أمن الوطن مسؤولية الجميع

صالح بن مقبل العصيمي
عناصر الخطبة
  1. أهمية تحقق الأمن في المجتمع .
  2. الأمن والاستقرار مسؤولية الجميع .
  3. من وسائل تحقيق نعمة الأمن والاستقرار. .

اقتباس

وَالْأَمْنُ يُشَكِّلُ أَهَمَّ الْأَسْبَابِ الرَّئِيسِيَّةِ لِلاسْتِقْرَارِ السَّيَاسِيِّ وَالاقْتِصَادِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ فِي كُلِّ الدُّوَلِ، وَفُقْدَانُهُ يُحْدِثُ الْخَلَلَ؛ وَآثَارُهُ السَّلْبِيَّةُ عَلَى السِّيَاسَةِ وَالاقْتِصَادِ؛ وَالتَّمَاسُكِ الاجْتِمَاعِيِّ؛ وَيُؤَثِّرُ عَلَى مَصَالِحِ الْحَيَاةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْأَمْنَ فِي الْأَوْطَانِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قريش:3]، وَمِنْ عَظَمَةِ نِعْمَةِ الْأَمْنِ أَنْ سَأَلَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، وَطَلَبَهَا عِبَادُ اللهِ الصَّالِحُونَ؛ فَهَذَا نَبِيُّ اللهِ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- سَأَلَ اللهَ الْأَمْنَ، فَقَالَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ)[البقرة:26]؛ فَالدُّعَاءُ بِحُصُولِ وَاسْتِتْبَابِ الْأَمْنِ مِنْ أَعْظَمِ مَزَايَا أَهْلِ السُّنِّةِ؛ وَحَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْأَوْطَانِ، وَأَدَبٌ مِنْ آدَابِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ.

فَالْأَمْنُ نِعْمَةٌ كُبْرَى مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى عِبَادِهِ؛ وَضَرُورَةٌ مُلِحَّةٌ لِلْمُجْتَمَعِ؛ إِذْ بِهِ تَتَحَقَّقُ رَاحَةُ النَّاسِ؛ وَيَعُمُّ الْخَيْرُ الْجَمِيعَ؛ وَالْإِسْلَاُم أَوْلَاُه اهْتِمَامًا عَظِيمًا، وَمِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى بِلَاِدَنا اسْتِتْبَابُ الْأَمْنِ، وَالْمُجْتَمَعُ -بِفَضْلِ اللهِ- يَرْفُضُ كُلَّ فِكْرٍ يُهَدِّدُ أَمْنَنَا.

وَالْأَمْنُ يُشَكِّلُ أَهَمَّ الْأَسْبَابِ الرَّئِيسِيَّةِ لِلاسْتِقْرَارِ السَّيَاسِيِّ وَالاقْتِصَادِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ فِي كُلِّ الدُّوَلِ، وَفُقْدَانُهُ يُحْدِثُ الْخَلَلَ؛ وَآثَارُهُ السَّلْبِيَّةُ عَلَى السِّيَاسَةِ وَالاقْتِصَادِ؛ وَالتَّمَاسُكِ الاجْتِمَاعِيِّ؛ وَيُؤَثِّرُ عَلَى مَصَالِحِ الْحَيَاةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.

فَالْوَاجِبُ التَّعَاوُنُ مِنْ أَجْلِ تَرْسِيخِ الْأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ إِذَا حَصَلَ أَيُّ مَظْهَرٍ يُخِلُّ بِالْأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ فِي إِبْلَاغِ الْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةِ مِنْ بَابِ قَوْلِ اللِه -تَعَالَى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة:2].

إِنَّ الْأَمْنَ لَهُ مَفْهُومٌ شَامِلٌ وَأَبْعَادٌ تُشَكِّلُ الْعَدِيدَ مِنَ الْجَوَانِبِ، فَهُنَاكَ الْأَمْنُ الاجْتِمَاعِيُّ، وَالْأَمْنُ الْفِكْرِيُّ، وَالْأَمْنُ السِّيَاسِيُّ، وَالْأَمْنُ الاقْتِصَادِيُّ، وَالْأَمْنُ الاجْتِمَاعِيُّ؛ وَجَمِيعُهَا كُلٌّ لَا يَتَجَزَّأُ مِنَ الْأَمْنِ الشَّامِلِ: فَالْأَمْنُ الْفَرْدِيُّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ دُونَ الْأَمْنِ الْعَامِّ؛ وَمَسْؤُولِيَّةُ الْأَمْنِ مَهَمَّةٌ مَنُوطَةٌ بِجَمِيعِ شَرَائِحِ الْمُجْتَمَعِ؛ مُواطِنًا وَمُقِيمًا؛ مِنْ أَجْلِ بِنَاءِ سِيَاجٍ أَمْنِيٍّ قَوِيٍّ يَكْبَحُ جُمُوحَ أَصْحَابِ الْمَنَاهِجِ الْفِكْرِيَّةِ الْمُنْحَرِفَةِ.

وَإِذًا؛ فَنَشْرُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ لَهُ أَثَرٌ عَظِيمٌ عَلَى الشَّبَابِ، وَيُعَمِّقُ فِي نُفُوسِهِمْ أَهَمِّيَّةِ الْأَمْنِ، وَحُبَّ بِلَادِنَا، وَالاعْتِزَازَ بِالانْتِمَاءِ لَهَا، وَالطَّاعَةَ لِوَلِيِّ أَمْرِنَا، الَّتِي أَوْجَبَهَا اللهُ عَلَيْنَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَتِهِ؛ كَمَا أَنَّ تَحْقِيقَ الْأَمْنِ مِنْ مَسْؤُولِيَّةِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ الْأَسَاسُ فِي التَّرْبِيَةِ، وَكَذَلِكَ يَقَعُ تَحْقِيقُ الْأَمْنِ عَلَى كَاهِلِ الْمَدْرَسَةِ؛ الِّتِي عَلَيْهَا مَسْؤُولِيَّةٌ كُبْرَى فِي تَحْقِيقِهِ، كَمَا أَنَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْوُعَّاظِ وَالْمُرَبِّينَ دَوْرًا فِي هَذَا الْجَانِبِ، فَضَيَاعُ الْأَمْنِ ضَيَاعٌ لِلْمُجْتَمَعِ بِأَسْرِهِ.

نَسْأَلُ اللهَ الْعَلِيَّ الْقَدِيرَ أَنْ يُدِيمَ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الْأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ، وَأَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادِ اللهِ: إِنَّ "الْأَمْنَ" مَطْلَبٌ عَظِيمٌ، وَغَايَةٌ جَلِيلَةٌ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".

وَمِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ حُصُولِه وَاسْتِقْرَارِه: الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ؛ وَهِيَ: حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ، وَالْعَقْلِ، وَالنَّسْلِ، وَالْمَالِ.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ.

وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي