وكونُ الإنسانِ يُحِبُّ أو يُبغِض، أو يُوافِق أو يُخالِف أمرٌ جِبِلِّيٌّ، لكِنْ أن يحمله ذلك على الفجور عند الخلاف والخصومة، في اتخاذ مواقف سلبية، أو تصفية حسابات وهميَّة، فليس من المروءة والديانة والقِيَم في شيء...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، أولى المنصفين سموا ورفعة وإحسانا، وأعقب المتخوِّضين في الباطل سوءًا وخسرانًا، وحثَّ على طِيب الشمائل والأَرُومات، وحذَّر من الفجور في الخصومات، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، مَنْ دام بالطُّهر مصانًا، وبالنقاء مزدانًا، اللهم فصلِّ عليه، وعلى آله الطيبين خلالًا، الزاكين جَنانًا، وصحبه الأُولَى نشروا الخير في العالَمِينَ أفنانًا، وكانوا في حلائب الصدق والنُّبْل فرسانًا، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسان وسلَّم تسليمًا مباركًا مؤرَّجًا ريَّانًا.
أما بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: مَنْ رام بلوغَ الذرى، والفوز بين الورى، والعز والسمو بلا مِرَا، فليستمسِكْ من التقوى بأوثق العرى، في الظَّعْن والسُّرى؛ (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[النُّورِ: 52].
من يتق اللهَ في الأعماق متجهًا *** إلى الإله سيرقى عاليَ الرُّتَبِ
وينهل الحقَّ شلَّالًا بخافِقِه *** ويُلجِم النفسَ إذعانًا لِمُجتَنَبِ
أيها المسلمون: مع قمة السَّناء الباهر، والألقِ الظَّاهر في مقاصد شريعتنا الغرَّاء ومَرَاميها البلجاء، إلا أنه يَنْبَجِسُ في بعض المسلمين بين الفينة والأخرى ظواهرُ خطيرةٌ، جديرةٌ بالطرح والتذكير، والدراسة والمعالَجة، وفي زماننا هذا انتشر أمْرٌ مُقْلِقٌ مُلِمٌّ، وفَادِحٌ جَلَلٌ مُهِمٌّ، هو مُنكر فاحِشٌ في حقيقته، عَلْقَمٌ في سَرِيرته، حنظلٌ في نتيجته، خطرُه على الأفراد شديدٌ، وللمجتمعات مُقوِّضٌ مُبِيدٌ، لا يتَّطِنُ إلا النُّفُوسَ العقيمةَ، والأرواحَ السّقيمةَ، مُشَوِّهٌ لإشراقات الدِّين وجماليات الرِّسالة؛ إنه يا -رعاكم الله- هتكُ الحُرُمَات عند الشِّقاق، ونشرُ المساوئِ في الآفاقِ، بعدَ المحبَّةِ والوِفَاقِ. أو قُلْ إن شئتَ: الفجور في الخصومة، بعد حُسْنِ العِشْرةِ وطيبِ الأَرُومَةِ.
إخوةَ الإيمانِ: الاختلافُ سُنَّةٌ من سنن الله الكونية، يقول سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)[هُودٍ: 118-119]، لكنَّ الخلافَ هو الشرُّ الذي يؤدي إلى النزاعات والخصومات، والفساد والإفساد، يقول العلَّامة ابنُ القيِّم -رحمه الله-: "ووقوعُ الاختلافِ بينَ الناسِ أمرٌ ضروريٌّ لا بدَّ منه؛ لتفاوُت إراداتهم وأفهامهم، وقُوى إدراكهم، لكنَّ المذمومَ بَغْيُ بعضِهم على بعضٍ وعدوانُه"، فالاختلافُ أمرٌ فطريٌّ، أمَّا الخِلافُ والشِّقاقُ، والتخاصمُ والفِراقُ، فهو المنهيُّ عنه بنصوص الشريعة الغرَّاء؛ وكم جرَّت هذه القارعة المكيدة من قوارعَ على البلاد والعباد، بتشويه وجه الحق والوقوف في سبيله، ثم هضمٍ لحقوقِ كثيرٍ من المسلمينَ، في دِينِهم وأعراضهم، وتحجيمٍ لانتشارِ الخيرِ بينَهم، وقد عَمَّ هذا البلاءُ واسْتشرى لَدَى فئام من الناس في أعقابِ الزَّمنِ، الَّذين شُوِّهَ منهم الباطِنُ والعَلَن، فَلَم يَرْقُبُوا في مؤمنٍ إلًّا ولا ذِمَّة، ومَا يقْتَضِيه شَرَفُ النفس وعُلوُّ الهِمَّة، ولَمْ يَجِلُوا من أحكام الشريعة، والوقوف بين يدي الله -عز وجل-، فَدَنَّسُوا ذَواتَهم وألسنتَهم، وسَاخُوا بأرْجُلِهِم في هذا الأسَنِ والعَفَنِ، فبمجرَّدِ خلافِ أحدِهم مع أخيه أو زوجِه أو جارِه أو صديقِه؛ تنهمر شلالاتُ القَدْح والذَّمِّ، وربما وصَل الأمرُ إلى الرمي بالنِّفَاق والرِّدة والكفر، عياذًا بالله، ونبرأ إلى الله، ناهيكم عن السَّبِّ واللَّعنِ والفُحشِ والقذفِ والتطاولِ والفتنةِ وسوءِ الظَّنِّ بالمسلمينَ، ونَصْبِ أسلحةِ دمارِ القيمِ الشاملِ، وتمني الموت الزؤام للخصم، في مكرٍ كُبَّارٍ له قرونٌ، في حمق وخبال، (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)[إِبْرَاهِيمَ: 46]، وتناسى هؤلاء أن الفجورَ في الخصومة خَصلةٌ من النفاق، وزرعٌ للفتنة والشِّقاق، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الْأَنْفَالِ: 30].
وإنَّكَ لَواجِدٌ في المحاكم والشُّرَط من أحوال المتخاصِمِينَ، وفي مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي من ذلك ما يَنْدى له جبينُ أهلِ الشرفِ والمروءةِ، وما يتنافى مع الود وصادق الأخوة.
أخوكَ الذي لا ينقُضُ النأيُ عهدَه *** ولا عندَ صرفِ الدهرِ يزوَرُّ جانِبُهْ
وليس الذي يلقاكَ بالبِشْر والرضا *** وإن غبتَ عنه لَاسَعَتْكَ عَقَارِبُهْ
إخوةَ الإسلامِ: إنَّ الفجورَ في الخصومةِ سلوكٌ رَثٌّ هدَّامٌ، وخُلُقُ أهلِ الفِسْقِ اللِّئَامِ، مُحَادٌّ لشرع الله، وهَدْي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولِفظاعَةِ هذا الدَّاءِ الدَّويِّ، والخُلُق الدَّنيِّ، ولإِخْلالِه بمقاصدِ الشريعةِ وأحكامِها المنيعةِ، جاءت النصوص فيه بالتحريم والوعيد، والتهديد والويل الشديد، قال تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)[النُّورِ: 15]، وقال جل وعلا: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ)[الْبَقَرَةِ: 204]، قال الإمام الطبريُّ -رحمه الله-: "الألَدُّ من الرِّجَال: الشديدُ الخصومةِ، فهو شديدُ القسوةِ في معصيةِ اللهِ، جَدِلٌ بالباطل، لا يستقيم على خصومةٍ"، وروى البخاريُّ في صحيحه، من حديثِ أمِّ المؤمنينَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ؛ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ".
وكونُ الإنسانِ يحبُّ أو يبغض، أو يوافق أو يخالف أمرٌ جِبِلِّيٌّ، لكِنْ أن يحمله ذلك على الفجور عند الخلاف والخصومة، في اتخاذ مواقف سلبية، أو تصفية حسابات وهميَّة، فليس من المروءة والديانة والقِيَم في شيء. والله المستعان.
وإن خيار الناس من كان منصفًا، صدوقًا لبيبًا صانَه الدينُ فانزجر، وإن شرار الناس مَنْ كان مائلًا عن الحق إن خاصمتَه مرة فَجَرَ، وروى الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، بسند صحيح، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول:" مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ"، (ورَدْغَةُ الخَبَالِ هي: عُصارةُ أهلِ النارِ، وما يخرج من أجسادهم من قيح وصديد، عياذا بالله من سخطه وأليم عقابه، وفي الصحيح: "إن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه".
لا يلفيَنَّكَ ذو الجلال محاوِلًا *** تَبيِينَ مطموسٍ وطمسَ مُبِينِ
ماذا تقول إذا سُئِلتَ مُحاسَبًا *** والخائضون على شَفَا سِجِّينِ
أمةَ الإسلامِ: لقد جعَل الإسلامُ الفجورَ في الخصومة علامةً من علامات النفاق الخالص، فعن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا" وذكَر منها: "وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ"(متفق عليه)، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- : "الفجورُ هو: الميل عن الحق والاحتيالُ في ردِّه"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الفُجُورُ: اسمٌ جامعٌ لكل مُجاهِرٍ بمعصية، أو كلامٍ قبيحٍ يدلُّ السامعَ له على فجورِ قلبِ قائلِه"، وهذه الصِّفات الشائنة يأنَف منها أهلُ الشرف والمروءة.
قيل لأبي سفيان -رضي الله عنه-: "ما بلَغ بك من الشرف؟ قال: ما خاصمتُ رجلًا إلا جعلتُ للصلح بيني وبينه موضعًا"، وأورَد الإمامُ الذهبيُّ -رحمه الله-، عن يونس الصدفي -رحمه الله- أنه قال: "ما رأيتُ أعقلَ من الشافعي؛ ناظرتُه يومًا في مسألة، ثم افتَرَقْنا، ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟!"، الله أكبر، الله أكبر، هذا هو منهج السلف الصالح عند الخلاف والخصومة، ائتلاف لا اختلاف.
إن الكريم إذا تمكَّن من أذى *** جاءته أخلاق الكرام فأقلَعَا
وترى اللئيمَ إذا تمكَّن من أذى *** يطغى فلا يُبقي لصلحٍ مَوضِعَا
أيها المؤمنون: وأن مِن أَلْأَمِ المسالك في هذه النزعة المأفونة، نَصْب مشانق التجريح، ووضع رموز الأمة وفضلائها على مشرحة النقد الهدَّام، إذا ما خالفوا أهواءَ بعض أهل الأهواء، في حزبيةٍ ضيِّقةٍ، وطائفيةٍ شائنةٍ، ومذهبية غالية، وعصبيةٍ مقيتةٍ، وتنظيماتٍ ضالَّةٍ، وجماعاتٍ منحرفةٍ متطرفةٍ، وتصنيفاتٍ موهومةٍ، وهكذا في سَيْلٍ متدفِّقٍ سَيّالٍ على ألْسِنَةٍ كالسِّيَاط، دَأَبُها التربصُ بالمِقْراضِ، في توثُّبٍ على الأعراض، وتلذُّذٍ بالاعتراض، ممَّا يُوسِّع جراحَ الأمةِ، ويغتال الفضلَ بين أفرادها، ويُقَطِّع أوصالَها، ويهزُّ رموزَها، وينال من قُدُواتِها، والمسلمُ الحقُّ لا يكون مَعْبرًا تُمَرَّرُ عليه الوارداتُ والمُخْتَلَقَاتُ، والملاسَنةُ والمهاتراتُ في المناقَشات والمناظَرات، والأكاذيب والشائعات، والافتراءات، ولا يُطَيِّرُ الأخبارَ كُلَّ مَطَار، بلا تثبُّتٍ ولا رَوِيَّةٍ، ثم يَنشُر بلسانه بلا وعيٍ ولا تعقُّلٍ، أو يروج لشائعات أو تغريدات بأنامله مسفة، ملؤها الشغب والافتراء، على البرآء الصلحاء؛ (فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الْحُجُرَاتِ: 6].
إنَّ البِدَارَ بِرَدِّ شيءٍ لم تُحِطْ *** عِلْمًا به سببٌ إلى الحرمانِ
فاللهَ اللهَ -عبادَ اللهِ- في التزام الإنصاف والعدل والصلح والعفو والتسامح، حتى مع المخالِف والخصم، والألداء، واللهُ حسبُ كلِّ مَنْ تجافى وتغافَل عن هذا الإسفاف، وتحلَّى بالعدل، والثقة والإنصاف، وتمتَّع بطِيبِ الأرومةِ، وحسيبُ كلِّ مَنْ فَجَرَ في الخصومة؛ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آلِ عِمْرَانَ: 173]، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ على كل من آذانا وآذى المسلمين.
ولم تزل قِلَّة الإنصاف قاطعةً *** بين الرِّجَال وإن كانوا ذَوِي رَحِمِ
ألا فاتقوا الله -عبادَ اللهِ-، وَاسْمُوا بأنفسهم بطيب الأرومة، واحذروا من الفجور في الخصومة، على سبيل الاستمرار والديمومة من الفتَّانين، المتجنِّين، المتطاوِلِينَ، الوَالِغِينَ في أعراض المسلمين، تكونوا من السعداء المفلِحينَ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الْأَحْزَابِ: 58]،
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بهدي سيد المرسلين، وثبِّتْنا على الهدى والصراط المستقيم، إنك جواد كريم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولكافة المسلمين والمسلمات، من كل الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على ما أسدى من النعم، وأشهد ألَّا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، أجزَل لأهل الإنصاف أعظمَ المثوبة والكرم، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، البالغ من الفضل شُمَّ القِمَمِ، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الأندى من زُهْر الأَكَم، ذوي المناقب السَّنِيَّة والشِّيَمِ، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، وصونوا ألسنتَكم عن الرِّيَبِ والتُّهَمِ، تبلغوا من الشرف المروم أسمى القِسَم، ومَنْ توانى فقد زاغ وظلَم.
إخوةَ الإيمانِ: ولنا في الهَدْي الرَّبَّانيِّ، والمنهجِ القرآنيِّ خيرُ علاجٍ وشِفَاءٍ؛ وذلك في قول الحق -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[الْمَائِدَةِ: 8]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الْحُجُرَاتِ: 11]، فنَهَى عن السُّخْرية والتنابُز بالألقاب، فكيف بأمانات المجالس، والتَّخَوُّض في الأعراض، وكذا القول الصَّحيح البديع، للحبيب الشَّفيع، عليه أفضلُ صَّلاةٍ وأزكى سَلامٍ؛ حيث قال: "المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ من لِسَانه ويدِه"(متفق عليه)، مع حُسْن الظن بالمسلمين، والحذرِ مِنْ سوءِ الظنِّ بهم، لاسيما فضلاؤهم ونبلاؤهم، وبذلك يُتَمَّمُ نُبْلُ الأخلاقِ والمكارِم تَتْمِيمًا، ويغدُو مُحَيَّا الأخُوَّةِ والتَّآلُفِ أَغَرَّ وسِيمًا، والتَّآلفُ بين أبناء المُجْتَمع مؤكَّدًا لزِيمًا، والحُبُّ الرَّبانيُّ على صَفَحاتِ القلوبِ مُدَبَّجًا رقيمًا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
هذا وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على النبي الكريم، ذي النسب الصميم، والأصل العظيم، كما أمرَكَم بذلك المولى الكريم، في الذِّكْر الحكيم فقال جلَّ في عُلاه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا".
إن شئتَ من بعد الضلالة تهتدي *** صلِّ على الهادي البشير محمدِ
يا فوزَ مَنْ صلَّى عليه فإنه *** يحوي الأماني بالنعيم السرمدي
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنكَ حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمينَ إنكَ حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدينَ، والأئمة المهديينَ، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة والتابعينَ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك وجودك يا أجود الأجودين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدينِ، واجعل هذا البلد آمِنًا مطمئنًّا وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم أيِّدْه بتأييدك، ووفقه بتوفيقك اللهم اجعل خادم الحرمين الشريفين موفَّقًا مؤيَّدًا مسدَّدًا، بمنِّكَ وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده إلى ما فيه عزُّ الإسلام وصلاح المسلمين، وإلى ما فيه الخيرُ للبلاد والعباد، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين، اللهم اجعلهم لشرعك محكِّمين، ولنبيك -صلى الله عليه وسلم- ناصرينَ، ولأوليائك مؤيِّدين، يا أرحمَ الراحمين.
اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وأيدنا بتوفيقك وتأييدك يا رب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك، وسُنَّةَ نبيِّكَ -صلى الله عليه وسلم- يا رب العالمين، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، برحمتك نستغيث، فلا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلح لنا شأنَنا كلَّه، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن، اللهم ادفع عنَّا الأمراضَ والبرصَ والجنونَ والجذامَ وكورونا وسيءَ الأسقامِ، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام.
اللهم اكشف الغمة، اللهم اكشف الغمة عن هذه الأمة، اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، على من آذانا وآذى مشاعر المسلمين، يا رب العالمين.
اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم انصرهم نصرًا مؤزَّرًا عاجلًا، غير آجِل، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ مقدَّسات المسلمين، اللهم احفظ مقدَّسات المسلمين، اللهم احفظ مقدسات المسلمين، من الغاصبين المعتدين، اللهم أنقذ المسجد الأقصى، اللهم أنقذ المسجد الأقصى، اللهم أنقذ المسجد الأقصى، واجعله شامخًا عزيزًا إلى يوم الدين يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالخيرات والأمطار والغيث العميم.
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127-128]، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، وآخِرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي