الاعتبار والحث في الوقاية على الاستمرار

فيصل بن عبد الرحمن الشدي
عناصر الخطبة
  1. أهمية الاعتبار بما يحدث من حولنا .
  2. عودة انتشار فيروس كورونا .
  3. تأصيل متين للوقاية في ديننا .
  4. خطورة التساهل في الأخذ بالإجراءات الوقائية. .

اقتباس

أروني دينًا يعتني بالوقاية، ويسعى بالحماية من نفَسِ الشارب للماء ورذاذ العاطس أن ينتشر كهذا الدين، أيّ دقة هذه؟! وأي عناية بتفاصيل التطهّر والتنظّف كهذه العناية؟! إن هذا تأصيل متين للوقاية في ديننا، فلا يزايد مَن يدعي الوسوسة في الإجراءات الاحترازية..

الخطبة الأولى:

اللهم لك الحمد؛ للإسلام هديتنا، وبين يديك مُصلِّين أقمتنا، لك الحمد على الهدى، لك الحمد رُكّعًا سجدًا، وأشهد أن لا إله إلا أنت سبحانك، وأشهد أن محمدًا نبيك ومصطفاك، ورسولك ومجتباك؛ اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه، وبعد: فاتقوا الله رحمكم الله.

عباد الله: المؤمن دائم الفِكرة، عظيم العِبرة، عميق النظرة، فما أعظم الاعتبار!، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النور:44]، وفي وباء كورونا وتقليبه لأحوال العالم -وربي- مُدّكر، وفي تغييره لشؤون الناس مُعتبر؛ (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)[آل عمران:140].

أجيبوا ربكم يوم ناداكم (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)[يوسف:101]، وفي مجال الاعتبار، وبليغ الادكار، أن ينظر المعتبر إلى الهالكين كيف هلكوا؟! (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)[العنكبوت:67].

المُتفكِّر المُعتبِر يسمع ويقرأ أخبار العالم مِن حوله ويعتبر، وفي عودة انتشار كورونا لعديد من الدول حتى تعالت لديهم صيحات النذير وتصريحات التحذير هو -وربي- أعظم عبرة، وللمؤمن الكيِّس فيه نظرة (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)[النمل:69].

بلاد فتحت المساجد فأعادت إغلاقها، وأغلقت غرف مرضى كورونا في المستشفيات، فأعادت فتحها، وضاعفت أعدادها، وتنادَى عقلاؤهم هذه هي عاقبة التفريط والتساهل، والاستخفاف بإجراءات الوقاية والاحتراز وضعف الأخذ بها والتثاقل، هدموا ما بنوه في أشهر، وغدوا ضحايا لكل مستخفّ مستهتر، فأمسوا بينَ مريض يتجرَّعُ آهاتِ الألمِ، وبينَ مفرطٍ تسبّب على والديه وأهله فهو يقرَعُ مُتأسفاً ضِرسَ النَّدمِ.

لله إن عظمة دين الإسلام آية، وفي تدابيره عظيم وقاية، وفي تشريعاته جميل حماية، أما -وربي- إن الأخذ بها قضاء على بُؤَر الوباء في أصلها، ومحاربة لأسبابها في مهدها..

دين يحث على الوضوء والمبالغة في المضمضمة والاستنشاق يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أسبغ الوضوء، وخَلِّل بين الأصابع، وبَالِغْ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا"(رواه أبو داود، والترمذي وصححه الألباني).

دينٌ يحثّ على غسل اليدين عند الأكل وبعده؛ فعن عائشة -رضي الله عنها-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يأكل غسل يديه"(أخرجه النسائي وصححه الألباني).

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من نام وفي يده غمر، ولم يغسله فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه"(رواه أبو داود، والترمذي وصححه الألباني).

دينٌ يراعي تفاصيل الشرب؛ ففي الحديث "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُتنفس في الإناء أو يُنْفَخ فيه"(رواه أبو داود، والترمذي وصححه الألباني).

وفي أدب العطاس "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عطس غطَّى وجهه بيديه أو بثوبه وغضَّ بها صوته"(رواه الترمذي وصححه الألباني).

وفي تغطية الإناء قال -صلى الله عليه وسلم-: "غَطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقَاءَ، فإنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فيها وَبَاءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ لَيْسَ عليهِ غِطَاءٌ، أوْ سِقَاءٍ ليسَ عليهِ وِكَاءٌ، إلا نَزَلَ فيهِ مِنْ ذلكَ الْوَبَاءِ"(رواه مسلم).

أروني ديناً يعتني بالوقاية، ويسعى بالحماية من نفَسِ الشارب للماء ورذاذ العاطس أن ينتشر كهذا الدين، أي دقة هذه؟! وأي عناية بتفاصيل التطهّر والتنظّف كهذه العناية؟! إن هذا تأصيل متين للوقاية في ديننا، فلا يزايد مَن يدعي الوسوسة في الإجراءات الاحترازية، ولا يكابر مَن يستخف بالوقاية في الأمراض الوبائية كيف لا؟! وقد جاء بخصوصها أحاديث، وشرعت شرائع.

فقد كرِه النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُقَابَلَةَ المُصَابِ بِمَرَضٍ مُعْدٍ فضلاً عن مصافحته ومجالسته، فقد كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ"(رواه مسلم)، وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ"(رواه البخاري).

وفي التَّباعدِ الاجتماعيِّ، لما انتشرَ طاعونُ عَمواس في الشَّامِ وقتلَ عشراتِ الآلافِ، خطبَ عَمرو بنُ العاصِ بالنَّاسِ، وقالَ لهم: "أيُّها النَّاسُ، إِنَّ هذا الوجعَ إِذا وَقعَ إِنَّما يَشتعلُ اشتعالَ النَّارِ، فتجنَّبوا منه في الجِبالِ"، فخَرجَ، وخَرجَ النَّاسُ، فتَفرقوا حتَّى رَفعَه اللهُ عَنهم.

وعندما عَمَّ الوَباءُ الأندلسَ، أمرَ عبدُ الرحمنِ النَّاصرُ النَّاسَ أن يَلزموا بُيوتَهم، وما هي إلا أَيامٌ وزَالَ الوَباءُ، وهكذا الأمةُ الواعيةُ التي تَأخذُ بأسبابِ النَّجاةِ، فيزولُ الوباءُ وترجعُ إلى الحياةِ.

أقول ما قلت، وأستغفر الله لي ولكم…

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه…

إن الناظر يرى من بعض الناس تساهل في الأخذ بالإجراءات الوقائية، والتدابير الاحترازية، وهذه -كما قال أهل الاختصاص في الصحة في بلادنا- قد تَرفعُ نسبةَ الحالاتِ، وتُعيدُ انتشارَ الإصاباتِ.

ولكم في أحوال العالم من حولنا عظة وعبرة، فاصبروا وصابروا -رحمكم الله- على التباعد الاجتماعي، وترك المصافحة والمعانقة، ولبس الكمامات في مجامع الناس، وخذوا بتوجيهات أهل الاختصاص في وزارة الصحة ووزارة الداخلية؛ فهم مُطّلعون على الأحوال والأرقام، وهم أصدق في تقرير الموقف وبيانه من قيل وقال في المجالس لا تستند على سند علميّ ولا طبيّ.

كشَف الله الغمة عاجلاً غير آجل، اللهم صلِّ وَسَلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي