إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة، ومقاصد عظيمة فضيلة، وحِكمًا بديعة، أولى معاني العيد في الإسلام توحيد الله تعالى لإفراد الله -عز وجل- بالعبادة في الدعاء والخوف والرجاء والاستعاذة والاستعانة، والتوكل والرغبة والرهبة والذبح والنذر لله -تبارك وتعالى-، وغير ذلك من أنواع العبادة، وهذا التوحيد هو أصل الدين الذي ينبني عليه كل فرع من الشريعة...
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، اتقوه حق التقوى، والزموا عروة الإسلام الوثقى، فتقوى الله خير زادكم، وعدتكم ووسيلتكم إلى ربكم.
عباد الله: إن لكل أمة من الأمم عيدًا يعود عليهم في يوم معلوم، يتضمن عقيدتها وأخلاقها وفلسفة حياتها، فمن الأعياد ما هو منبثق ونابع من الأفكار البشرية البعيدة عن وحي الله تعالى، وهي أعياد العقائد غير الإسلامية، وأما عيد الأضحى وعيد الفطر فقد شرعهما الله تعالى لأمة الإسلام، قال الله تعالى: (لِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا) [الحج:34]، روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس قال: "منسكًا أي: عيدًا". فيكون معنى الآية أن الله جعل لكل أمة عيدًا شرعيًا أو عيدًا قدريًا.
وعيد الأضحى وعيد الفطر يكونان بعد ركن من أركان الإسلام، فعيد الأضحى يكون بعد عبادة الحج، وعيد الفطر يكون بعد عبادة الصوم، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، قال: "ما هذان اليومان؟!"، قالوا: كنَّا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: "قد أبدلكم الله خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر". رواه أبو داود والنسائي.
فعيد الأضحى جعله الله يوم العاشر من ذي الحجة بعد الوقوف بعرفة ركنِ الحج الأعظم، وشرع في هذا العيد أعمالاً جليلة صالحة يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى، وسماه الله يوم الحجر الأكبر؛ لأن أكثر أعمال الحج تكون في يوم هذا العيد، والله -عز وجل- برحمته وحكمته وعلمه وقدرته شرع الأعمال الصالحة والقربات الجليلة، ودعا الناس كلهم إلى فعلها قربةً إلى الله وزلفى عنده كما قال تعالى: (سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَلأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ بِللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:21]، وقال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) [المائدة:48]، فإذا لم يُمكن أن يعمل المسلم بعض الطاعات لأجل اختصاصها بمكان أو بزمان شرع الله له طاعات من جنس ونوع تلك الطاعات المختصة بالمكان أو الزمان، فيوم عرفة عيد لحجاج بيت الله الحرام، واجتماع لهم وتضرع لله -عز وجل-، فمن لم يحج شرع الله له صلاة عيد الأضحى في جمع المسلمين، وشرع له صيام عرفة الذي يكفر السنة الماضية والآتية، وقربانُ الحاج وذبائحهم شرع الله مقابل ذلك أضحية المقيم، فأبواب الخيرات كثيرة ميسرة، وطرق البر ممهَّدة واسعة؛ ليستكثر المسلم من أنواع الطاعات لحياته الأبدية بقدر ما يوفقه الله تعالى.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة، ومقاصد عظيمة فضيلة، وحِكمًا بديعة، أولى معاني العيد في الإسلام توحيد الله تعالى لإفراد الله -عز وجل- بالعبادة في الدعاء والخوف والرجاء والاستعاذة والاستعانة، والتوكل والرغبة والرهبة والذبح والنذر لله -تبارك وتعالى-، وغير ذلك من أنواع العبادة، وهذا التوحيد هو أصل الدين الذي ينبني عليه كل فرع من الشريعة، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله المدلولِ عليه بقوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5]، الذي نقرؤه في صلاة العيد وغيرها من الصلوات، والتوحيد هو الأمر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الإنسان جنات النعيم، وإذا ضيَّعه الإنسان لا ينفعه عمل، وخُلِّد في النار أبدًا.
والمتأمل في تاريخ البشرية يجد أن الانحراف والضلال والبدع وقع في التوحيد أولاً ثم في فروع الدين، فتمسك -أيها المسلم- بهذا الأصل العظيم، فهو حق الله عليك، وعهد الله الذي أخذه على بني آدم في عالم الأرواح، وقد أكد الله في القرآن العظيم توحيد الله بالعبادة، وعظّم شأنه، فما من سورة في كتاب الله إلا وهي تأمر بالتوحيد نصًّا أو تضمنًا أو التزامًا، أو تذكر ثواب الموحدين أو عقوبات المشركين، فمن وفى بحق الله تعالى وفّى الله له بوعده، تفضُّلاً منه سبحانه، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا". رواه البخاري. فالتوحيد أول الأمر وآخره.
وثاني معاني العيد تحقيق معنى شهادة أن محمدًا رسول الله التي ننطق بها في التشهد في صلاة العيد وغيْرها من الصلوات، إن معنى شهادة أن محمدًا رسول الله طاعة أمره واجتناب نهيه وتصديق أخباره وعبادة الله بما شرع مع محبته وتوقيره، قال الله تعالى: (قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ) [النور:54].
ومن حكم العيد ومنافعه العظيمة شهود جمع المسلمين لصلاة العيد، ومشاركتهم في بركة الدعاء والخير المتنزل على جمعهم المبارك، والانضواء تحت ظلال الرحمة التي تغشى المصلين، والبروز لرب العالمين، إظهارًا لفقر العباد لربهم، وحاجتهم لمولاهم -عز وجل-، وتعرضًا لنفحات الله وهباته التي لا تُحد ولا تُعد، عن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين". رواه البخاري ومسلم. فتشهد النساء العيد غير متبرجات وغير متعطرات.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: وإن من حكم العيد ومنافعه العظمى، التواصل بين المسلمين، والتزاور، وتقارب القلوب، وارتفاع الوحشة، وانطفاء نار الأحقاد والضغائن والحسد، فاقتدار الإسلام على جمع المسلمين في مكان واحد لأداء صلاة العيد آية على اقتداره على أن يجمعهم على الحق، ويؤلف بين قلوبهم على التقوى، فلا شيء يؤلف بين المسلمين سوى الحق؛ لأنه واحد، ولا يفرق بين القلوب إلا الأهواء لكثرتها، فالتراحم والتعاون والتعاطف صفة المؤمنين فيما بينهم، كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، وفي الحديث: "ليس منا من لم يرحم الصغير، ويوقر الكبير"، وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "ابغوني في الضعفاء، فإنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم". رواه أبو داود بإسناد جيد.
والمحبة بين المسلمين والتواد غاية عظمى من غايات الإسلام، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم". رواه مسلم.
فجاهد نفسك -أيها المسلم- لتكون سليمَ الصدر للمسلمين، فسلامة الصدر نعيم الدنيا، وراحة البدن ورضوان الله في الأخرى، عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله: أي الناس أفضل؟! قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان"، قالوا: فما مخموم القلب؟! قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح والبيهقي.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله: إن من غايات العيد ومنافعه إعلان تعاليم شريعة الإسلام ونشرها في المجامع ومشاهد المسلمين، وتبليغها على رؤوس الأشهاد، ليأخذها ويتلقاها الجيل عن الجيل، والآخر عن الأول، علمًا وعملاً مطبَّقًا، فتستقر تعاليم الإسلام في سويداء القلوب، ويحفظها ويعمل بها الكبير والصغير، والذكر والأنثى، وخطبةُ العيد التي شرعها رسول الله تشتمل على أحكام الإسلام السامية، وتشريعاته الحكيمة. وظهور فرائض الإسلام وتشريعاته وأحكامه هي القوة الذاتية لبقاء الإسلام خالدًا إلى يوم القيامة، فلا يُنسى، ولا يُغيَّر، ولا تُؤوَّل أحكامه، ولا تنحرف تعاليمه.
أيها المسلمون: عيد الأضحى ترتبط فيه أمة الإسلام بتاريخها المجيد في ماضيها المشرق السحيق، الأمة المسلمة عميقة جذور الحق في تاريخ الكون، متصلةُ الأسباب والوشائج عبر الزمان القديم، منذ وطئت قدم أبينا آدم -عليه الصلاة والسلام- الأرض، وتنزل كلام الله على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- عبر العصور الخالية، قال الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَعْبُدُونِ) [الأنبياء:92]، وختم الله الرسل -عليهم الصلاة والسلام- بسيد البشر محمد، الذي أمره الله باتباع ملة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، بقوله: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل:123]، فكانت شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- ناسخة لجميع الشرائع، فلا يقبل الله إلا الإسلام دينًا، ولا يقبل غيره، قال الله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَـامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ) [آل عمران:85]، وفي الحديث: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار". رواه مسلم.
فأنتم -معشر المسلمين- على الإرث الحق والدين القيم، ملة الخليل إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، ودين الخليل محمد –صلى الله عليه وسلم-، وعيد الأضحى يربطكم بهذين الخليلين النبيين العظيمين -عليهما الصلاة والسلام-، لما شرع الله لكم في هذا اليوم من القربات والطاعات، عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: قال أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ما هذه الأضاحي يا رسول الله؟! قال: "سنة أبيكم إبراهيم"، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟! قال: "بكل شعرة حسنة". رواه ابن ماجه.
وذلك أن الله أمر إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بذبح ولده إسماعيل -عليه السلام- قربانًا إلى الله، فبادر إلى ذبحه مسارعًا، واستسلم إسماعيل صابرًا، فلما تمَّ مرادُ الله تعالى بابتلاء خليله إبراهيم -عليه السلام-، وتأكد عزمه، وشرع في ذبح ابنه، فلم يبق إلا اللحم والدم، فداه الله بذبح عظيم، فعَلِم الله عِلم وجود أن خلة إبراهيم ومحبته لربه لا يزاحمها محبة شيء، والأضحية والقرابين في منى تذكير بهذا العمل الجليل الذي كان من إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله: الصلاة الصلاة، فإنها عماد الإسلام، وناهية عن الفحشاء والآثام، وهي العهد بين العبد وربه، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة هي الصلاة، فإن قبلت قبلت وسائر العمل، وإن ردت ردت وسائر العمل.
وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، تطهروا بها نفوسكم، وتحفظوا بها أموالكم من المهالك، وتحسنوا بها إلى الفقراء، وتثابوا على ذلك أعظم الثواب، فقد تفضل الله عليكم بالكثير، ورضي منكم بنفقة اليسير.
وصوموا شهر رمضان، وحجوا بيت الله الحرام؛ فإنهما من أعظم أركان الإسلام.
وعليكم ببر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الأيتام، وذلك عمل يعجِّل الله ثوابه في الدنيا مع ما يدخر الله لصاحبه في الآخرة من حسن الثواب، كما أن العقوق والقطيعة ومنع الخير مما يعجل الله عقوبته في الدنيا، مع ما يؤجل لصاحبه في الآخرة من أليم العقاب.
وارعوا -معشر المسلمين- حقوق الجار، وفي الحديث: "لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه". يعني شره.
وأمُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر؛ فإنهما حارسان للمجتمع، وسياجان للإسلام، وأمان من العقوبات التي تعم الأنام، وإياكم وأنواع الشرك التي تبطل التوحيد، التي يقع فيها من لا علم له، كدعاء الأنبياء والصالحين والطواف على قبورهم وطلب الغوث منهم، أو طلب كشف الكربات منهم والشدائد، أو دعائهم بجلب النفع أو دفع الضر، أو الذبح أو النذر لغير الله تعالى، أو الاستعاذة بغير الله تعالى، قال الله -عز وجل-: (وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً) [الجن:18]، وقال -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) [النساء:48].
وإياكم وقتل النفس المحرمة، والزنا؛ فقد قرن الله ذلك في كتابه بالشرك بالله -عز وجل-، قال تعالى: (وَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَـاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) [الفرقان: 68، 69]، ومعنى أَثامًا: بئر في قعر جهنم والعياذ بالله، وفي الحديث: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا"، وعن الهيثم عن مالك الطائي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له". رواه ابن أبي الدنيا.
وعمل قوم لوط أعظم من الزنا، فقد لعن فاعلَه رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم-، والسحاق نوع من الزنا، وخبث من الخبائث المحرمة.
وإياكم والربا؛ فإنه محق للكسب، وغضب للرب؛ عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- مرفوعًا: "الربا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه". رواه الطبراني في الأوسط.
وإياكم والتعرض لأموال المسلمين والمستضعفين؛ فإن اختلاطه بالحلال دمار ونار، وإياكم والرشوة وشهادة الزور؛ فإنها مضيعة للحقوق مؤيِّدة للباطل، ومن كان مع الباطل أحلَّه الله دار البوار، وجلَّله الإثم والعار، فقد لعن رسول الله الراشي والمرتشي، وقرن الله شهادة الزور بالشرك بالله -عز وجل-.
وإياكم والخمر وأنواع المسكرات والدخان والمخدرات؛ فإنها تفسد القلب، وتغتال العقل، وتدمّر البدن، وتمسخ الخُلُق الفاضل، وتغضب الرب، وتفتك بالمجتمع، ويختل بسببها التدبير، عن جابر -رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "كل مسكر حرام، وإن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال". قالوا: يا رسول الله: وما طينة الخبال؟! قال: "عرق أهل النار"، أو "عصارة أهل النار". رواه مسلم والنسائي.
وإياكم والغيبة والنميمة؛ فإن المطعون في عرضه يأخذ من حسنات المغتاب بقدر مظلمته، عن حذيفة مرفوعًا: "لا يدخل الجنة قتات". يعني: نمام. متفق عليه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَـاذَا صِرطِي مُسْتَقِيمًا فَتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّـاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) [الأنعام:153].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وبقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الحمد لله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، أحمد ربي وأشكره على نعمه وآلائه التي لا تحصى ولا تعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الصمد، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى سنن الرشد، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ذوي الفضل والسؤدد.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- بطلب مرضاته، والبعد عن محرماته، واعلموا أن يومكم هذا يوم جليل، وأن عيدكم عيد فضيل، عن عبد الله بن قرط أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر". وهو اليوم الذي بعد يوم النحر، ولأن يوم عرفة وإن كان فاضلاً من بعض الوجوه فهو مقدمةٌ وتوطئة ليوم النحر، ففي عرفة يتطهرون من الذنوب، ويدعون ويتضرعون ويخشعون ويتوبون، فإذا هذِّبوا ونُقّوا وتطهروا من الآثام، وازدادوا خيرًا، ازدلفوا ليلة جمع، وتضرعوا واستغفروا وتابوا، ثم ذبحوا قرابينهم لله تعالى، فأكلوا من ضيافة الله لهم في منى في يوم النحر، ثم أذِن الله لهم بزيارته، والطواف ببيته.
وأما غير الحاج فشرع الله له الأضحية في هذا اليوم، مع الذكر وفعل الخيرات، عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله -عز وجل- من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله -عز وجل- بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا". رواه الترمذي وابن ماجه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنها- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ما عمل ابن آدم في يوم أضحى أفضل من دم يهراق إلا أن يكون رحمًا يوصل". رواه الطبراني.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "يا فاطمة: قومي إلى أضحيتك، فاشهديها، فإن لك بكل قطرة من دمها ما سلف من ذنوبك". قالت: يا رسول الله: ألنا خاصة أهل البيت، أو لنا وللمسلمين؟! قال: "بل لنا وللمسلمين". رواه الطبراني والبزار.
معشر المسلمين: إن الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته في الأضحية، وتجزئ البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ولا يجزئ من الضأن إلا ما تم له ستة أشهر، ولا من المعز إلا الثني وهو ما تم له سنة، ولا من الإبل إلا ما تم له خمس سنين، ولا من البقر إلا ما تم له سنتان، ويستحب أن يتخيرها سمينة صحيحة، ولا تجزئ المريضة البين مرضها، ولا العوراء، ولا العجفاء، وهي الهزيلة، ولا العرجاء البين ظلعها، ولا العضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، وتجزئ الجمّاء والخصي.
والسنة نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى، والبقر والغنم على جنبها الأيسر متوجهة إلى القبلة، ويقول عند الذبح: بسم الله وجوبًا، والله أكبر استحبابًا، اللهم هذا منك ولك، ويستحب أن يأكل ثلثًا ويهدي ثلثًا ويتصدق بثلث، لقوله تعالى: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَـانِعَ وَلْمُعْتَرَّ) [الحج:36]، ولا يعطي الجزار أجرته منها.
ووقت الذبح بعد صلاة العيد باتفاق، واليوم الذي بعد ذلك فيه خلاف، والراجح أنه زمن للذبح مع فوات فضيلة.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا نساء المسلمين: اتقين الله تعالى في واجباتكن التي طوقت أعناقكن، أحسِنَّ إلى أولادكن بالتربية الإسلامية النافعة، واجتهدن في إعداد الأولاد إعدادًا سليمًا ناجحًا؛ فإن المرأة أشد تأثيرًا على أولادها من الأب، وليكن هو معينًا لها على التربية، وأحسِنَّ إلى الأزواج بالعشرة الطيبة، وبحفظ الزوج في عرضه وماله وبيته، ورعاية حقوق أقاربه وضيفه وجيرانه، ففي الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحجَّت بيت ربها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت".
وعليكِ -أيتها المرأة المسلمة- أن تشكري نعمة الله عليك؛ حيث حفظ لك الإسلام حقوقك كاملة، ولا تنخدعي بالدعايات الوافدة؛ فإن مكانتك في هذه البلاد أحسن مكانة في هذا العصر، واذكرن دائمًا قول الله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَـاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْـادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَـانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة:12]، فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يذكّر النساء بهذه الآية في العيد كما رواه البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. ومعنى (بِبُهُتَـانٍ يَفْتَرِينَهُ): لا يلحقن بأزواجهن أولادًا من غيرهم.
أيها المسلمون: اشكروا الله واحمدوه على نعمه الظاهرة والباطنة، اشكروه على نعمة الإسلام، واحمدوه واشكروه على نعمة الأمن والإيمان، وتيسُّر الأرزاق والمنافع والمرافق والتمتع بالطيبات التي لا تحصى، واشكروه تعالى على اجتماع الكلمة في بلادكم هذه، وصرف الفتن عنكم التي تُستحل فيها الحرمات، وتختلف فيها القلوب. وشكر الله على ذلك بطاعة الله ودوامها، واجتناب معصيته، وملازمة التوبة.
أيها المسلمون: اعلموا أنه ليس السعيد من تزين وتجمل للعيد، فلبس الجديد، ولا من خدمته الدنيا وأتت على ما يريد، لكن السعيد من فاز بتقوى الله تعالى، وكتب له النجاة من نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم والضريع، وشرابهم الحميم والصديد، وفاز بجنة الخلد التي لا ينقص نعيمها ولا يبيد.
واعلموا -عباد الله- أن التكبير المقيد لغير الحاج يبدأ من فجر يوم عرفة إلى آخر عصر أيام التشريق، وأما الحاج فيبدأ من ظهر يوم النحر، وأما التكبير المطلق فيكون في عشر ذي الحجة.
عباد الله: تذكروا ما أنتم قادمون عليه من الموت وسكراته، والقبر وظلماته، والحشر وكرباته، وصحائف الأعمال والميزان والصراط وروعاته، واذكروا من صلى معكم في هذا المكان فيما مضى من الزمان، من الأخلاء والأقرباء والخلان، كيف اخترمهم هادم اللذات، فأصبحوا في تلك القبول مرتهنين بأعمالهم، فأحدهم في روضة من رياض الجنان، أو في حفرة من حفر النيران، فتيقنوا أنكم واردون على ما عليه وردوا، وشاربون كأس المنية الذي شربوا: (فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].
أين الأمم الخالية؟! وأين القرون الماضية؟! أين منهم ذوو الملك والسلطان؟! وأين منهم ذوو الأكاليل والتيجان؟! وأين تلك العساكر والدساكر؟! أين الذين جمعوا الأموال، وغرسوا الأشجار، وأجروا الأنهار، وشيدوا الأمصار؟! أين منهم الغني والفقير؟! أتى عليهم الموت فنقلهم من القصور إلى ضيق القبور، ومن أنس الأهل والأصحاب إلى اللحد والتراب، فلا تركنوا إلى هذه الدنيا التي لا يؤمن شرها، ولا تفي بعهدها، ولا يدوم سرورها، ولا تُحصى آفاتها، ما مثلُها إلا كمائدة أحدكم، تُعجب صاحبها ثم تصير إلى فناء، دارٌ يبلى جديدها، ويهرم شبابها، وتتقلب أحوالها، فاتخذوها مزرعة للآخرة، فنِعم العمل فيها.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين، وحبيب الحق -تبارك وتعالى-.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي