت به مشيئة الله فهو محبوب لله، فاعل له على الحقيقة، فاستوى عندهم الإيمان والكفر والطاعة والمعصية، حتى صححوا إيمان فرعون وإبليس، بل قال قائلهم: "المذنب في حال ذنبه أقرب إلى الله منه في حال طاعته"!

وأما تحريف القرآن فشيء يربو على الخيال، ويكفي أن تعلم أن منهم من يعتقد أن تدبّر القرآن هو الران والحجاب عن الله، يقول أحد كبرائهم ممن ارتضوا مقالته: "اقرأ القرآن من حيث هو كلام الله، لا من حيث ما تدل عليه الآيات من الأحكام والقصص، فإنها الران على قلبك والحجاب"! والله يكذبهم ويقول: ﴿كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ﴾ [ص:29].

وتعلُّق المريد بشيخه الذي يأخذ عنه البدعة والزندقة تعلُّق الإيمان بالشهادتين، ولذا يسلم عقله وجوارحه ويفوّض أموره ويسلمها لشيخه، يقول كبير لهم: "الشيخ للمريد في درجة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإيمانه متعلق به، وكذا سائر أموره الدينية والدنيوية"! وصرحوا أن أكبر الكبائر في حق المريد أن تمر عليه ساعة ولا يكون شيخه في خاطره، فهي المعصية التي تضره في دينه ودنياه! والله أوحى إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن أكبر الكبائر الإشراك بالله.

ويؤمنون بالرجعة، وهي أن بعض الأموات يرجع إلى الدنيا ويكون فيها حيًّا كما كان قبل أن يموت، ولهذا يزعم طوائف منهم أنهم يجتمعون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كل ليلة أو في أيام معلومات يقظة لا منامًا، وأنه يحضر اجتماعاتهم وأذكارهم، قال قائلهم: "لم يمت محمد، وإنما الذي مات هو استعدادك لأن تراه بعين قلبك"! وكذبوا وخابوا وخسروا قال الله تعالى: ﴿إنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ(31)﴾ [الزمر: 30، 31].

وليس لهم نصيب في الطاعات، وإنما نصيبهم في البدع والضلالات من بناء القبور على المساجد، والنذر لها والطواف بها، والصلاة إليها، والاستغاثة بأهلها، وتقديم القرابين لها، والتبرك بعتباتها وسياجها، والاعتقاد في أهلها أنهم ينفعون ويضرون، والله يصفهم بقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)﴾ [النحل: 20، 21].

والرقص والتواجد والسماع على قصد التقرب إلى الله من محدثاتهم، ولهم صلوات محدثه وأذكار مبتدعة: صلاة الكفاية، وصلاة الخير، وصلاة الخصماء، وصلاة الفاتح التي نعتوها بأن فيها ثواب جميع الصلوات وسرها، وألفوا أحزابًا من الأدعية والأذكار المبتدعة، ورتبوا عليها الأجور، فذكروا في بعضها أن من ذكر هذا الحزب مرة كتب له عبادة سنة، ومن حمله كتب من الذاكرين الله كثيرًا ولو لم يذكر الله.

وابتدعوا دعاء الله بالاسم المفرد: الله الله، أو بالضمير كقولهم: هو هو، أو باسم الإشارة وغيرها، كقولهم: ذا ذا، أو: كا كا، أو: ها ها، أو: آ آ.

هذه جملة من ضلالات المتصوفة التي جلبت على المسلمين في أقطار الأرض قساوة القلب وتعطيل الشرائع والعقول، وغمستهم في الشهوات والملذات، وسلطت العدو على المسلمين وأعانته، فلا جهاد ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر، إنما هو فسق وفجور، وابتزاز للأموال، واستلاب للعقول بحيل شيطانية وإغراءات شهوانية.

ذكرنا هذه الحقيقة ليحمد أهل السنة الله على ما هداهم إليه من نعمة الاتباع، وليحذروا الوقوع في شراك هذه الطائفة الضالة؛ فإنهم يتصيدون من لا علم عنده من أهل السنة إذا وفد عليهم في أمكنتهم وخالطهم في مجالسهم، بل إنهم سخروا وسائل التقنية والإعلام لتمرير هذا الفكر، لا سيما وأن فيه انحلالاً وقضاءً محرمًا باسم الدين، مما قد يحمل من غلبته شهوته على الانضمام إليهم والتأثر بمعتقداتهم، وخاصة أنهم يروجون ذلك بالأحاديث الواهية والمكذوبة والمنامات؛ ما قد يستجلب العواطف ويزين القبيح.

وختامًا أقول لأولئك المتصوفة: أثقل عليكم الاتباع فالتجأتم إلى الابتداع؟! ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ(32)﴾ [آل عمران: 31، 32]. أغاظكم انتشار الحق ومسارعة الناس إلى الهدى فذهبتم تطعنون في منهج السلف وتحاربون الداعين إليه علانية لا سرًّا؟! ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(33)﴾ [التوبة: 32، 33]، ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: 61].

قلاكم الناس، واستوحشوا طريقكم، وعرفوا ضلالكم، واشمأزوا من فعالكم، وتشتت أمركم، وانفرط عقدكم، فسوّل لكم الشيطان أن الباطل يدمغ الحق، فانقلبت عليكم الحقائق، وعميت أبصاركم، والله يقول: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون﴾ [الأنبياء: 18]، ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].

ومع هذا كله فهذه دعوة إلى كل متصوف بالتوبة إلى الله، والإقلاع عن هذا الذنب، وسلوك طريق أئمة الهدى والدين، المتأسين بسيد الأولين والآخرين -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-، من الصحابة والتابعين وأتباعهم بإحسان، مع تذكيركم بقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم﴾ [المائدة: 74].

اللهم اهدنا للحق، ووفقنا للاتباع، وتوفنا على الإسلام والسنة، والحمد لله رب العالمين.  

الخطبة الثانية:

لم ترد.  


تم تحميل المحتوى من موقع