أهمية أخذ اللقاحات الطبية خشية الوقوع بالأمراض

صالح بن مقبل العصيمي
عناصر الخطبة
  1. السبيل الشرعي في التعامل مع المرض .
  2. العلاج من قدر الله -تعالى- .
  3. أنواع التداوي وحكمها .
  4. مشروعية الوقاية من الأمراض. .

اقتباس

وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْأَمْرُ بِالتَّدَاوِي، وَأَنَّه لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ؛ كَمَا لَا يُنَافِيهِ دَفْعُ دَاءِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِأَضَّدَادِهَا, بَلْ لَا يَتِمُّ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ إِلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ الِّتِي نَصَبَهَا اللهُ مُقْتَضَيَاتٍ لِمُسَبِّبَاتِهَا قَدَرًا وَشَرْعًا، وَأَنَّ تَعْطِيلَهَا يَقْدَحُ فِي نَفْسِ التَّوَكُّلِ...

الْخُطبَةُ الْأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ: قَالَ اللهُ -جَلَّ فِي عُلَاهُ- ذَاكِراً قَوْلَ إَبْرَاهِيَم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء: 80]، وَقَوْلِ أَيُّوبَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[الأنبياء: 83], فَاللهُ خَالِقُ الْأَمْرَاضِ وَبِيَدِهِ الشِّفَاءُ, وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْأَسْبَابِ؛ إِمَّا لِدَفْعِ الْأَمْرَاضِ، أَوْ لِلتَّعَافِي مِنَ الْأَمْرَاضِ؛ فَفِعْلُ الْأَسْبَابِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ؛ بَلْ هُوَ مِنَ الْتَقَرُّب إِلَى اللهِ؛ لِأَنَّ فِعْل الْأَسْبَابِ مَأْمُوْر بِهِ, مَعَ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَعَدَمِ التَّسَخُّطِ وَالْجَزَعِ.

وَتَعَاطِي الْعِلَاجِ النَّافِعِ الْحَلَالِ المَشْرُوعِ مشروعٌ, وَتَجَنُّبِ الْعِلَاجِ الْمَحَرَّمِ واجبٌ, قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً"(رَوَاهُ الْبُخَاِريُّ وَمُسْلِمٌ), وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجاءتِ الْأَعْرَابُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَتَدَاوَى؟ قَاَل: "نَعَمْ يِا عِبَادِ اللهِ! تَدَاوُوا؛ فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً, غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ"، قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَاَل: "الْهَرَمُ", وَفِي لَفْظٍ: "إِنَّ اللهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

وَالْعِلَاجُ لَا يُنَافِي قَدَرَ اللهِ -سُبْحَانَهُ-؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَدَرِ اللهِ؛ فَقَدْ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئاً؟ فَقَالَ: "هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ"(رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ).

إنَّ الطَّبيبَ بِطبِّهِ ودَوائِهِ *** لا يَستطيع دِفَاعَ مَكروهٍ أتى

ما للطبيبِ يَموتُ بالدَّاءِ الذي *** قَد كَان يُبْرئُ منه فيما قد مضى

ذَهَبَ المُدَاوِي والمُدَاوَى والذي *** جَلَبَ الدَّواءَ وبَاعه ومَنِ اشترى

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقِيِّمِ -رَحِمَنَا اللهُ وِإِيَّاهُ-: "فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إِثْبَاتَ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ وَإِبْطَالَ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَهَا... وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْأَمْرُ بِالتَّدَاوِي، وَأَنَّه لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ؛ كَمَا لَا يُنَافِيهِ دَفْعُ دَاءِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِأَضَّدَادِهَا, بَلْ لَا يَتِمُّ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ إِلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ الِّتِي نَصَبَهَا اللهُ مُقْتَضَيَاتٍ لِمُسَبِّبَاتِهَا قَدَرًا وَشَرْعًا، وَأَنَّ تَعْطِيلَهَا يَقْدَحُ فِي نَفْسِ التَّوَكُّلِ", إِلَى أَنْ قَالَ: "وَفِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ"؛ تَقْوِيَةٌ لِنَفْسِ الْمَرِيضِ وَالطَّبِيبِ، وَحَثٌّ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ الدَّوَاءِ وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْمَرِيضَ إِذَا اسْتَشْعَرَتْ نَفْسُهُ أَنَّ لِدَائِهِ دَوَاءً يُزِيلُهُ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِرُوحِ الرَّجَاءِ، وَبَرَدَ مِنْ حَرَارَةِ الْيَأْسِ، وَانْفَتَحَ لَهُ بَابُ الرَّجَاءِ، وَكَذَلِكَ الطَّبِيبُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ لِهَذَا الدَّاءِ دَوَاءً أَمْكَنَهُ طَلَبُهُ وَالتَّفْتِيشُ عَلَيْهِ".

وَالتَّدَاوِي النَّافِعُ عَلَى نَوْعَيْنِ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: التَّدَاوِي بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ الِّتِي تُقْرَأُ عَلَى الْمَرِيضِ؛ فَيُشْفَى -بِإِذْنِ اللهِ- إِذَا تَوَفَّرَتِ الْأَسْبَابُ، وَانْتَفَتِ الْمَوَانِعُ مِنْ قِبَلِ الرَّاقِي وَالْمُرْقِي.

النَّوْعُ الثَّانِي: التَّدَاوِي بِالْأَدْوِيَةِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي خَلَقَها اللهُ -تَعَالَى-، وَأَذِنَ بِالتَّدَاوِي بِهَا؛ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا وَلَهُ ضِدٌّ، فَكُلُّ دَاءٍ لَهُ ضِدٌّ مِنَ الدَّوَاءِ يُعَالَجُ بِضِدِّهِ، فَإِذَا وَافَقَ الدَّوَاءُ الدَّاءَ بَرِئَ -بِإِذْنِ اللهِ-.

وَلَمَّا أَغْنَانَا اللهُ -تَعَالَى- بِالْأَدْوِيَةِ النَّافِعَةِ الْمُبَاحَةِ نَهَانَا عَنِ التَّدَاوِي بِالْأَدْوِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ, قَالَ شيخ الاسلام ابْنُ تَيْمِيَةَ -رَحِمَنَا اللهُ وِإِيَّاهُ-: "فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَنَازَعُوا فِي التَّدَاوِي: هَلْ هُوَ مُبَاحٌ، أَمْ مُسْتَحَبٌّ، أَمْ وَاجِبٌ؟ وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُبَاحٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ" انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ أنَّهُ يَجِبُ التَّدَاوي إِذَا كَانَ المَرَضُ يُؤَدِّي إِلَى الْإِعَاقَةِ أَوْ الْهَلَكَةِ غَالِبًا؛ مِثْلَ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ وَالْحَوَادِثِ الْخَطِيرَةِ، وَعَدَمُ التَّدَاوِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ مِنْ إِلْقَاءِ النَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة: 195], وَكَذَا يَجِبُ التَّدَاوِي إِذَا كَانَ الْمَرَضُ مُعْدِيًا يَنْتَقِلُ ضَرَرُهُ إِلَى الْآخَرِينَ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِالْعَزْلِ وَالابْتِعَادِ وَنَحْوِهِ؛ كَمَا فِي مَرَضِ كُورُونَا الْمُسْتَجِدِّ، فَلَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ الله: وَفِيْ هَذِهِ الأَيَّام الَّتِي انْتَشر فِيْهَا وَبَاءُ كُوْرُنَا، وَالْخَشْيَة مِنَ الإِصَابَة مِنْ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ الَّتِي عُرِفَتْ بِأَنَّ لَهَا مَوَاسِم تَكْثُرُ فِيْهَا أَكْثَرُ مِنْ غَيِرهَا؛ كالإِنْفِلْوَنْزَا، فأَخْذُ الاحْتِيَاطِاتُ الْطِبِيَّة بِالْوِقَايَةِ مِنْهَا بِعَوْنِ اللهِ، مِنْ خِلَالِ أَخْذِ الْعِلَاجَاتِ الْمُنَاسِبَة لِلْوِقَايَةِ مِنْهَا بِالْحُقَنِ الْطِبِيَّةِ, لَا تنافي التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ؛ بَلْ هِيَ مَشْرُوعَة, وَمِثْلُهَا كَمِثْلِ مَنْ يَحْتَاط مِنَ الْبَرْدِ قَبْلَ إِصَابَتِهِ بِهِ بِالْمَلَابِسِ الْثَّقِيْلَةِ وَغَيْرهَا, فَلَا يَقُوْلُ عَاقِلٌ أَنَّ هَذَا يُنَافِيْ التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ بَازٍ مُبَيِّناً أَخْذ الاحْتِيَاطِ بِتَنَاولِ مَا يَمنَعُ المَرَض قَبْلَ وُقُوْعِهِ كَالْتَّطْعِيْمَات الَّتِي تُقَدَّمُ لِلْأَطْفَالِ؛ لِحِمَايَتِهِمْ بَعْدَ اللهِ مِنْ أَمْرَاضِ الْشَّلَلِ وَالْحَصبَةِ وَغَيْرهَا، وَمُتَعَاطِي حُقَن دَفْع الإنْفِلْوَنْزا الْمَوْسِمِيَّة لِلْوِقَايَةِ مِنْهَا, أَوْ الْوَاقِيَة -بِإِذْنِ اللهِ- مِنْ بَعْضِ أَنْوَاعِ َالْحُمَّى الَّتِي يَأْخُذُهَا الحُجَّاجُ قَبْلَ حَجِّهِمْ؛ خَشْيَةَ الإِصَابَةِ بِهَا أَنَّهَا لا تُنَافِي التَّوَكُّل، حَيْثُ قَالَ -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ-: "لَا بَأْسَ بِالتَّدَاوِي إِذَا خُشِيَ وَقُوعُ الدَّاءِ؛ لِوُجُودِ وَبَاءٍ أَوْ أَسْبَابٍ أُخْرَى يُخْشَى مِنْ وُقُوعِ الدَّاِء بِسَبَبِهَا، فَلَا بَأْسَ بِتَعَاطِي الدَّوَاءِ لِدَفْعِ الْبَلَاءِ الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ؛ لَمْ يَضُرُّهُ سِحْرٌ، وَلَا سُمٌّ"، وَهَذَا مِنْ بَابِ دَفْعِ الْبَلَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ؛ فَهَكَذَا إِذَا خُشِيَ مِنْ مَرَضٍ وَطُعِّمَ ضِدَّ الْوَبَاءِ الْوَاقِعِ فِي الْبَلَدِ، أَوْ فِي أَيِّ مَكَانٍ, لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ الدِّفَاعِ؛ كَمَا يُعَالَجُ الْمَرَضُ النَّازِلُ يُعَالَجُ بِالدَّوَاءِ الْمَرَضُ الِّذِي يُخْشَى مِنْهُ" انْتَهَى كَلَامُهُ.

وقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَنَا اللهُ وِإِيَّاهُ-: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إِذَا خَرَجَ إِلَى الْحَرْبِ يَلْبِسُ الدُّرُوعَ؛ لِيَتَوَقَّى السِّهَامَ، وَفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ ظَاهَرَ بَيْنِ دِرْعَيْنِ، أَيْ: لَبِسَ دِرْعَيْنِ؛ كُلُّ ذَلِكَ اسْتِعْدَادًا لِمَا قَدْ يَحْدُثُ، فَفِعْلُ الْأَسْبَابِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ إِذَا اعْتَقَدَ الْإِنْسَانُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ مُجَرَّدُ أَسْبَابٍ فَقَطْ لَا تَأْثِيرَ لَهَا إِلَّا -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى-، وَعَلَى هَذَا فَالْقِرَاءَةُ -قِرَاءَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَقِرَاءَتُهُ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمَرْضَى- لَا تُنَافِي التَّوَكُّلَ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النِّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنَّهُ كَانَ يَرْقِي نَفْسَه بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَثَبَتَ أَنَّه كَانَ يَقْرَأُ عَلَى أَصْحَابِهِ إِذَا مَرِضُوا، وَاللهُ أَعْلَمُ".

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى, وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا, وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا, وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ, وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182], وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي