مكانة العلم

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
عناصر الخطبة
  1. شرف العلم وفضله .
  2. آداب طالب العلم .
  3. العلم بآداب الجمعة .

اقتباس

عباد الله: إن العلم أشرف منال، وأعظم مبتغى، وبتحصيله تمام المنة، وبسلوك سبيله دخول الجنة. والعلم عبادة من العبادات، وقُرْبة من القُرَب، قال الإمام الزهريّ -رحمه الله تعالى-: "ما عُبِدَ الله بمثل العلم"، فإذا أخلص طالب العلم في طلبه للعلم زكى علمه، ونمى وعظُمت بركته، وإذا فقد الإخلاص فقد الخير والبركة، وخسِر خسراناً عظيما. ولهذا من أهم ما ينبغي أن يعتني به طالب العلم أن يبتغي به وجه الله، وأن...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المؤمنون: عليكم بتقوى الله فإنها خير زاد، والله -تعالى- يقول: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197].

عباد الله -أيها المؤمنون-: إن العلم أشرف منال، وأعظم مبتغى، وبتحصيله تمام المنة، وبسلوك سبيله دخول الجنة، روى أصحاب السنن عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".

والعلم -أيها المؤمنون- عبادة من العبادات، وقُرْبة من القُرَب، قال الإمام الزهريّ -رحمه الله تعالى-: "ما عُبِدَ الله بمثل العلم"، فإذا أخلص طالب العلم في طلبه للعلم زكى علمه، ونمى وعظُمت بركته، وإذا فقد الإخلاص فقد الخير والبركة، وخسِر خسراناً عظيما.

ولهذا من أهم ما ينبغي أن يعتني به طالب العلم أن يبتغي به وجه الله، وأن يتعلم العلم متقرباً به إلى الله -عز وجل-.

والنية -أيها المؤمنون- تُخرَم بأمور كثيرة، وبآفات عديدة، جاءت السنة بالتحذير منها، فمن خوارم النية: الرياء والسمعة. ومن خوارم النية: أن يُطلب العلم للترؤُّس والتصدّر، ومن خوارم النية: أن يُطلب للمماراة والمباهاة، وقد ثبت في صحيح مسلم عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-: أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، وذكر ثلاثة منهم: "رَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ:كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِي النَّارِ".

وقد ثبت في سنن ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ".

أيُّها المؤمنون: وأساس العلم خشية الله، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "ليس العلم بكثرة الرواية وإنما العلم خشية الله -جلّ وعلا-".

والعلماء حقا وطلاب العلم صدقا هم أهل الخشية، وقد قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28]، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف ولعبادته أطلب وعن معصيته أبعد.

أيها المؤمنون: والعلم مراتب ومنازل ينزلها طالب العلم منزلاً منزلا، فمن فاته منها منزل فاته من العلم بحسب ذلك، قال عبد الله بن المبارك: "أول العلم النية، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر"، فهذه -أيها المؤمنون- ستة مراتب للعلم عظيمة ما أحوج طلاب العلم صغارا وكبارا إلى تحقيقها علما وعملا.. فهما وتطبيقا.

أيها المؤمنون: والعلم عنه يُسأل العبد يوم القيامة: "لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ"، ذكر منها عليه الصلاة والسلام: "وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ"، ولهذا ينبغي أن يُعلم: أن مقصود العلم العمل، وأن غايته العمل به؛ فمن حُرم العمل حُرم حظه ونصيبه من العلم؛ لأنه حرم من غاية العلم ولهذا قال بعض السلف:

يهتف بالعلم العمل *** فإن أجابه وإلا ارتحل

أيّها المؤمنون: والأدب روح العلم وقوامه، وعلم بلا أدب كجسد بلا روح، قال عبد الله بن المبارك: "كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين".

أيها المؤمنون: والمعين على طلب العلم هو الله وحده، فالعلم هبة إلهية، ومنّة ربانية، ولهذا قال الله -تعالى-: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)[النساء: 113]، فعلى طالب العلم أن يُكثر من سؤال الله أن يعلمه وأن يفقهه في الدِّين، وقد كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- يسأل الله كل يوم إذا أصبح: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً" كان يقول ذلك كل يوم بعد صلاة الصبح إذا سلَّم، وكان عليه الصلاة والسلام يتعوّذ بالله من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع.

والعلم غير النافع: هو ذاك العلم الذي لا ينتفع به صاحبه، أو ذاك العلم الذي هو ضار في نفسه.

فليحذر طالب العلم من الأمرين، وليحرص على أن تكون علومه كلها نافعة مقرِّبة إلى الله -جلَّ وعلا-.

وإنا لنسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يمنّ علينا أجمعين بالعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله- اتقوا الله -تعالى-.

ثم اعلموا -رعاكم الله- أن من أبواب العلم العظيمة منبر الجمعة المبارك الذي دعا الله -عز وجل- عباده إلى حضور مجلسه، واستماع ما يقال فيه، وحث نبينا -عليه الصلاة والسلام- على الإنصات، فما أعظم خيرات هذا المنبر! والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له، فينبغي على المؤمن الذي أكرمه الله -جل وعلا- بالحضور إلى هذا المجلس -مجلس يوم الجمعة- أن يحرص على الاستماع، والاستفادة والانتفاع، وقد حذَّر نبينا -عليه الصلاة والسلام- عن التشاغل عن الاستماع بأي أمر كان، ولقد قال عليه الصلاة والسلام: "وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من لغا فلا جمعة له"؛ لأن مقصد الحضور ذهب، والفائدة والانتفاع لم تحصل باللغو واللهو والانشغال، ولئن كان قديما يتشاغل بعض الناس عن سماع الخطبة بمس الحصى، فإن الناس في هذا الزمان صاروا يتشاغلون بأمور أخرى منها -وهو ما يشتكي منه عدد من جماعة هذا المسجد- ألا وهو اشتغال عدد من المصلين بالعبث بقوارير الماء والانشغال بها، فيفوت عليه حظه ونصيبه من مقصد حضور هذه الجمعة.

فعلينا -عباد الله- بتقوى الله -جل وعلا- ومراقبته في السر والعلانية، وأن يكون هذا الحضور زاداً لنا وسبباً لتقوى الله -جل وعلا-، وتحقيق رضاه، ولا يتحقق ذلك إلا بتحقيق المراتب التي مر الإشارة إليها في النقل عن السلف -رحمهم الله تعالى-.

ثم -أيها المؤمنون- في الغد تفتح المدارس أبوابها استقبالاً لطلاب العلم، وتهيئاً للتحصيل والطلب.

فالوصية -عباد الله- لنا جميعاً تقوى الله -عز وجل-، ومراقبته في السر والعلانية، وأن نُقبل على العلم متقربين به إلى الله -عز وجل-، طالبين به رضاه عز وجل.

وإنا لنسأل الله -جل وعلا- أن يكرمنا أجمعين بصلاح النية، وحسن العاقبة، إنه تبارك وتعالى سميع قريب مجيب.

وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.

اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وأعنه على طاعتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخّرنا، وما أسررنا، وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً نافعاً غير ضار، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي