قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم

عبدالله محمد الطوالة
عناصر الخطبة
  1. انتشار معصية النظر إلى أفلام وصور الخلاعة وإدمانها .
  2. مخاطر إدمان الأفلام والمواقع الإباحية .
  3. إحصاءات محزنة نشرتها بعض المواقع الإخبارية .
  4. الحث على تقوى الله والابتعاد عن المحرمات .
  5. سبل التخلص من النظر المحرم. .

اقتباس

معصية دنيئة، آثارها بعيدة، أضرارها إيمانية وصحية ونفسية واجتماعية، إنها مشكلة حديثة أنتجها الغرب وروّج لها، واليوم صار يدرسها عقلاؤهم ويطلقون تحذيراتهم منها، وأما في مجتمعنا فصار المشايخ اليوم يسألون عنها، وأخبر بعضهم السؤال عنها يتكرر؛ مما يدل على فشوها وعموم بلائها. بل يحلف بعض السائلين الأيمان المغلظة في أنهم حاولوا تركها، ولكنهم يعودون لأوحال هذه المعصية كما أن مواقع الاستشارات تتلقى شكاوى تنشد الخلاص من هذا الشر، انتشر شر هذا الذنب بعد سرعات الإنترنت العالية والأجهزة الذكية الكفّية، وهذا يحتّم التحدث عنها.. تحذيراً للمعافى منها، وإنقاذاً للغارق فيها...

الخطبة الأولى:

الحمد لله خالق كل شيء، ورَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَرَحْمَته وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، سبحانه وبحمده، أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، وأَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وأَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ، وأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا.. وجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا..

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب سواه، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، لا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله، واذهبُوا حيث شِئتُم؛ فإن إلى ربِّكم الرُّجعَى، واعملوا ما شِئتُم؛ فعملُكم عليكم مُحصًى، اليوم يُقبَلُ العمل ولو كان مِثقالَ ذرَّة، وغدًا لا يُقبَل ولو كان ملء الأرض ذهبًا..

من حاسبَ نفسَه ربِح، ومن نظرَ في العواقِب أفلح، ومن اتَّبَع هواه ضلَّ، ومن خافَ أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [العنكبوت: 58]..

إخوة الإيمان: أتحدث اليوم بعون الله عن معصية دنيئة، آثارها بعيدة، أضرارها إيمانية وصحية ونفسية واجتماعية، إنها مشكلة حديثة أنتجها الغرب وروّج لها، واليوم صار يدرسها عقلاؤهم ويطلقون تحذيراتهم منها، وأما في مجتمعنا فصار المشايخ اليوم يسألون عنها، وأخبر بعضهم السؤال عنها يتكرر؛ مما يدل على فشوها وعموم بلائها.

بل يحلف بعض السائلين الأيمان المغلظة في أنهم حاولوا تركها، ولكنهم يعودون لأوحال هذه المعصية كما أن مواقع الاستشارات تتلقى شكاوى تنشد الخلاص من هذا الشر، انتشر شر هذا الذنب بعد سرعات الإنترنت العالية والأجهزة الذكية الكفّية مما يحتّم التحدث عن هذا المستنقع الخبيث لعلاج المبتلى وليحذرها المعافى ويحذّر إن استطاع .. وهذا يحتّم التحدث عنها.. تحذيراً للمعافى منها، وإنقاذاً للغارق فيها.

أيها الأحبة: في مجلس الشيوخ الأمريكي أطلقت باحثة في مركز العلاج السلوكي تحذيرها، وقالت عن هذه المشكلة: إنها أكبر مهدِّد للصحة النفسية، وإنها أخطر من إدمان الكوكايين.

وإدمان المخدرات خطير جدًّا، ولكنه ليس متوفرًا على خلاف هذا المواد الخليعة فهي في متناول اليد، والمخدرات مستقر في نفوس الكبار والصغار عظم خطرها على خلاف هذه، والمخدرات ليست مرتبطة بغريزة لدى الإنسان بخلاف هذه، فلها ارتباط بغريزة فطرية، كما أن المخدرات غالية الثمن، وأما هذه فصارت تتداول بعد شرائها بالمجان، بل إنها تَعرِض لمن لا يريدها من خلال دعايات وروابط (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27]، أعرفتم عمما تتحدث هذه الباحثة يا عباد الله: إنها معصية النظر إلى أفلام الفحش وصور الخلاعة وإدمانها !

تقول إحصاءات 2012م: إن عدد المواقع الإباحية على الإنترنت أربعة ملايين و200 ألف موقع! 100 ألف موقع منها عن الأطفال، إجمالي عدد الصفحات 420 مليون صفحة!، نسبة تحميل المواد الخليعة عبر الإنترنت 35% من إجمالي المواد المحمَّلة! علمًا أن هذه الإحصائية نشرت نهاية عام 2012م وهي بازدياد؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقال الطبيب السعودي وليد فتيحي في حلقة "الأفلام الإباحية" من برنامج "محياي" المذاع عام 1434هـ: "إنْ تتبعنا مسارات البحث في محرك البحث (جوجل)، نجد أن أكثر البحث يكون عن مفردات جنسية، 116 ألف بحث من الأطفال والمراهقين كل يوم، وكل ثانية واحدة يقوم 30 ألف شخص بتصفح مواقع إباحية، وفي كل نصف ساعة يتم تصوير فيلم إباحي بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي تنتج 89 % من المواقع الإباحية على الإنترنت، وتقدر صناعة الأفلام الإباحية اليوم بأزيد من 100 مليار دولار أمريكي.

وفي السعودية يسجل 50 مليون بحث عن كلمات جنسية، بل وشاذة شهريًّا، أي ما يزيد عن مليون ونصف بحث يوميًّا، و70 بالمائة من الملفات المتبادلة بين المراهقين هي مواد إباحية" اهـ كلامه..

والبلد الأول في إنتاج المواد الخليعة أمريكا، وهي البلد الأول في مشاهدتها، ولكن المحزن أن المراكز التي بعدها دول إسلامية عربية.

عباد الله: يتناسب حجم الانحلال في أي مجتمع تناسبًا طرديًّا مع حجم الترف الذي يعيشه أفراده، فكلما تيسرت الأسباب المادية كان ذلك أدعى إلى تفشي داء اتباع الهوى والشهوة.. خصوصاً بين الشباب؛ لما فيهم من قوة وفتوة وداعٍ إلى الرذيلة، لاسيما في ظل غياب الوازع الديني، والرادع القيمي والأخلاقي، وتراجع أثر الخطاب الدعوي، وانتشار الإعلام اللا أخلاقي، الذي يدعو للرذيلة على مدار الساعة...

وقد أدرك أعداء الأمة أن الشهوة هي أهم عناصر القضاء على الأمة وعلى شبابها بالذات، لذلك أكدوا وركزوا في مخططاتهم لإفسادها: أن كأسًا وغانية يفعلان في الأمة المحمدية ما لا تفعله الأسلحة الفتاكة ولا القنابل المدمرة...

فراحوا ينفقون المليارات من أجل نشر هذه القاذورات، وصدق الله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 26].

إنه يا عباد الله ما من جريمة إلا والشهوة منبعُها، فالزنا، واللواط، والعادة السرية، والغناء، والمعاكسات، وجرائم الاغتصاب والاختطاف، والعشق والإعجاب، وإدمان النظر المحرم، والسهر والسفر، كلّ هذه الأدواء العضال.. إنما هي صدًى لهذه القضية، واستجابة لسعارها، إنَّه حجابٌ حُفت به النار، من اخترقهُ دخلها، إنها ابتلاءٌ عظيم يمتحن به العبد، ليُعلمَ الصادق من الكاذب، والصابر من الجازع..

إخوة الإيمان: مشكلة إدمان النظر للمواد الإباحية.. لها آثارٌ خطيرةٌ على المخ كأثر المخدرات؛ وقد ذكر د. وليد فتيحي: أن إدمان النظر لمواد الخلاعة يؤثر في الدماغ على غرار الكوكايين؛ إذ تفرِز خلايا دماغ المشاهد هرمون الدوبامين الذي يشعر بالنشوة ومع مرور الوقت وكثرة المشاهد يحصل تبلد لخلايا الدماغ فيبحث عما هو أكثر إثارة وغرابة لكي يفرز هذا الهرمون حتى يصل حضيض لا يصدق أنه يصله بشر! وضرر هذه المواد الخليعة على خلايا الصغار أخطر.

وذكر المختصون أنها تسبب العنّة والبرود الجنسي بعد الزواج؛ لأن الدماغ اعتاد استثارته بهذه الخبائث المصطنعة، ما أنه قد يجد إلى زهد المتزوج بالسلوك الحلال الفطري الطبيعي؛ لأن ذهنه ارتبط بلذة اصطناعية وهمية غير حقيقة، ناهيكم الأضرار الإيمانية وانتهاك حرمات الله، قال عليه الصلاة والسلام:" إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله" (أخرجه البخاري).

فيا أيها الناس، يا عقلاء الأمة: هذه نُذُر السوء تتوالى، وهذه لغة الأرقام مخيفة مرعبة، الفضيلة تشتكي، العفاف يئن، نِسَب الخيانات الزوجية ترتفع، حالات الاغتصاب والشذوذ تزيد، اغتيلت براءة الأطفال، ارتد بعض الشيوخ إلى سِني المراهقة.. عجت الأرض إلى ربها والسموات، وفزِعت الملائكة إلى الله من هول ما رأت من تفشي الفجور والموبقات، فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

يا عباد الله: إن الله يغار، وغيرة الله أن يزني عبده أو تزني أمته، وإن سنن الله لا تحابي أحدًا  أنه "متى ظهر الزنا في قوم أذن الله بهلاكهم"، و"متى ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا".

فلنتقِ الله في شبابنا وأبنائنا وبناتنا ونسائنا وأنفسنا فإنها مسؤولية في أيدينا وأمانة في أعناقنا سنسأل عنهم أمام الله -تبارك وتعالى- (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72].. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

بارك الله..

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى...

أما بعد فاتقوا عباد الله، واعلموا أن الله -جل وعلا- حين خلق الإنسان وركَّب فيه الشهوة، وابتلاه بمخالفة الهوى، وسلط عليه الشيطان، لم يتركه هملاً، بل رزقه من القوة ما يستطيع به الصمود، وزوده من الوسائل ما يمكنه من النجاة والمقاومة بإذن الله، وما أمر الله بشيء إلا أعان عليه، وما نهى عن شيء إلا أغنى عنه بما هو خير منه...

والمؤمن في هذه الدنيا في اختبار دائم حتى يموت، وطريق الجنة طريق طويل، تتناثر فيه الأشواك والعقبات، وتحفه المخاطر والمكاره من كل جانب، ولا بد لسالكه أن يتسلح بالصبر والمجاهدة، وهل التدين إلا في الصبر والمجاهدة..؟! وفي الذكر الحكيم: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون: 111]، وقال تعالى: (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً).. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

أيها المسلم: لقد ميزك الله بالعقل، وإنما فُضِّل العاقل بتأمل العواقب، فلا تؤثر لذة تفوِّت عليك خيرًا كثيرًا، واعلم أن في ملازمة التقوى بعض المرارات.. وبعض الحرمان من المشتهيات، لكن العاقبة حميدة.

ثم إن في قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة، وكل مغلوب بالهوى ذليل، والصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة من سوء العاقبة، والصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله، وما من عبدٍ أطلق نفسه فيما ينافي التقوى وإن قل، إلا وجد عقوبة عاجلة أو آجلة: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ...) [البقرة: 123].

فتذوق يا أُخي حلاوة الكف عن المعاصي ؛ فإنها شجرة تورث عزّ الدنيا وشرف الآخرة، وابتعد عن كل ما يوقظ الشهوة ؛ فإنهُ لا أعظم فتنةً من مقاربة الفتنة، وقلَّ أن يقاربها أحدٌ إلا وقع فيها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، وفي الحديث الصحيح: "ويحك لا تفتحْه؛ فإنك إن تفتحه تلجه".

ومن قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر وُكِل إلى نفسه، ومن وُكل إلى نفسه هلك، ألم تسمع لقول الكريم ابن الكريم ابن الكريم: (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: 33].

أخي المبارك: إن القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله –تعالى- بقدر تعلقها بها، وإن الرجل حقاً: من إذا خلا بما يحب من الحرام، وقدر عليه واشتد عطشه إليه، تذكر نظر الله عز وجل، فاستحيا من الله حياءً يردعه حتى يذهب ذلك العطش: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7].

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف: 201]، وقد أحسن من قال:

وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى العصيان

فاستح من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني

فلا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الثانية، وإن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، ورب سهم أصاب مقتلاً، ومعظم النار من مستصغر الشرر، ومعظم المصائب مبدؤها من النظر، ورب نظرة أورثت حسرة، ومتى غض العبد بصره غض القلب شهوته، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه..

وما من عبد يكف بصره عن النظر الحرام لله - إلا أثابه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه، ومن صدق الله في ترك شهوةٍ أذهبها الله من قلبه، قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 24].

وكلما قوي داعي الشهوة قويت المجاهدة على الصبر، وزاد الأجر، ولا شك أن من تشتهي نفسه المعاصي ويتركها لله -عز وجل- فهو من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجر عظيم، وإذا اشتد عطشك إلى ما تهوى، فابسط كف الرجا إلى من عنده الري الكامل والهدى، تضرع لمولاك وسله التقى والعفاف والغنى..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي