وقفات مع لقاح الكورونا

خالد بن عبدالله الشايع
عناصر الخطبة
  1. رحمة الله بتيسير العلاجات واللقاحات .
  2. من سنن الله في معاملة المذنبين .
  3. أقسام الناس في التعامل مع البلايا .
  4. خطورة انتشار الشائعات التي تحذّر من اللقاحات. .

اقتباس

وإن البلايا التي تنزل على الخلق، فتكون مُذَكِّرة للمؤمن، رادَّة له إلى الصواب، وعقوبةً على الكافرِ ومستحقِّ العقوبة من المسلمين، ومن جملة البلايا التي نزلت على الناس: تلك الأوبئة التي تتنوع في كل فترة، ولكن للأسف أن بعض الخلق ينشغل عن الحكمة التي من أجلها نزل البلاء بما لا فائدة فيه....

الخطبة الأولى:

 

 الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، يفعل ما يشاء، ويخلق ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

  وبعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

عباد الله: إن من رحمة الله ما فتح لهم من العلوم خصوصًا في مجال الطب، وهم مع كل ما وصلوا إليه من الثورة العلمية، كما قال -سبحانه-: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[الإسراء:85]، وكلما زاد علمهم واكتشافاتهم، كلما زاد يقينهم بعظيم جهلهم بخلق الله وتصريفه، وعلموا أن الله -سبحانه- قد أبدع في صنعه، وأعجز في خلقه، فكل من تأمل في خلق الله وصنعه، عرف أنه الإله الحق المبين.

 

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد

 

ولقد قال -سبحانه- (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الذاريات:21]، ومَن تفكَّر في نفسه وكيف ركَّب الله خَلقه، وما أودع الله فيه من أسرار قدرته، زاد إيمانه وعلم عظيم فضل الله عليه ونعمته.

 

عباد الله: إن مما يزيد الإنسان يقينًا بوحدانية الله، هو اضطرار العبد لربّه، وأنه لا ينجيه مما حلَّ به إلا هو -سبحانه-، كما كان حال الكفار إذا ركبوا في الفلك، كانوا إذا ركبوا في الفلك، ولعب بهم الموج قالوا لبعضهم: إنه لا ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تُخْلصوا لله وحده الدعاء، فإذا نجوا ورجعوا للبَرّ رجعوا لشركهم كما قال الله عنهم: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)[العنكبوت:65].

 

وهذه حالُ كثير من الخلق، لا يعرفون الله إلا في الشدة، ولهذا يخذلون عند الشدائد، ولقد وصى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ابن عباس، كما في سنن الترمذي بسند صحيح، بقوله: "تَعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة".

 

وقد قال -سبحانه- عن حال الإنسان: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)[العلق:6-7]؛ فإذا احتاج فزع إلى ربه.

 

والله -جل وعلا- يُنْعِم على العبد، ويَحْلُم عليه، ولكنَّه يُذَكِّره إذا أعرض ببعض البلايا، التي تجبره على الرجوع لخالقه الذي لا صلاح ولا نجاح له إلا به -جل في علاه-.

 

وإن البلايا التي تنزل على الخلق، فتكون مُذَكِّرة للمؤمن، رادَّة له إلى الصواب، وعقوبةً على الكافرِ ومستحقِّ العقوبة من المسلمين، ومن جملة البلايا التي نزلت على الناس: تلك الأوبئة التي تتنوع في كل فترة، ولكن للأسف أن بعض الخلق ينشغل عن الحكمة التي من أجلها نزل البلاء بما لا فائدة فيه، كمن يقول: "إن هذا البلاء مؤامرة"، وآخر يقول: "بسبب الأطعمة"، وثالث يقول: "حرب بين الدول"، وكل هذا رَجْمٌ بالغيب، وإن كانت المحصِّلة واحدة، وهي أنه نزل البلاء من الله وبقدَره، أيًّا كان سبب حدوثه، فما هو موقف المؤمن منه؟

 

والجواب سبق ذِكْره؛ لنرجع لربنا، ولنتذكر فَضْله وعفوه، ولنستغفر من ذنوبنا، ولنعلم أنه كلما عظم البلاء، كلما دَلَّ على عِظَم الإعراض من الناس.

 

اللهم ارحم ضعفنا وارفع عنا البلاء يا رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: يا أيها الناس: إن الله -سبحانه- يبتلى العباد ليرفعهم، ويمنعهم ليعطيهم، ولما سلَّط الله الكورونا على الخلق، لم يكن ذلك منه ليهلك الخلق، فهو أرحم بهم من أمهاتهم، ولكن لحِكَمٍ عظيمةٍ، علمها مَن علمها، وجهلها مَن جهلها، ولما شاء الله رفع الوباء، يسَّر لهم معرفة علاجه، فتم الوصول لعدة لقاحات تقضي على المرض بنسبة كبيرة، ولله الحمد، لتعود الحياة طبيعية كما كانت، فمدَّة الامتحان قد انقضت، مع كثير من الأثر الذي خلفته، ولكن نردد دائمًا (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة:216].

 

وإن مما يُذْكَر فيُنْشَر، ويُفْتَخَر به على الملأ: ذلك الدور الرائد لدولتنا المباركة في المحافظة على صحة المواطنين والمقيمين، وعلاجهم مجانا، بل ومن أول الدول في إحضار اللقاحات، والبدء في توزيعها.

 

غير أني أنبّه لأمرٍ مهمّ لنفسي ولإخواني: إياكم أن تكونوا بوقًا ينقل الإشاعات بلا علم ولا روية، ولا تتكلموا فيما لا علم لكم به، فنلحظ انتشار الشائعات التي تحذر من اللقاحات، وإذا نظرت إلى من يتناقلها تجدهم عوام الناس وممن لا علم لهم بذلك.

 

ولله الحمد؛ فالأمر اختياري، فمن شاء أخذ اللقاح، ومَن شاء تركه، ولكن لا تُثِر الرعب بين الناس بلا علمٍ، فهؤلاء كبار الدولة وساستها قد أخذوه، ومن شاء أخذه بسهولة ويسر، ومَن شاء تركه، وكل ذلك لا ينافي التوكل على الله، بل هو من فعل السبب، وفعل السبب من التوكل على الله.

 

اللهم ارحم ضعفنا، واغفر ذنوبنا، وتوفنا مع الأبرار...

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي