نعمة العقل والإدراك

محمد بن سليمان المهوس
عناصر الخطبة
  1. نعمة العقل وأهميتها .
  2. العقل ومرادفاته في القرآن الكريم .
  3. قيمة العقل في معرفة الخالق -سبحانه- .
  4. الآثار المترتبة على غياب العقل .
  5. الحفاظ على العقول من الانحرافات الحسية والمعنوية. .

اقتباس

تَجِدُ الذَّكِيَّ الْأَلْمَعِيَّ، وَالْمُخْتَرِعَ الْعَبْقَرِيَّ؛ الَّذِي قَادَهُ ذَكَاؤُهُ الْخَارِقُ إِلَى الْوُصُولِ لأَقْوَى الاِبْتِكَارَاتِ, وَأَدَقِّ الاِكْتِشَافَاتِ, وَأَغْرَبِ الْحَقَائِقِ وَالنَّظَرَاتِ الَّتِي لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُوصِلْهُ عَقْلُهُ الذَّكِيُّ لِمَعْرِفَةِ خَالِقِهِ، وَمَعْرِفَةِ سَبَبِ وُجُودِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا...

الْخُطبَةُ الْأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نِعَمُ اللهِ عَلَيْنَا كَثِيرَةٌ لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى، مِنْ أَجَلِّهَا بَعْدَ نِعْمَةِ الإِسْلاَمِ نِعْمَةُ الْعَقْلِ, الَّذِي نُدْرِكُ بِهِ النَّافِعَ مِنَ الضَّارِّ، وَالْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا, قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "مَا أُوتِيَ رَجُلٌ بَعْدَ الإِيمَانِ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- خَيْرًا مِنَ الْعَقْلِ", وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ -أَيُّهَا الإِنْسَانُ- فَضْلَ اللهِ عَلَيْكَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ فَانْظُرْ إِلَى مَنْ فَقَدَهَا؛ كَالْمَجْنُونِ, أَوْ أَصْحَابِ الأَمْرَاضِ الْعَقْلِيَّةِ.

وَهَذِهِ النِّعْمَةُ مِنْ آثَارِ التَّكْرِيمِ الرَّبَّانِيِّ لِلإِنْسَانِ حِينَ فَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَهُ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[الإسراء: 70]، وَالْمُتَأَمِّلُ لِلنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ يَجِدُ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- دَائِمًا يُوَجِّهُ فَهْمَ الْخِطَابِ لأَصْحَابِ الْعُقُولِ، قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[يوسف: 2]، وَقَالَ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[النحل: 12]، وَقَالَ فِي أَصْحَابِ النَّارِ: (وَيَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ)[يونس: 100]؛ مِمَّا يَدُلُّ دَلاَلَةً وَاضِحَةً عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْعَقْلِ فِي فَهْمِ الْخِطَابِ الدِّينِيِّ وَتَنْزِيلِهِ عَلَى الْوَاقِعِ.

وَفِي بَعْضِ الآيَاتِ فِي كِتَابِ اللهِ يَذْكُرُ اللهُ الْعَقْلَ بِاسْمٍ مُرَادِفٍ لَهُ؛ كَاللُّبِّ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ)[الرعد: 19], وَكَالْحِجْرِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)[الفجر: 5]؛ أَيْ: لِذِي عَقْلٍ، وَكَالنُّهَى فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى)[طه: 54]، وَكَالْحِلْمِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ)[الطور: 32]؛ وَأَحْلاَمُهُمْ؛ أَيْ: عُقُولُهُمْ.

وَسُمِّيَ الْعَقْلُ بِالْقَلْبِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوآذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الحج: 46], وَسُمِّيَ بِالْفُؤَادِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)[الإسراء: 36].

وَالْعَقْلُ هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ؛ كَمَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

الْعَقْلُ نُورٌ يَهْدِي صَاحِبَهُ إِلَى مَحَاسِنِ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ؛ بِحَيْثُ يَعِيشُ لِشَهَوَاتِهِ وَنَزَوَاتِهِ وَأَهْوَائِهِ وَاعْتِدَاءَاتِهِ!.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ وَخَلَقَ لَهُ الْعَقْلَ؛ لِيَتَدَبَّرَ الأُمُورَ، وَيُحْسِنَ التَّصَرُّفَاتِ، وَيَعْرِفَ قِيمَةَ الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ وَقِيمَةَ الْحَيَاةِ الْبَاقِيَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 78], وَمَعَ ذَلِكَ تَجِدُ الذَّكِيَّ الْأَلْمَعِيَّ، وَالْمُخْتَرِعَ الْعَبْقَرِيَّ؛ الَّذِي قَادَهُ ذَكَاؤُهُ الْخَارِقُ إِلَى الْوُصُولِ لأَقْوَى الاِبْتِكَارَاتِ, وَأَدَقِّ الاِكْتِشَافَاتِ, وَأَغْرَبِ الْحَقَائِقِ وَالنَّظَرَاتِ الَّتِي لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُوصِلْهُ عَقْلُهُ الذَّكِيُّ لِمَعْرِفَةِ خَالِقِهِ، وَمَعْرِفَةِ سَبَبِ وُجُودِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[الأعراف: 179].

فَلاَ ذَكَاءَ يَنْفَعُ، وَلاَ اخْتِرَاعَ يَشْفَعُ، وَلاَ عَقْلَ يَرْفَعُ بِالإِنْسَان؛ِ إِذَا لَمْ يَقُدْهُ عَقْلُهُ إِلَى مَعْرِفَةِ خَالِقِهِ، وَيَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ جَاءَ؟ وَلِمَاذَا جَاءَ؟ وَإِلَى أَيْنَ الْمَصِيرُ؟؛ يَسْتَفِيدُ مِنْ آيَاتِ اللهِ -تَعَالَى- الْمَسْطُورَةِ، وَمَخْلُوقَاتِهِ الْمَنْشُورَةِ عَلَى هَذَا الْكَوْنِ؛ لِتَدُلَّهُ عَلَى اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)[آل عمران: 190]، يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ مِنْ رَبِّهِ وَخَالِقِهِ بِالِاتِّصَالِ بِهِ، وَالثِّقَةِ بِمَدِّهِ وَعَطَائِهِ، وَالاِطْمِئْنَانِ إِلَى رِعَايَتِهِ وَسَتْرِهِ وَرِضَاهُ؛ كَمَا قَالَ مَوْلاَهُ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُنِيرَ عُقُولَنَا بِنُورِ كِتَابِهِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْهِدَايَةَ وَالرَّشَادِ إِلَى مَرْضَاتِهِ, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ"، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَقْتُلُ الآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ"، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ؛ تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لاَ عُقُولَ لَهُمْ"(صححه الألباني).

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضْلَ نِعْمَةِ الْعَقْلِ، وَأَنَّ مِنْ أَشَدِّ الْعُقُوبَةِ وَالنِّقَمِ أَنْ يُنْزَعَ مِنَ الْمَرْءِ عَقْلُهُ وَيُعَطَّلَ تَفْكِيرُهُ؛ فَيَتَصَرَّفَ كَالْبَهَائِمِ أَوْ أَشَدَّ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)[الفرقان: 44].

وَمِنْ هُنَا نَلْحَظُ عِنَايَةَ الإِسْلاَمِ بِالْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ، وَالْمُحَافَظَةِ الشَّدِيدَةِ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ حَرَّمَ عَلَى الإِنْسَانِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى كُلَّ الْمُفْسِدَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ؛ فَمِنَ الْمُفْسِدَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْحِسِّيَّةِ: الْخُمُورُ وَالْمُخَدِّرَاتُ وَمَا قَامَ مَقَامَهَا، وَالَّتِي حَصَلَ بِهَا سَفْكٌ لِلدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ، وَانْتِهَاكٌ لِلأَعْرَاضِ الْمَصُونَةِ -حَتَّى عَلَى الْمَحَارِمِ-، وَكَمْ حَصَلَ بِسَبَبِهَا مِنْ إِتْلاَفٍ لِلأَمْوَالِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ!, وَكَمْ قَضَتْ عَلَى طَاقَاتٍ عَقْلِيَّةٍ وَعُقُولٍ نَاضِجَةٍ!.

وَأَمَّا الْمُفْسِدَاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ كُلُّ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْعُقُولِ مِنِ انْحِرَافٍ عَنْ دِينِ اللهِ، وَتَصَوُّرٍ فَاسِدٍ عَنْ شَرْعِهِ -سُبْحَانَهُ-؛ كَالإِلْحَادِ وَالْعَلْمَنَةِ، وَالرَّفْضِ وَالزَّنْدَقَةِ، وَالشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ، وَتَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ, وَالْخُرُوجِ عَلَى وُلَاتِهِمْ.

فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- فِي عُقُولِكُمْ، وَاشْكُرُوا رَبَّكُمْ أَنْ سَلَّمَهَا مِنَ الضَّلاَلِ وَالاِنحْـِرَافِ وَالْفَسَادِ، وَكَمَا قِيلَ:

وَأَفْضَلُ قَسْمِ اللهِ لِلْمَرْءِ عَقْلُهُ     *** وَلَيْسَ مِنَ الْخَيْرَاتِ شَيْءٌ يُقَارِبُهُ

وَيُزْرِي بِهِ فِي النَّاسِ قِلَّةُ عَقْلِهِ    *** وَإِنْ كَـرُمَتْ أَعْـرَاقُهُ وَمَنَاسِبُهْ

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي