دفاعا عن النبي الأعظم –صلى الله عليه وسلم-

معين صالح السلامي
عناصر الخطبة
  1. نبينا محمد أفضل الخلق وأكرمهم وأعظمهم .
  2. مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند منصفي الغرب .
  3. حملة إساءات لديننا ومقدساتنا .
  4. عقوبة سبّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أو الإساءة إليه .
  5. وجوب نصرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- .
  6. من أعظم الوسائل التي ننصر بها ديننا ونبينا ومقدساتنا .
  7. قصص وعِبَر. .

اقتباس

فمن هو الذي يعيش في أزمة؟! هل هو الإسلام الذي يشهد انتشاراً واسعاً وتأثيراً على مستوى العالم، أم هذا الأحمق المغرور؟!.. كلما حاولوا أن يسيئوا إلى ديننا ونبينا دارت الدائرة عليهم.....

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: عباد الله:

إن البَريَّةَ يومَ مَبْعثِ أحمَدٍ *** نَظَرَ  الإلهُ لها فَبَدَّلَ حَالهَا

بل كرَّم الإنسَانَ حين اختار من ***  خَيْرِ البَريَّةِ  نجمهَا  وهِلالها

من البديهيات والحقائق التي أجمعت عليها البشرية أن أفضلَ الناس، وأكرمَ الناس، وأعظمَ الناس، هو محمدٌ -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم-، شهد له بالعظمة ربُّ العالمين وخالقُ السموات والأرضين فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم:4]، ووصفه بالرحمة والرأفة والحرص على كل ما يُصْلِح البشرية، ويُسْعِد الإنسانية، فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:128]، وخاطبه ربُّه فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء:107]، هذا هو محمد -عليه الصلاة والسلام-، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة.

صَلَّى عليك اللّهُ يا مَنْ ذكرُهُ ***  شَرَحَ الصُّدُورَ وطيَّبَ الآفاقَا

حتى الكفار شهدوا بعظمته، فهذا كاتبٌ أمريكيٌّ شهيرٌ اسمه "مايكل هارت" ألَّف كتاباً بعنوان: "الخالدون المائة"، ذكر فيه مائة عظيم خلَّدهم التاريخ، وجعل الرقم الأول: محمداً -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "لقد اخترت محمداً في أول هذه القائمة، ولا بد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ولكن محمداً -عليه السلام- هو الإنسان الوحيد الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي، وبعد 13 قرناً من وفاته؛ فإن أثره ما يزال قوياً متجدداً".

وأحد مفكري وفلاسفة أوروبا يقول: "لو كان محمدٌ حيَّاً لحل مشاكل العالم وهو يشرب فنجاناً من القهوة".

شَهِدَ الأنامُ بفضلِهِ حتى العِدا *** والحقُّ ما شَهِدَتْ بِهِ الأعداءُ

لكن بعض الحمقى والمغفلين من الكفار الحاقدين على دين رب العالمين يحاولون الإساءة لسيد المرسلين، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التوبة:8]. مهما حاولوا لن يستطيعوا أن ينالوا من قدره وجنابه الشريف -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن اللهَ القادرُ على كلِّ شيءٍ يقول: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[الحجر:95].

من يستطيع أن يطفئ نور الشمس؟!!

قُلْ للعُيُونِ الرُّمْدِ للشمسِ أعينٌ *** تَرَاهَا بِحَقٍ في مغيبٍ ومطلعِ

وسَامِحْ عيوناً أطفأ اللهُ نورَها *** بأهوائِها لا تستفيقُ ولا تَعِي

عباد الله: طالعتنا وسائل الإعلام ما تقوم به فرنسا هذه الأيام من حملة إساءات لديننا ومقدساتنا، وقد تولَّى الرئيسُ الفرنسيُّ كِبْرَ تلك الحملة، وسمح للحاقدين من أمثاله أن يتطاولوا على الإسلام وعلى سيد الأنام محمدٍ -عليه الصلاة والسلام-، (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)[آل عمران:118].

دخل مدرسٌ فرنسيٌّ كافرٌ حاقدٌ على الإسلام على طلابه، وعرض رسوماً مسيئة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقام طالبٌ مسلمٌ في الثامنة عشرة من عمره اسمه عبدالله، وهو من أصول شيشانية، غيور على دينه، مُحِبّ للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وذبح المدرس على الطريقة الإسلامية، لم يتحمَّل أن يرى عِلْجًا كافرًا يتطاول على حبيب قلبه ونور عينه محمد -عليه الصلاة والسلام-. دافع عن نبي الهدى فقُتِلَ، فارتقى إلى ربه شهيداً -بإذن الله-، نسأل الله أن يرفع درجته في عليين.

عباد الله: قصة هذا الطالب تذكرنا بقصة رجل أعمى في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والقصة رواها الإمام أبو داود وغيره وصححها الألباني عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "أنَّ أعمى كانت له أم ولدٍ تشتم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلمَّا كانت ذات ليلةٍ جعلت تقع في النبي -صلى الله عليه وسلم- وتشتمه، فأخذ الْمِغْوَل -وهو سيفٌ قصيرٌ- فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فلما أصبح ذُكِر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فجمع الناس، فقال: "أَنْشُدُ الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حقٌ إلا قام"، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة -أي: أنه ليس بينه وبينها أي شيء غير أنها كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم-، قال: فلما كانت البارحة، جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت الْمِغْوَل فوضعته في بطنها، واتكأت عليه حتى قتلتها. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا اشهدوا أنَّ دمها هدر".

أهدر النبي -صلى الله عليه وسلم- دمها وعذر الأعمى، ونحن اليوم نعذر الطالب الذي دفعته غيرته على النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقتل مدرساً خبيثاً حاقداً على الإسلام وعلى نبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام-.

عباد الله: أجمع علماء الإسلام سلفاً وخلفاً على أن من سبَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أو أساء إليه بأي نوع من أنواع الإساءة؛ فإن حدَّه القتل، ومما استدلوا به: قصة قتل كعب بن الأشرف، وهو من سادات اليهود، كان يشتم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقصته مشهورة رواها البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى اللهَ ورسولَه"، فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله، أتحبُّ أن أقتله؟ قال: "نعم"، فذهب إليه محمد بن مسلمة ومعه أربعة من الصحابة الكرام من أصحاب المهمات الصعبة، وقتلوه.

هذا جزاء من يُسِيءُ إلى سيِّد الخلق ورسول الحقِّ محمدٍ -عليه الصلاة والسلام-؛ الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، وجعله سيداً للأولين والآخرين، ثم يأتي هؤلاء النكرات الأوغاد ليتطاولوا على جنابه الشريف؟! قبحاً لهم، وقبحاً لمن يؤيدهم أو يبرر لهم جرائمهم.

عباد الله: من كان في قلبه حبٌّ للحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فلا بد أن يبادر لنُصْرته، قال الله -سبحانه-: (فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف:157].

ها هو ثُمَامَةُ بن أُثَال -وقصته في الصحيحين- كان مشركاً، وكان سيِّد أهل اليمامة. بعث النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- سريةً باتجاه نجد فأتوا به أسيراً، وربطوه بسارية من سواري المسجد ثلاثة أيام، وفي كل يوم كان يقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ماذا عندك يا ثمامة؟"، فيقول: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنْعِم تُنْعِم على شاكر. يعني: إن قتلتني سيأخذ قومي بثأري، وإن تطلق سراحي سأكون لك شاكراً. فيتركه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي اليوم الثالث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ"، أطلق سراحه بعد ثلاثة أيام رأى فيها أخلاق النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأخلاق صحابته الكرام، وحُسن معاملتهم، ورأى الإسلام مترجَماً في واقع حياتهم. فخرج من المسجد وذهب إلى مكان قريب فيه ماء فاغتسل، ثم دخل المسجد وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان على وجه الأرضِ وجهٌ أبغضَ إليَّ من وجهِك فقد أصبح وجهُك أحبَّ الوجوهِ إليَّ، والله ما كان من دينٍ أبغض إليَّ من دينِك فأصبحَ دينُك أحبَّ الدينِ إليَّ، والله ما كان من بلدٍ أبغض إليَّ من بلدِك فأصبح بلدُك أحبَّ البلادِ إليَّ.

لم يُسلم هذا السيِّد المقدام الشجاع وهو مربوط بالسارية حتى لا يُقال: أسلم خوفاً من الموت. وبعد أن أسلم استأذن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أن يذهب لأداء العمرة، فبشَّره النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قالوا له: أصبوت؟ -يعني تركت دينك؟- فقال: لا، ولكني أسلمتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولعلَّه رأى أن كلمتهم هذه فيها إساءة لدين النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأقرَّه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: لقد نصر ثُمَامَةُ بن أُثَال -رضي الله عنه- النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ودينه بأن ضرب حصاراً اقتصادياً على قريش، وقد تأذَّت قريش من ذلك الحصار، فاضطروا أن يكتبوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويناشدوه أن يكتب إلى ثُمَامَةَ ليفك عنهم الحصار؛ ففعل -صلى الله عليه وسلم-.

وبهذا استدل العلماء على أن المقاطعة الاقتصادية من أعظم الوسائل التي ننصر بها ديننا ونبينا ومقدساتنا، وقد أفتى كثير من علماء الأمة اليوم بمقاطعة البضائع الفرنسية، وممن أفتى بذلك: الشيخ صالح اللحيدان، والشيخ عبدالرحمن البراك، والشيخ عبدالكريم الخضير، وهم من هيئة كبار العلماء، وغيرهم كثير، وممن أفتى بمشروعية المقاطعة من علماء هذا العصر: العلامة المُحدِّث محمد ناصر الدين الألباني، والعلامة ابن جبرين، وغيرهما، بل عدَّ بعض العلماء -ومنهم الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي صاحب التفسير المشهور- أن المقاطعة الاقتصادية من أعظم الجهاد في سبيل الله.

نسأل الله أن ينصر دينه ونبيه وعباده الصالحين، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله .... أما بعد:

عباد الله: قصة إسلام ثُمَامَة بن أُثَال -رضي الله عنه- تشبه قصة امرأة فرنسية نصرانية اسمها "صوفي"، عمرها (75) سنة، كانت مختطفة في "مالي" منذ أربع سنوات، وقبل أقل من شهر تم الإفراج عنها بعد أن بذلت الحكومة الفرنسية جهوداً كبيرة ودفعت عشرة مليون يورو للإفراج عنها، وفي اليوم الذي وصلت فيه إلى فرنسا خرج الرئيس الفرنسي لاستقبالها، وكان ذلك المعتوه قد ألقى خطاباً قبل ذلك هاجم فيه الإسلام، وقال: "إنه دين يعيش في أزمة". نزلت صوفي من الطائرة، فمَدَّ الرئيس الفرنسي يده ليصافحها، فامتنعت عن مصافحته، وقالت له: أنا مسلمة، واسمي الآن مريم، فغضب وخرج من المطار مغضباً.

فمن هو الذي يعيش في أزمة؟! هل هو الإسلام الذي يشهد انتشاراً واسعاً وتأثيراً على مستوى العالم، أم هذا الأحمق المغرور؟! العجيب أن هذه المرأة لم تعلن إسلامها إلا بعد أن عادت إلى بلدها فرنسا، قالت: "لم أعلن عن إسلامي في مالي حتى لا يُقال: إنني أسلمت تحت حدِّ السيف، وقررتُ أن أُعلن إسلامي وأنا حرَّةٌ على أرض فرنسا"، وهذا يذكرنا بقصة إسلام ثُمَامَة بن أُثَال -رضي الله عنه-.

تحدثت أختُنا مريم عن سبب إسلامها فقالت: "كنت أسيرة عند المسلمين.. لكنهم لم يمسوني بسوء أبداً، وكانت معاملتهم لي كلها تقدير واحترام.. وكانوا يحترمون خصوصيتي.. ولم يسبُّوا ديني ولا عيسى -عليه السلام-.. ولم يفرضوا عليَّ الإسلام لكنني رأيته في أخلاقهم". فلا إله إلا الله ما أعظمه من دين!!

حُقَّ لنا -أيها الأحباب الكرام- أن نفخر بديننا وبنبينا -عليه الصلاة والسلام-.

ومما زادني شرفاً وفخراً *** وكدتُ بأخمصي أطأُ الثُّريَّا

دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيَّرت أحمدَ لي نبيا

عباد الله: إن الإسلام اليوم يشهد انتشاراً واسعاً في أوروبا وأمريكا وفي كل العالم، وأعداد المسلمين في تزايد، وهذا هو الذي أغاظ الكفار الحاقدين، وزاد من حنقهم، ودفعهم إلى الإساءة لمقدسات هذا الدين، ولكن مهما حاولوا فاللّه يقول في محكم كتابه: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا • وَأَكِيدُ كَيْدًا • فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)[الطارق:15-17].

كلما حاولوا أن يسيئوا إلى ديننا ونبينا دارت الدائرة عليهم. قبل سنوات نشروا فيلماً مسيئاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأى صاحب الفيلم ضجة المسلمين وعظيم حبّهم لنبيهم -صلى الله عليه وسلم- دفعه ذلك للتعرف على هذا النبي الكريم وعلى دينه العظيم، وأعلن إسلامه، ثم هاجر إلى المدينة النبوية، ووقف أمام قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- باكياً معتذراً. وصدق اللّه القائل: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الأنفال:30].

اللهم إنا نحبّ نبيَّك، وقلوبنا في شوق إلى لقائه؛ فاجمعنا به في دار كرامتك ومستقر رحمتك، واسقنا من حوضه شربةً لا نظمأ بعدها أبداً ..... والحمد لله رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي