أيها المؤمنون: آفةٌ خطيرة، وبليةٌ كبيرة، ورزيةٌ عظيمة، من ابتلي بها فقد اجتمعت فيه الآفات كلها، والشرور جميعها، والخبائث بأصنافها وأنواعها. إنها -أيها المؤمنون- الخمر الخبيثة، وكذلكم ما كان مثلها أو أشد منها من المفترات والمخدرات. قُرنت الخمر بالأنصاب -وهي الأصنام التي كان يعبدها أهل الجاهلية-، بل قُرنت بأعمال الجاهلية وشنائعهم، وعظائم أعمالهم؛ وذلكم لما يترتب عليها من آفاتٍ خطيرة، وأضرارٍ جسيمة. إن آفات الخمور وأضرار المخدرات على الأفراد والشعوب والجماعات لا حد لها ولا عد؛ فهي...
الحمد لله القوي المتين، الحق المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، الصادق الوعد الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-؛ فإن تقوى الله -جل وعلا- نجاة وفلاح في الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون -عباد الله-: آفةٌ خطيرة، وبليةٌ كبيرة، ورزيةٌ عظيمة، من ابتلي بها فقد اجتمعت فيه الآفات كلها، والشرور جميعها، والخبائث بأصنافها وأنواعها.
إنها -أيها المؤمنون- الخمر الخبيثة، وكذلكم ما كان مثلها أو أشد منها من المفترات والمخدرات.
أيها المؤمنون: ولنستمع في هذا المقام الخطير إلى كلام الرحمن وخطاب المنان لأهل الإيمان تحذيرا من هذا الجرم العظيم والذنب الكبير، قارناً له تبارك وتعالى بأمهات الآثام، ومبيِّناً سبحانه أنه عملٌ من أعمال الشيطان، وأن فيه صداً عن ذكر الله، وإقام الصلاة، وغيرِ ذلكم من أعمال الإيمان، قال الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة: 90-91].
أيها المؤمنون -عباد الله-: قُرنت الخمر بالأنصاب -وهي الأصنام التي كان يعبدها أهل الجاهلية-، بل قُرنت بأعمال الجاهلية وشنائعهم، وعظائم أعمالهم؛ وذلكم لما يترتب عليها من آفاتٍ خطيرة، وأضرارٍ جسيمة، بل صح في الحديث عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "مَنْ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ مُدْمِنُ خَمْرٍ لَقِيَهُ كَعَابِدِ وَثَن"، وما ذلكم -عباد الله- إلا لشناعة تعاطي الخمور وما شاكلها، وما هو كذلكم أشد منها من المفترات والمخدرات، وأن من علِق قلبه بها وشغف بتعاطيها جرَّت عليه من صنوف البلايا وأنواع الرزايا ما لا حدَّ له ولا عدّ، بل صح في الحديث -أيها المؤمنون- عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ"(رواه الحاكم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-).
أيها المؤمنون: ولقد وقف الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- خطيباً في الناس يوما محذِّراً من الخمر ومبيناً آفاتها وأضرارها، فقال رضي الله عنه وأرضاه: "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، فإنه كان رجلٌ فيمن كان قبلكم مقبِلاً على العبادة ومعتزلاً النساء فعلِقَته امرأة فأرسلت له جارية تدعوه إليها للشهادة، فجاء ليشهد فكانت الجارية كلما دخل من باب أغلقته حتى دخل وأفضى إلى امرأة وضيئةٍ جميلةٍ حسناء، وإلى جنبها غلام، وإلى جنبها أيضا وعاء خمر؛ فخيَّرته بين أحد أمورٍ ثلاثة: إما أن يقع عليها، أو أن يقتل الغلام، أو أن يشرب كأساً من خمر، فاختار الرجل أن يشرب كأساً من خمر، فلما شرب الكأس قال: زيدوني آخر، فلما شرب الآخر سكِر فوقع على المرأة وقتل الغلام، قال رضي الله عنه: "فاجتنبوا الخمر فوالله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في قلب رجل إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه".
أيها المؤمنون: إن آفات الخمور وأضرار المخدرات على الأفراد والشعوب والجماعات لا حد لها ولا عد؛ فهي كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ"، وكما قال عثمان -رضي الله عنه-: "أُمُّ الْخَبَائِثِ" بمعنى أن متعاطي الخمور والمخدرات يجلب على نفسه بتعاطيها كل آفةٍ وكل شر، ويجلب على مجتمعه وعلى أهله وأبنائه وأسرته الشرور المتنوعات، والآفات الكثيرات.
أيها المؤمنون -عباد الله-: الخمور والمخدرات سببٌ للصد عن ذكر الله وعن إقام الصلاة، الخمور والمخدرات فتحٌ لأبواب الكبائر والآثام، الخمور والمخدرات نزعٌ للحياء، وقطعٌ لجلباب الستر والحشمة والعفة.
ولقد بلغت الحال بعدد من المتعاطين أن يضحي الواحد منهم بكرامته وشرفه وربما بزوجته وابنته من أجل ذلك التعاطي المأفون، تعاطي المخدرات فتحٌ لعمل الشيطان ليمليَ للمتعاطي؛ كل آفةٍ وكل بليةٍ وشر؛ ولهذا حرص أعداء دين الله على ترويج المخدرات ونشرها وإشاعتها في المجتمعات المسلمة.
ولهذا أيضا -أيها المؤمنون- كان المروِّج للمخدرات في المجتمعات المسلمة مجرماً كبيرا ومفسداً عظيما يستحق بجريمته هذه أن يطاح رأسه؛ لأن في إطاحة رؤوس مروجي المخدرات إطاحةٌ برؤوس مروجي الشر والفساد وتجفيف لمنابع الشرور والآثام، ولهذا فإن دلالة ولاة الأمر على المروجين للمخدرات من التعاون على البر والتقوى، ومن القضاء على منابع الإجرام ومروجي الشرور والفساد.
أيها المؤمنون -عباد الله-: والواجب على الآباء وأولياء الأمور والمربين ملاحظة أبنائهم، ورعاية أولادهم، وتحذيرهم من هذا الشر المستطير.
ولقد حرص المروِّجون -قاتلهم الله أنى يؤفكون- على إفساد أبناء المسلمين؛ لأن هذه الآفة الخطيرة إذا جُرَّ إليها الحدَث أو الصغير، وجُرَّ إلى فعلها لمرة واحدة كان ذلك سبباً للتوغل والدخول في أعماق الفساد -حمانا الله وإياكم-.
أيها المؤمنون -عباد الله-: لنسأل الله -جل وعلا- أن يطهرنا وأن يقينا في بيوتنا وفي مجتمعاتنا المسلمة من الشرور والفساد ومن الخمور والمخدرات، وأن يحفظ علينا ديننا، وأن يحفظ علينا إسلامنا، وأن يجنبنا أنواع الشرور والفساد.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.
أورد الإمام ابن كثير -رحمه الله- في أوائل تفسير سورة غافر عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أورد خبراً في قصة رجلٍ من أهل الشام كان يرتاد مجلس عمر -رضي الله عنه- ففقده عمر، فقال: "ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، يتابع في هذا الشراب، فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب: "من عمر بن الخطاب إلى فلان ابن فلان، سلام عليك، أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير"، ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يُقْبِل بقلبه، وأن يتوب الله عليه".
فتأملوا -رحمكم الله- هذا الصنيع الجميل الذي صنعه هذا الخليفة الراشد في شخصٍ بدأ في أول الطريق في تعاطي الخمور والوقوع فيها؛ فجمَع له بين الأمرين: النصيحة البليغة والموعظة المؤثرة، والأمر الثاني: الدعاء له وحث إخوانه المسلمين بأن يدعو الله له بأن يقبِل بقلبه، ولما بلغ الرجل كتابُ عمر جعل يقرؤه ويردده، ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي.
ولهذا -عباد الله- ينبغي على المسلم أن يكون ناصحاً لكل من ابتلي بشيء من هذه الآفات بالدعاء له بظهر الغيب بأن يقبِل الله -جل وعلا- بقلبه، وأن يناصحه بالنصيحة المؤثرة وبالموعظة النافعة، والهداية بيد الله والتوفيق بيده لا شريك له، ونسأله جل في علاه أن يقبِل بقلوب المبتلَيْن بهذا الذنب أو بغيره إليه، وأن يهديهم إليه صراطاً مستقيما وأن يهدي ضال المسلمين وأن يردهم إلى الحق رداً جميلا.
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، وانصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومعينا وحافظاً ومؤيدا.
اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال والأعمال.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي