ولا يزال يواكبها من وراث أولئكم في كل عصر ومصر، سيما الفترات التي يكثر فيها من يلتزم السنة طلباً لرضى الله؛ ولو قيل فيه ما قيل مما يستدعي ويتطلب تكرار القول وتحذير المسلمين من الوقوع فيه؛ بل وطمأنينة وإيناس من يسخر منه، أو يستهزأ به من الملتزمين، ألا يعبأ بشيء من ذلك ..
الحمد لله ذي العزة والجلال، الكبير المتعال، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فليس له من دونه من وال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله.
أيها الإخوة في الله: لقد ذكرتكم وأوصيتكم ونفسي مراراً وتكراراً؛ بضرورة الالتزام بدين الله، وحفظه وحياطته من أن يتطرق إليه ما يناقض أصله، أو يخدشه وينقصه؛ امتثالاً لقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] وقوله: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99]
وقوله: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة:132] ورجاء ثواب الله ووعده؛ لمن لقي الله –سبحانه- متمسكاً بدينه في قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل:32] وقوله: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) [الأحزاب:44]
وهناكم أمر خطير يناقض أصل الإيمان، أو يخدشه وينقصه. يكثر وقوعه ممن لم تشرب قلوبهم حب الإيمان، ألا وهو: الاستهزاء بشيء من دين الرسول، أو ثوابه أو عقابه، أو بأهله، الأمر الخطير والبلاء المستطير الذي منيت به الدعوة الإسلامية مذ بدئها من كفرة ومنافقين، وعصاة مسلمين.
ولا يزال يواكبها من وراث أولئكم في كل عصر ومصر، سيما الفترات التي يكثر فيها من يلتزم السنة طلباً لرضى الله؛ ولو قيل فيه ما قيل مما يستدعي ويتطلب تكرار القول وتحذير المسلمين من الوقوع فيه؛ بل وطمأنينة وإيناس من يسخر منه، أو يستهزأ به من الملتزمين، ألا يعبأ بشيء من ذلك.
يقول سبحانه: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [البقرة:212] ويقول: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة:79]
ويقول: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66] ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) [الحجرات:11]
وسخر وهزئ معناهما اللغوي واحد، يقال: سخر منه، وسخر به، وهزئ منه وهزئ به، فمقتضى الآيات: إنكار هذا الأمر جملة وتفصيلاً، والتحذير منه، ولا شك أن ما كان منه استهزاء بدين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو بثوابه، أو بعقابه؛ إنه كفر بواح مخرج من ملة الإسلام بالإجماع جداً كان، أو هزلاً.
ومن ذلكم: الاستهزاء بمشروعية اللحية، أو مشروعية السواك، أو مشروعية ما عرفت مشروعيته من دين الإسلام بالضرورة من عالم بذلك؛ فهو كفر بواح داخل تحت طائلة قول الله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) [التوبة:65]
روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رجل في غزوة تبوك: "ما رأينا مثل قراءنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء -يعني رسول الله وأصحابه القراء- فقال عوف بن مالك: "كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه أي نزلت الآية المذكورة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: "يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، قال ابن عمر: "كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله، وإن الحجارة لتنكب رجله وهو يقول: "إنما كنا نخوض ونلعب"، فيقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) [التوبة:65] ما يلتفت إليه وما يزيده عليه.
فاتقوا الله -معشر المسلمين- واحذروا هذا الداء الخطر على دينكم، وتوادكم وتراحمكم، وما يطلب منكم من تآزر وتكاتف، وكف عن الأذى، وتعاون على البر والتقوى، فالمسلم الحق المسلم المثالي؛ من سلم المسلمون من لسانه ويده.
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" متفق عليه.
وأملوا خيراً، وأبشروا يا من وفقتم للالتزام وإظهار السنن، وصبرتم محتسبين على ما يواجهكم في سبيل التزامكم بدينكم، وأبشروا بالعقبى الحميدة في الدنيا وفي الآخرة، فلقد وعدكم صادق الوعد بقوله: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر:52]
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي