عباد الله: ما أشرف المؤمن، وما أعلى مكانته، وما أرفع قدره ومنزلته عند ربه -جل في علاه-، وفي هذه السورة العظيمة ذُكر في أولها صفات أهل الإيمان بعد أن أخبر جل وعلا في الآية الأولى من آيات هذه السورة بتحقق فلاح أهل الإيمان، وفوزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)[المؤمنون:1] أي: قد تحقق فلاحهم وفوزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وقد..
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: سورةٌ عظيمة في كتاب الله -جل وعلا- استهلَّها الله بذكر أوصاف المؤمنين الكمَّل، وذِكر ما أعدَّ لهم من عظيم الثواب، وجزيل المآب؛ إنها "سورة المؤمنون".
نعم -عباد الله- ما أشرف المؤمن، وما أعلى مكانته، وما أرفع قدره ومنزلته عند ربه -جل في علاه-، وفي هذه السورة العظيمة ذُكر في أولها صفات أهل الإيمان بعد أن أخبر جل وعلا في الآية الأولى من آيات هذه السورة بتحقق فلاح أهل الإيمان، وفوزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)[المؤمنون:1] أي: قد تحقق فلاحهم وفوزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعاً وموقوفا: لمـَّا خلق الله -عز وجل- الجنة، قال لها: تكلمي، فقالت: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ".
الله أكبر! هذا كلام نطقت به الجنة، الجنة نفسها تكلمت بذلك قالت: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ"، وفي هذا أنزل الله -تبارك وتعالى- وحياً يُتلى وكلاماً يُقرأ من كلامه جل في علاه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون:1] أي: قد تحقق فلاحهم وفوزهم في الدنيا والآخرة.
عباد الله: وهنا تشتاق النفوس شوقاً عظيما لمعرفة صفات أهل الإيمان وحِلية أهل الإيمان التي استحقوا بها هذا الفلاح العظيم والفوز المبين في الدنيا والآخرة، فجاء ذِكر ذلك في هذه الآيات المباركات؛ فتأملوا -رعاكم الله- صفات أهل الإيمان صفةً صفة فيما ذكره الله -جل وعلا- في هذا السياق المبارك، ثم تأملوا ما أُتبع ذلكم من ذِكرٍ لثواب هؤلاء العظيم وأجرهم الجزيل عند رب العالمين -جل في علاه-، قال الله -سبحانه-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[المؤمنون: 1-11].
اللهم يا رب العباد يا رب العالمين اجعلنا من هؤلاء أهل الإيمان الذين تحقق فلاحهم وفوزهم، والذين لهم يوم القيامة الفردوس هم فيها خالدون.
عباد الله: وتأملوا كيف بُدئت هذه الصفات وخُتمت بذكر الصلاة التي هي أعظم الأعمال وأجلُّها على الإطلاق؛ فأول صفاتهم في هذا السياق المبارك أنهم (فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 2]، وآخر صفةٍ ذكرت لهم في هذا السياق المبارك أنهم (عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[المؤمنون: 9]، وهذا -عباد الله- يبين لنا المكانة العلية، والمنزلة الرفيعة للصلاة، وأنها أجلُّ أعمال أهل الإيمان، وأعظم طاعاتهم، وأرفع قرباتهم، وأجلُّ ما يتقرب به المتقربون إلى الله -تبارك وتعالى-، والمؤمن حقاً هو من يخشع في صلاته، ويحافظ عليها بحفظ أوقاتها وأركانها وشروطها وواجباتها محافظةً تامة يتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بذلك.
ومن صفات أهل الإيمان في هذا السياق المبارك: بُعدهم عن اللغو وإعراضهم عن مجالسه (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)[المؤمنون: 3]، واللغو -عباد الله- يشمل ويتناول كل باطل، وأعظم ذلكم الشرك بالله -تبارك وتعالى- والبدع بأنواعها والسيئات بأصنافها قوليةً أو فعلية؛ كل ذلكم لغو باطل يعرِض عنه المؤمن ويبتعد عنه تمام الابتعاد حفظاً لإيمانه وصيانةً لدينه.
ومن صفات هؤلاء: أنهم يؤدون الزكاة، ويحافظون عليها: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)[المؤمنون: 4]، والزكاة هنا تتناول أداء زكاة المال المفروضة، وتتناول أيضاً تزكية النفس بالأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)[الأعلى: 14] أي زكى نفسه بطاعة الله، والتأدب بآداب الإسلام، وأخلاق الشريعة العظيمة.
ومن صفاتهم -عباد الله-: حفظهم لفروجهم؛ وهذه خلة عظيمة وخلَّة كريمة يتصف بها أهل الإيمان ألا وهي: العفة عن الفاحشة والحرام، والبُعد عن صنوف الآثام، فهم لفروجهم حافظون لا يعرِّضونها لإثم ولا يوقعونها في خطيئة مهما كانت الفتن ومهما كانت الدواعي، فإنَّ عفتهم تمنعهم من غِشيان ما يُغضب الله وفعل ما يُسخطه تبارك وتعالى.
ومن صفات هؤلاء -عباد الله-: أنهم (لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[المؤمنون: 8]؛ فهم أهل حفظ للأمانة ورعاية للعهد بخلاف حال المنافق الذي إذا عاهد غدر وإذا اؤتمن خان.
ثم توِّجت هذه الصفات بالمحافظة على الصلاة.
عباد الله: وبهذا يُعلم أن الإيمان ليس أمراً يُدَّعى أو أمنية تُرتجى وإنما الإيمان قول وعمل يزيد بطاعة الله -تبارك وتعالى- وينقص بمعاصيه، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدَّقته الأعمال.
عباد الله: حقيقٌ على كل مؤمن وقف على هذه الصفات العظيمة التي هي أبرز صفات أهل الإيمان وجماع حِلْيتهم وزينتهم أن يجاهد نفسه على تحقيق هذه الصفات العليَّة والأوصاف الرفيعة ليفوز فوزاً عظيما في دنياه وأخراه.
نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا أجمعين لما يحبه ويرضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، وأن يزيِّننا أجمعين بزينة الإيمان، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أنَّ ربه يسمعه ويراه.
أيها المؤمنون: إن حفظ الإيمان والمحافظة عليه والعناية به والرعاية له أهمُّ المطالب على الإطلاق وأجلُّها على الإطلاق، ومن حافظ على إيمانه ورعاه الرعاية اللازمة فاز بالثواب العظيم والأجر الجزيل في الدنيا والآخرة، بل إنَّ كل خيرٍ يناله العبد في دنياه وكلَّ شرٍ يُصرف عنه في دنياه وأخراه ثمرة من ثمار الإيمان ونتيجةٌ من نتائجه، فبالإيمان -عباد الله- يفوز العبد برضا الله -تبارك وتعالى-، وبالإيمان يسعد العبد في دنياه وأخراه، وبالإيمان يفوز بجنات النعيم وينجو من سخط الله وعقابه وناره، وبالإيمان يحيا الحياة الكريمة في الدنيا والآخرة.
وثمار الإيمان وآثاره لا تعد ولا تحصى، فنسأل الله -عز وجل- أن يشرح صدورنا أجمعين للإيمان، وأن يحقق لنا طاعته سبحانه، وأن يوفقنا لكل خير، وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيما، وأن يصلح لنا شأنا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومعينا وحافظاً ومؤيدا، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، اللهم احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم احقن دماءهم وآمن روعاتهم واستر عوراتهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزوك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دِقه وجلَّه، أوله وآخره، علانيته وسره.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا من وسعتَ كل شيء رحمةً وعلما أن تنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقُصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا، هنيئاً مريئا، سحاً طبقا، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم هذه أيدينا لك مُدَّت ودعواتنا إليك رُفعت اللهم فلا تردنا خائبين، اللهم أعطنا سؤلنا يا رب العالمين ولا تردنا خائبين يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي