ومن فتن الشهوات: فتنة النساء، وما أخطرها! وما أسوأها من فتنة!, أشد فتنة على الرجال فتنة النساء، وكم سقط فيها من رجال!, وكم صغر فيها من كبير!, وكم تبعثرت فيها من أُسَر وبيوت وأزواج وزوجات!
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: قال زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: بيْنَما النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- في حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، علَى بَغْلَةٍ له وَنَحْنُ معهُ؛ إذْ حَادَتْ به فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وإذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ، أَوْ خَمْسَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ، قالَ: كَذَا كانَ يقولُ الجُرَيْرِيُّ، فَقالَ: "مَن يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذِه الأقْبُرِ؟"؛ فَقالَ رَجُلٌ: أَنَا، قالَ: "فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟"، قالَ: مَاتُوا في الإشْرَاكِ، فَقالَ: "إنَّ هذِه الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِن عَذَابِ القَبْرِ الذي أَسْمَعُ منه، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ"(صحيح مسلم).
وهم الصحابة, صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- أطهر الأمة قلوبًا وأقواهم إيمانًا وثباتًا وأنقاهم سريرةً ومَخْبرًا, أمرهم -صلى الله عليه وسلم- أن يتعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن, ونحن نقول: اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن, والفتن هي المحن, الفتن هي الاختبار والتمحيص.
ومن شدة تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة وللأمة من بعدهم أمرهم في كل صلاة أن يتعوذوا بالله من الفتن؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ –أي: في التشهد الأخير من كل صلاة-؛ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ مِن أَرْبَعٍ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ"(صحيح مسلم), في كل صلاة نتعوذ بالله من هذه الأربع.
والاستعاذة بالله من الفتن؛ أي: أننا نلجأ إلى الله، وندعو الله، ونعتصم بالله من الفتن, وصاحب العقل واللبيب يهرب من الفتن؛ فالبعد عنها عصمة منها, إذا ابتعدنا عن الفتن ابتعدنا عنها عصمنا الله منها، وكفانا شرورها.
وقد أمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك, أمرنا ألا نستشرف الفتن؛ حتى لا نقع فيها, تحذير وإنذار لكل مسلم بألَّا يُعرِّض نفسَه للفتن؛ لا تَمْتَحِنْ نفسك بالفتن, لا تَخْتَبِرْ نفسك بالفتن, فلربما سقطت في الامتحان ورسبت في الاختبار ووقعت في الشرور وتغيَّرت عليك الحياة, قال -صلى الله عليه وسلم-: "سَتَكُونُ فِتَنٌ -فتن امتحانات واختبارات للإيمان والثبات, زلزلة للقلوب- القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ"(أخرجه البخاري ومسلم).
أَبَعْدَ هذا التحذير والنذير منه -صلى الله عليه وسلم- نجهل خطر الفتن؟ إنَّ الأحمق الأخرق مَن يتجاهل تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يسعى إلى الفتنة برجليه يسعى إليها حتى يقع فيها, فإذا به يُمْتَحَن ويُخْتَبَر في إيمانه وثباته ودينه؛ فلا يثبت بل يقع وينهزم ويُفْتَتن ويهوي وتتغير عليه الحياة.
والفتن ألوان وأشكال وأصناف وأحجام… فتن شبهات, وفتن شهوات.
ففتن الشبهات تكون من الذين يشكِّكون في دين الله، في شرع الله، في كتاب الله، في سُنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, يشكِّكون فيها، ويخرجون إلينا كل يوم عبر وسائل التواصل يُحرِّفون العقيدة الصحيحة، ويتكلمون في القرآن كلام الله، ويخوضون في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, يدعون الناس إلى تَرْك المساجد وهجر القرآن والبعد عن تطبيق سُنَن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يُشكِّكون في يوم القيامة والحساب والجنة والنار، بل يدعون إلى تَرْك الدين كله ويتهمونه بأنه سبب تخلف المسلمين وتبعيتهم وضعفهم وتأخرهم, فيدعون إلى الكفر يدعون إلى الإلحاد يدعون إلى الخروج من دين الله, يدعون الشباب إلى الخروج من بلاد الطهر والإسلام إلى بلاد الكفر والعهر والانحلال, فإذا ذهب من قلَّ عقله إليهم تركوهم يهيمون في الشوارع لا يجدون طعامًا ولا شرابًا ولا مسكنًا؛ فتن شبهات فتن في الدين… اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.
وفتن شهوات، وتكون فيما تشتهيه النفس من المحرمات، وما أكثر فتن الشهوات لا يكاد يسلم منها مسلم إلا من عصم الله ورحم.
فمنها: فتنة المال؛ فتنة جمع المال, جمع الدنيا، الطمع والجشع في جمع المال من حلال ومن حرام, فتنة عظيمة تجعل المسلم ينسى مِن دينه، وينسى مِن أهله وينسى مِن أولاده، وينسى أقاربه وأرحامه، بل ربما قاطعهم وخاصمهم وهجرهم من أجل المال، بل ربما قتل وسفك الدم الحرام من أجل المال من أجل قطعة أرض أو شعب أو جبل أو ساقية.
وأغلب قضايا الناس اليوم ومعاملاتهم وتقاطعهم وتخاصمهم من أجل فتنة المال, عندما كان الفقر والشُّحّ كانوا سعداء متآلفين متحابين, أُسرتين ثلاث أُسر إخوة في بيت واحد, وعندما فُتِنَتْ الأنفس بالمال والتوسُّع تجد مع كل شخص جبلاً أو جبلين وشعبًا أو شعبين, تفرق الناس في رؤوس الجبال وفي بطون الشعاب, وتقاطعوا وتهاجروا، وتركوا حتى الصلاة في المساجد.
فِتَن حتى في المخططات والأراضي الحكومية، يسعى صاحب الجاه والمنصب والمال يأتي بوسائط من هنا وهناك حتى ينال أجمل الأماكن في المخططات وعلى الشوارع العامة، فتن بل جرائم يرتكبها المسؤول وصاحب الوسائط, لا يجوز بأيّ حال أن توزع تلك الأراضي وتلك المخططات إلا بالتساوي بالاستهام بالاقتراع، لكنها فتنة المال يُرْتَكَبُ الحرام من أجلها؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ"(صحيح البخاري).
ومن فتن الشهوات: فتنة النساء، وما أخطرها! وما أسوأها من فتنة!, أشد فتنة على الرجال فتنة النساء، وكم سقط فيها من رجال!, وكم صغر فيها من كبير!, وكم تبعثرت فيها من أُسَر وبيوت وأزواج وزوجات!
نحن لا نتكلم عن أحد, ولا نخص أحدًا, وليس هذا الأمر إلينا ولا في أيدينا، ولا يجوز بأيّ حال أن نتّهم الناس ونشكّ في الناس ونرمي الناس بما ليس فيهم، إنما نحن نتحدث عن فتنةٍ حذَّر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ"(أخرجه البخاري ومسلم), وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ"(صحيح مسلم).
فليحذر كل مسلم من هذه الفتنة؛ فوالله إنها دركات إلى الهاوية والشقاء، وربما إلى النار والعياذ بالله، الشاب يتزوج ويكتفي بزوجته, والمتزوج يتورّع ويتقي الله في محارم الناس فإن له محارم, له زوجة وأخوات وبنات.
فُتِحَتْ وسائل التواصل على كل الشرور؛ نساء ورجال سقطوا فيها، باعوا دنياهم وآخرتهم من أجل شهوة, بسبب نظرة ومكالمة ومهاتفة وتواصل ومزحات وابتسامات من أجل رسالة أو صورة.
يوجد بعض النساء يشتكين من أزواجهن: لم يكتفِ بالحلال, ترك زوجته وذهب إلى محارم الناس، وبعض الأزواج كذلك يشكّ أو يرتاب من زوجته، وكلها بسبب وسائل التواصل التي لم نُحْسِن استخدامها.
فِتَنٌ يجب على المسلم أن يتقي الله ويخافه, يجب على مَن وقع في هذه الفتنة أن يراجع نفسه وسلوكه، يُصْلِح بيته ويهتمّ بزوجته ويقتنع بالحلال… غازل زوجتك، وأرسل لها رسائل الحب والغرام، أرسل لها الورد، صور لها قلبك وهو ينبض بحبّها, كن معها في البيت مُحبًّا وعاشقًا ومُغرمًا.
العبْ معها، تسابقْ معها؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتسابق مع نسائه, اخرج معها إلى الحدائق والمنتزهات, تصوّر معها، سافر معها، أنفق عليها, وسترى منها ما يملأ عينيك -بإذن الله-، ما الذي يمنع؟
ليست الزوجة فقط للضيوف وللغسيل وللأكل وللغنم وللبقر, الزوجة للحياة كلها، الزوجة تغنيك عن الحرام تعفك عن محارم الناس, تمنعك مِن تعدِّي حدود الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[سورة التحريم:6].
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.
عباد الله: إن مما يعصم من الفتن ويباعد عنها: تذكُّر عظمة الله وقوّته، ومراقبته وخشيته, تذكَّر (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1].
ومنها تذكُّر الجنة والنار, والصراط والميزان ويوم الحساب (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ)[سورة الحاقة:18].
ومنها: الاستعاذة بالله من الفتن… اسأل الله دائمًا أن يحميك، ويحفظك في دينك ودنياك وآخرتك.
ومنها: البعد والحذر وعدم استشراف الفتن؛ لا تقتربْ, لا تُجرِّب, لا تتساهل فإن البدايات هي النكبات.
ومنها: العمل الصالح والحفاظ على الصلوات.
ومنها: الرفيق الصالح, الصالح الذي يخوّفك بالله ويحذّرك من الفتن والمعاصي.
أسأل الله بكرمه ومنّه أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معاصيه, وبفضله عمن سواه.
وصلوا وسلموا…
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي