وذكر علماء التشريح خصائص عديدة للإبل تنفرد فيها عن بقية الحيوانات سواء في لحمها أو حليبها أو تركيبة جسمها وبعض خصائصها التشريحية والفسيولوجية، مما يؤكد على أنها آية من آيات الله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا مباركًا فيه؛ يفعل ما يشاء، ويخلق ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 71-72].
عباد الله: الإبل من أعجب المخلوقات وأصبرها، وقد أمرنا الرب -جل وعلا- بالتفكر فيها دون غيرها من الحيوانات، فقال -تعالى-: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)[الغاشية: 17].
فمن منطلق النظر والتفكر في هذا المخلوق، فإننا نجد أن الإبل تتمتع بالعديد من الخصائص التي لا توجد في غيرها من بهيمة الأنعام، فهي الوحيدة التي تنفرد في طريقة مشيها عن بقية الحيوانات ذوات الأربع، فعند مشيها فإن قدمي الجانب الأيمن تتحركان للأمام معاً، أي أنها ترفع يدها ورجلها اليمنى مع بعض في خطوة واحدة، ثم اليد اليسرى مع الرجل اليسرى في الخطوة التالية، بينما بقية الحيوانات لا تفعل ذلك، وإنما تمشي متبادلة بحيث تتحرك الرجل الأمامية اليمنى مع الخلفية اليسرى.
وذكر علماء التشريح خصائص عديدة للإبل تنفرد فيها عن بقية الحيوانات سواء في لحمها أو حليبها أو تركيبة جسمها وبعض خصائصها التشريحية والفسيولوجية، مما يؤكد على أنها آية من آيات الله، ولكن لا أريد الخوض في تلك التفاصيل، وإنما أريدُ عرضَ ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحاديث فيما يتعلق بخصوصيات الإبل، ثم أذكر بعض فوائدها الشرعية.
فمع الخطبة الخامسة من خُطَب "الإبل في الإسلام: دروس وأحكام"، أعرض لكم بعض ما تختصُّ به الإبل من أحكام.
فمن خصوصيات الإبل أنها تُنحر ولا تُذبح، لما رواه أبو سعيد الخدري قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ، فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ، أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ"(رواه أبو داود).
ومن خصوصيات الإبل أن لها طريقة في نحرها، فمن السُّنة أن تُنحَر قائمة معقولة الرجل اليسرى، لما رواه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابَهُ "كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى، قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا"(رواه أبو داود).
ومن خصوصيات الإبل أيضاً: أنها الوحيدة التي لا يُشرع أن تُلْتَقَط، فهي كلقطة الحرم التي لا يُشْرَع التقاطها، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ اللُّقَطَةِ، قَالَ: "عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ"، قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ َقَالَ: "خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثم َقَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا رَبُّهَا"(متفق عليه).
فمن وجد لُقطة ذا قيمة، يجب عليه تعريفها لمدة سنة كاملة، فإن لم يأتِ صاحبُها، جازَ له التصرُّف فيها وتملُّكها، ولكن تبقى في ذِمّته حتى يأتي صاحبها، أما ضالة الإبل فلا تُلْتَقط وإنما تُتْرَك حتى يأتيها صاحبها.
وقد حصل أن أحد الصحابة -رضي الله عنهم- ضلَّت ناقته في حرَّة المدينة، فطلب من أحد سكانها أن يحتفظ بها إن وجدها، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلاً نَزَلَ الْحَرَّةَ وَمَعَهُ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ نَاقَةً لِي ضَلَّتْ، فَإِنْ وَجَدْتَهَا فَأَمْسِكْهَا، فَوَجَدَهَا، فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا، فَمَرِضَتْ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: انْحَرْهَا، فَأَبَى، فَنَفَقَتْ، فَقَالَتْ: اسْلُخْهَا حَتَّى نُقَدِّدَ شَحْمَهَا وَلَحْمَهَا وَنَأْكُلَهُ، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ"؟ قَالَ: لا. قَالَ: "فَكُلُوهَا"، قَالَ: فَجَاءَ صَاحِبُهَا فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: هَلاَّ كُنْتَ نَحَرْتَهَا، قَالَ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْكَ.(رواه أحمد وأبو داود والحاكم). وفي هذا دليل على جواز أكل الميتة للمضطر.
وتأملوا في أمانة وورع هذا الصحابي الجليل، فبالرغم من فَقْره الشديد والمدقع، إلا أنه لم يتصرّف في هذه الأمانة حتى هلكت، بينما نجد بعض من يتولَّى منصباً لا يتركه حتى ينهب منه عشرات الملايين، وتاركاً خلفه مشاريع متعثرة أو وهمية.
أيها الإخوة في الله: ومن خصوصيات الإبل أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم-حين نهى عن قطع الشجر الذي في حَرَم المدينة، استثنى ما كان لعلف الإبل؛ حيث روى عَلِيُّ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يُخْتَلَى خَلاهَا وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمَنْ أَشَادَ بِهَا وَلا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلاحَ لِقِتَالٍ وَلا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إِلاَّ أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ"(رواه أحمد وأبو داود).
ومن خصوصيات الإبل أننا أُمرنا أن نتوضأ إذا أكلنا لحمها دون سائر اللحوم الأخرى؛ لما رواه البراء بن عازب أنه قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن : الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: "توضؤوا منها"، وسئل عن: الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: "لا تتوضؤوا منها"(رواه الترمذي وأبو داود).
وروى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلا تَوَضَّأْ"، قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ"(رواه مسلم).
ومن خصوصيات الإبل أيضاً أننا نُهينا عن الصلاة في أحواشها، حيث روى عبد الله بن مغفل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين"(رواه البيهقي).
وجاء عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ؟ قَالَ: "لا"(رواه مسلم).
وأما إذا كانت الإبل في غير أعطانها، فيجوز الصلاة فوقها أو بجوارها واتخاذها سترة، حيث روى ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى إِلَى بَعِيرِهِ أَوْ رَاحِلَتِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ"(رواه الترمذي).
وروى سَعِيدُ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ: سَعِيدٌ، فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ"(متفق عليه).
وهذا يؤكد أهمية الوتر، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يتركه حتى في السفر، وكذلك المسافر أثناء سفره يشرع له التنفل وهو جالس على الكرسي، سواء كان في سيارة أو حافلة أو طائرة، وحتى لو كان في غير اتجاه القبلة.
ومن خصوصيات الإبل أيضاً أنها الوحيدة التي يجوز شرب بولها، لما فيه من الشفاء لبعض الأمراض؛ حيث روى أنس بن مالك قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ، فَأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ -أي أصابهم داء في البطن- فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا فَصَحُّوا"(متفق عليه).
ولقد أكدت بعض الدراسات الحديثة فوائد بول الإبل وقدرته على علاج بعض الأمراض المستعصية، وكل ذلك يؤكد صِدْق النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى.
إننا نجد بعض ضعاف الإيمان، لا يؤمنون بما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أوامر أو نواهٍ، إلا إذا سمعوا أن علماء الغرب أو الشرق أكّدوا بتجاربهم ودراساتهم العلمية فوائد ذلك الأمر أو النهي، بينما المسلم الحق ينبغي عليه أن يُسلِّم لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لو لم يعرف الحكمة في ذلك الأمر أو النهي، قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا)[الأحزاب:36].
أيها الإخوة في الله: ومن حديث أنس سابق الذكر استدل الفقهاء على عدم نجاسة بول وروث ما يؤكل لحمه من غنم أو بقر أو إبل، ولذلك أجازوا الصلاة على الحشيش المسمد بالسماد البلدي؛ لطهارة روث بهيمة الأنعام. وكذلك الوضوء من الماء الذي بالت فيه الإبل.
أسأل الله -تعالى- أن يفقّهنا في الدين ويرزقنا اليقين، ويعلي راية المسلمين ويكبت أعداء الدين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، النبي المجتبى والرسول والمصطفى، أكرم البرية أصلاً ومحتدًا، وأزكاها فضلاً وشرفًا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة الحنفاء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد: فإن الشرع المطهَّر نهانا عن التشبه بالإبل في بعض سلوكياتها، والتي منها البروك عند السجود كبروك البعير، وقد اختلف العلماء في كيفية السجود هل نقدم اليدين أولاً أم الركبتين، ورأى أكثر المحدثين أن تقدم اليدين أولاً؛ لصحة الأحاديث الواردة في ذلك وضعف ما يخالفها، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ"(رواه أبو داود والنسائي). وجاء عن نافع قال: "كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه"(رواه البخاري).
وقد يسأل أحدنا فيقول: بأن البعير أثناء بروكه يقدّم يديه أولاً وهما قوائمه الأمامية، والجواب: أن ركبتي البعير في يديه، فنُهينا عن التشبه به أثناء سجودنا، فلا نقدم الركبتين. ولا شك أن هذه الكيفية أرفق بالمرء أثناء سجوده وأحفظ للركبتين من الآلام التي بات يشتكي منها كثيرٌ من الناس، خصوصاً كبار السن.
ولكن يجب العلم أن من نزل للسجود على ركبتيه بدلاً من يديه فصلاته صحيحة، والأمر فيه سعة، لا سيما أن هناك خلافًا معتبرًا بين العلماء في هذه المسألة.
ويرى بعض أهل العلم جمعاً بين الرأيين، أن المراد في النهي عن البروك كبروك البعير هو عدم ضرب الأرض بشدة كما يفعل البعير أثناء بروكه، أي عدم النزول بشدة سواء كان على اليدين أو على الركبتين، فعلى المصلي في صلاته أن ينزل للسجود بلطف سواء نزل على يديه أولاً أو على ركبتيه.
ومن الصور الأخرى التي نهينا عن التشبه فيها بالبعير: توطن غير الإمام مكاناً محدداً ومعلوماً في المسجد مخصوصاً به لا يصلي الفرض إلا فيه، وقد يغضب إذا رأى أحداً أخذ ذلك المكان، كَالْبَعِيرِ لا يبرك إلا في مبرك اعتاده وَاِتَّخَذَهُ منَاخًا.
فقد روى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنُ شِبْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَهَى عَنْ ثَلاثٍ: عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَقَامَ لِلصَّلاةِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ"(رواه أحمد وأصحاب السنن).
ولعل الحكمة في ذلك النهي: أنه قد يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة، أو حتى لا يحرم المرء نفسه من تكثير مواضع السجود التي ستشهد له يوم القيامة.
ولنعلم أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- نهانا عن التشبه ببعض صفات الحيوانات أثناء صلاتنا، فنهى عن نقر الصلاة كنقر الغراب، ونهى عن الالتفات كَالْتِفَاتِ ثَعْلَب، ونهى عن َافْتِرَاش كَافْتِرَاشِ السَّبُع، وهو وضع الذراعين على الأرض أثناء السجود، ونهى عن َإِقْعَاء كَإِقْعَاءِ الْكَلْب أثناء جلوسنا للتشهد، ونهى عن َبُرُوك كَبُرُوكِ الْبَعِير، وتوطّن مكاناً للصلاة كتوطن البعير لمكان لا يغيره.
أيها الإخوة في الله: بقي العديد من المسائل الفقهية المرتبطة بالإبل، لعلنا نتطرقُ إلى بعضها في خطب قادمة؛ بإذن الله.
أسأل الله -تعالى- أن يفقهنا في أمر ديننا، ويكفر عنا سيئاتنا.
اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي