إن هناك بيوتًا قد غطّت غلاف القرآن وأسطح القرآن سحائب من الغبرة، التي ترهق البيوت وأهلها قترة، يمر الشهر وربما السنة، وما يكلّف أحد من أهل البيت نفسه أن يفتح المصحف ويقرأ منه. إن هناك بيوتًا لا تجد فيها تسجيلاً ولا مقطعًا واحدًا للقرآن، ولا يسمع فيها صوت قارئي للقرآن، ولا تقام فيها الصلوات، ولا يجتمع فيها على الذكر أو العلم أو الجماعات، إن هناك بيوتًا مليئة بمخزنات الغناء والأفلام....
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أما بعد: أيها المؤمنون: إن البيت الذي يسكنه المسلم، هو في ميزان الشرع، في ميزان الله، وفي ميزان رسول الله صلى عليه وسلم، وفي نظر المؤمن بالله، هو نعمة، وهو مسؤولية. هو نعمة تستحق الشكر، وهو مسؤوليه توجب الحذر.
نعم، أيها المؤمنون: فإن البيت نعمة، ونعمة كبيرة تستحق الشكر للمنعم -سبحانه وتعالى-، هكذا هي منزلة البيت في الشرع، فقد قال الله -عز وجل- في سورة النحل في الآية رقم ثمانين، قال فيها: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)[النحل:80]. قال ابن كثير: "يَذْكُرُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- تَمَامَ نِعَمِهِ عَلَى عَبِيدِهِ، بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي هِيَ سَكَنٌ لَهُمْ، يَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَيَسْتَتِرُونَ بِهَا، وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ".
وقال ابن عاشور: "هَذَا مِنْ تَعْدَادِ النِّعَمِ الَّتِي أَلْهَمَ اللَّهُ إِلَيْهَا الْإِنْسَانَ، وَهِيَ نِعْمَةُ الْفِكْرِ بِصُنْعِ الْمَنَازِلِ الْوَاقِيَةِ وَالْمُرَفَّهَةِ وَمَا يُشْبِهُهَا مِنَ الثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ. وَكُلُّهَا مِنَ الْأَلْطَافِ الَّتِي أَعَدَّ اللَّهُ لَهَا عَقْلَ الْإِنْسَانِ وَهَيَّأَ لَهُ وَسَائِلَهَا. وَهَذِهِ نِعْمَةُ الْإِلْهَامِ إِلَى اتِّخَاذِ الْمَسَاكِنِ وَذَلِكَ أَصْلُ حِفْظِ النَّوْعِ مِنْ غَوَائِلِ حَوَادِثِ الْجَوِّ مِنْ شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ وَمِنْ غَوَائِلِ السِّبَاعِ وَالْهَوَامِ. وَهِيَ أَيْضًا أَصْلُ الْحَضَارَةِ وَالتَّمَدُّنِ لِأَنَّ الْبُلْدَانَ وَمَنَازِلَ الْقَبَائِلِ تَتَقَوَّمُ مِنِ اجْتِمَاعِ الْبُيُوتِ. وَأَيْضًا تَتَقَوَّمُ مِنْ مُجْتَمَعِ الْحُلَلِ وَالْخِيَامِ.
وَبُيُوتٌ: يَجُوزُ فِيهِ ضَمُّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرُهَا، وَهُوَ جَمْعُ بَيْتٍ. وَالْبَيْتُ: مَكَانٌ يُجْعَلُ لَهُ بِنَاءٌ وَفُسْطَاطٌ يُحِيطُ بِهِ يُعَيِّنُ مَكَانَهُ لِيَتَّخِذَهُ جَاعِلُهُ مَقَرًّا يَأْوِي إِلَيْهِ وَيَسْتَكِنُّ بِهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ. وَقَدْ يَكُونُ مُحِيطُهُ مِنْ حَجَرٍ وَطِينٍ وَيُسَمَّى جِدَارًا، أَوْ مِنْ أَخْشَابٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَتُسَمَّى أَيْضًا الْأَخْصَاصُ. وَيُوضَعُ فَوْقَ مُحِيطِهِ غِطَاءٌ سَاتِرٌ مِنْ أَعْلَاهُ يُسَمَّى السَّقْفُ، يُتَّخَذُ مِنْ أَعْوَادٍ وَيُطَيَّنُ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ بُيُوتُ أَهْلِ الْمُدُنِ وَالْقُرَى.
وَقَدْ يَكُونُ الْمُحِيطُ بِالْبَيْتِ مُتَّخَذًا مِنْ أَدِيمٍ مَدْبُوغٍ وَيُسَمَّى الْقُبَّةَ، أَوْ مِنْ أَثْوَابٍ تُنْسَجُ مِنْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ وَيُسَمَّى الْخَيْمَةَ أَوِ الْخِبَاءَ، وَكُلُّهَا يَكُونُ بِشَكْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْهَرَمِيِّ تَلْتَقِي شُقَّتَاهُ أَوْ شُقَقُهُ مِنْ أَعْلَاهُ مُعْتَمِدَةً عَلَى عَمُودٍ وَتَنْحَدِرُ مِنْهُ مُتَّسِعَةً عَلَى شَكْلٍ مَخْرُوطٍ.
وَهَذِهِ بُيُوتُ الْأَعْرَابِ فِي الْبَوَادِي أَهْلِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ يَتَّخِذُونَهَا لِأَنَّهَا أَسْعَدُ لَهُمْ فِي انْتِجَاعِهِمْ، فَيَنْقُلُونَهَا مَعَهُمْ إِذَا انْتَقَلُوا يَتَتَبَّعُونَ مَوَاقِعَ الْكَلَأِ لِأَنْعَامِهِمْ وَالْكَمْأَةِ لِعَيْشِهِمْ. وجَعَلَ هُنَا بِمَعْنَى أَوْجَدَ.
وَالسَّكَنُ: اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَسْكُونِ. وَالسُّكْنَى: مَصْدَرُ سَكَنَ فُلَانٌ الْبَيْتَ، إِذَا جَعَلَهُ مَقَرًّا لَهُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّكُونِ، أَيِ الْقَرَارِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ بُيُوتِكُمْ بَيَانٌ لِلسَّكَنِ، فَتَكُونُ مِنْ بَيَانِيَّةٌ، أَوْ تُجْعَلُ ابْتِدَائِيَّةً وَيَكُونُ الْكَلَامُ مِنْ قَبِيلِ التَّجْرِيدِ بِتَنْزِيلِ الْبُيُوتِ مَنْزِلَةَ شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ السَّكَنِ، كَقَوْلِهِمْ: لَئِنْ لَقِيتَ فُلَانًا لَتَلْقَيَنَّ مِنْهُ بَحْرًا. وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ بُيُوتَكُمْ سَكَنًا. وَشَمِلَ الْبُيُوتُ هُنَا جَمِيعَ أَصْنَافِهَا".
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نعمة السكن والأمن التي تجدها في بيتك، كما في الحديث الحسن في سنن الترمذي، قال فيها: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".
ولقد كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقدّر نعمة البيت، والسكن أيّما تقدير، ويحمد ربّه -سبحانه- عليها أيّما حمد، ففي صحيح مسلم، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ".
نعم، أيها المؤمنون: البيت نعمة، تستحق منا حمد الله وشكره -سبحانه- بقلوبنا أولاً، ثم بأقوالنا وأعمالنا. ثانيًا البيت نعمة، وبما أنه نعمة؛ فإنا سنُسأل يوم القيامة عن هذه النعمة، سنُسأل عن شكرنا لله على نعمة البيوت التي أنعم بها علينا -سبحانه-، هل عمرناها بالحلال, وعل أعمرناها كما أراد الله؛ (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[الضحى:8].
قال الشوكاني في فتح القدير: "قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ -سبحانه- سَائِلٌ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ عَمَّا أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ النَّعِيمِ بِفَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ، أَوْ نَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ لِأَنَّ تَعْرِيفَهُ لِلْجِنْسِ أَوِ الِاسْتِغْرَاقِ، وَمُجَرَّدُ السُّؤَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ تعذيب المسؤول عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا، فَقَدْ يَسْأَلُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ عَنِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ فِيمَ صَرَفَهَا، وَبِمَ عَمِلَ فِيهَا؟ لِيَعْرِفَ تَقْصِيرَهُ وَعَدَمَ قِيَامِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّكْرِ، وَقِيلَ: السُّؤَالُ عَنِ الْأَمْنِ وَالصِّحَّةِ، وَقِيلَ: عَنِ الصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ، وَقِيلَ: عَنِ الْإِدْرَاكِ بِالْحَوَاسِّ، وَقِيلَ: عَنْ مَلَاذِّ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، وَقِيلَ: عَنِ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، وَقِيلَ: عَنْ بَارِدِ الشَّرَابِ وَظِلَالِ الْمَسَاكِنِ، وَقِيلَ: عَنِ اعْتِدَالِ الْخُلُقِ، وَقِيلَ: عَنْ لَذَّةِ النَّوْمِ، وَالْأَوْلَى الْعُمُومُ كَمَا ذَكَرْنَا".
أيها المؤمنون: البيوت لها شأنها في الدين، ولها أحكامها، لله علينا فيها حقوق وواجبات، وعلى ربّ البيت مسؤولية تتطلب الحذر، كل الحذر، نعم، على ربّ البيت تجاه البيت الذي يسكنه، مسؤوليتان عظيمتان: أما الأولى: فهي مسؤوليته تجاه من يسكن من أهله في البيت، وهذه ليست هو موضوعنا اليوم، أما الثانية: والتي نعرض إليها الآن، فهي مسؤولية ربّ البيت عن البيت ذاته، أي عن بنيانه، وعن موجوداته ومحتوياته، ماذا في داخله.
أيها المؤمنون: وأول هذه المسؤولية وأخطرها المال، المال الذي أسّستَ به هذا البيت، أهو مال حلال، أم مال حرام، (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ)[التوبة،109]، فبعض المسلمين اليوم يؤسّس بيته، ويبني بنيانه من مال حرام، ومن قروض ربوية، من هنا وهناك، يريد أن يبني لنفسه بنيانًا من حرام، يزول هو من على هذه الدنيا ويرحل، ولا يزول هذا البنيان من الحرام، يرحل هو عن الدنيا ولا يرحل معه هذا البنيان من الحرام، ليبقى في هذه الدنيا شاهدًا عليه إلى يوم القيامة أنه من العصاة الذين أعلنوا الحرب على الله، حتى بعد موته، فإذا كان من يأكل درهمًا من الربا واحدًا كمن يزني تحت ستار الكعبة، فكيف بمن يؤسّس بيته من الربا يستظل بظله، بل يستظل بحروره وسمومه؟!
حرام عليك أيها الزوج، أيها الأب، والله حرام عليك، تقبل على نفسك أن يتربّى أطفالك الأبرياء في ظلّ بيت مؤسّس على الحرام، قد أصابت بانيه وأصابت بنيانه، لعنة الله، ولعنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ففي صحيح مسلم، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ".
أيها المؤمنون: أصناف بيوت المسلمين، كما جاء وصفها في كلام الله وفي كلام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هي: ثلاثة أصناف، فاستمع إليها، ولننظر جميعنا في أي صنف نحن منها.
أيها المؤمنون: أما الصنف الأول: فهي بيوت حيّة كالقبلة، ونور مُنيرة على أهلها، وهي التي قال الله فيها: (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)[يونس:87]. (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)، هكذا يريد الله لبيوتنا أن تكون مستقيمة على الهدى كالقبلة، عامرة بالإيمان والصلاة والقرآن، فهي البيوت السعيدة حقيقة، الواسعة على أهلها، الطيبة جناتها، المرضي عنها عند الله -تعالى-، ولذلك، فكما في صحيح البخاري، قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ"، وفي صحيح مسلم، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا".
أيها المؤمنون: أما الصنف الثاني: فهي بيوت ميتة كالمقابر, بيوت هي مقابر حقيقة, ولا تستعجلوا -أيها المؤمنون- إنكار هذا الوصف ولا تستغربوا -أيها المؤمنون– هذا النعت, لهذا الصنف من البيوت, بأنها مقابر لماذا أيها المؤمنون؟, أتعرفون من الذي وصف بعض بيوت المسلمين بأنها والمقابر سواء؟, إنه وصف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, استمعوا ماذا يقول الرسول محمد بن عبد الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا؛ إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقْرَأ فيه سورة البقرة".
في صحيح البخاري، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا". جاء في شرح الحديث: ""اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم" صلوا فيها بعض صلواتكم وهي النوافل. "ولا تتخذوها قبورًا" لا تجعلوها مهجورة من الصلاة كالقبور".
وفي سنن أبي داود، بإسناد حسن، عن أبي هُريرة، قال: قال رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تجعلوا بيوتَكُم قُبوراً، ولا تجعلُوا قَبْرِي عِيداً؛ وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكُم تُبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ".
نعم، يا عباد الله: لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، هكذا قالها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، محذرًا وناصحًا ومرشدًا، لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ومتى تكون بيوتنا قبورًا؟ إنها وإنْ كانت مشيدة، وإن كانت أنيقة المظهر، مزهرة المنظر، فقد تكون قبورًا، ولكن متى؟
تكون قبورًا عندما يغيب منها القرآن، عندما يفتقد فيها تلاوة القرآن، عندما يختفي عنها كلام الرحمن وأصوات آيات الرحمن، ويحلّ مكانها كلام الفساق، عندما يحلّ مكانها كلام المغنين والمغنيات، وأصوات الممثلين والممثلات.
إن هناك بيوتًا قد غطّت غلاف القرآن وأسطح القرآن سحائب من الغبرة، التي ترهق البيوت وأهلها قترة، يمر الشهر وربما السنة، وما يكلّف أحد من أهل البيت نفسه أن يفتح المصحف ويقرأ منه.
إن هناك بيوتًا لا تجد فيها تسجيلاً ولا مقطعًا واحدًا للقرآن، ولا يسمع فيها صوت قارئي للقرآن، ولا تقام فيها الصلوات، ولا يجتمع فيها على الذكر أو العلم أو الجماعات، إن هناك بيوتًا مليئة بمخزنات الغناء والأفلام، ولا تجد فيها ملفًا واحدًا لذكر الله، أو لواعظ أو داعية يسمع له.
إن هذه البيوت في ميزان الله, وفي ميزان رسول الله كالمقابر، لا قدْرَ لها ولا قيمة، مقابر مظلمة، وإن أضاءتها ما أضاءتها بأنوار الدنيا الفانية. هكذا تجدها في الوصف النبوي وفي المقياس النبوي، ففي صحيح مسلم، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ".
نعم، يا عبدالله: فاذا كان بيتك من البيوت التي يُذْكَر فيها الله، ويُتْلَى فيها كلامه، وتُسْمَع فها مقاطع القرآن، والموعظة والبرامج الدينية، فبيتك عند الله بيت حيّ لا ميت، وأنت وأهلك أحياء عند الله لا أموات، وأما عكس ذلك، تلك البيوت، عياذًا بالله، التي تضرب جنبتها، ليل نهار، أصوات المطربين الفاسقين، وأصوات المطربات الفاسدات المفسدات، وغير ذلك من المحرمات، وأما كلام الله فهو مستبعَد في تلك البيوت، فهذا البيت عند الله، بيت ميّت، وأصحابه عند الله أموات، وهم مازالوا في الدنيا، فكيف ستكون قبورهم وأحولهم بعد موتهم.
والله هناك بيوت تجد فيها عشرات تسجيلات الغناء ومقاطع الأفلام، ولكنك لا تجد فيها مقطعًا واحدًا في ذكر الله وكلام الله، أهذه بيوت أم مقابر؟!
أيها المؤمنون: وأما الصنف الثالث من أصناف البيوت، فهي بيوت لا تدخلها الملائكة قط، إنما هي مرتع وملعب ومسكن للشياطين الخبثاء بكافة أجناسهم ونجاساتهم، وأنواعهم وأقذارهم.
نعم -أيها المؤمنون- إن هناك بيوتًا قد حُرِمت من الخير، وقد سدّ أصحابها على أنفسهم مداخل الرحمة إلى حجرات منازلهم، قد أوصدوها أمام البركات التي تحملها ملائكة الرحمات، نعم، أيها المؤمنون، لقد أخبرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن هناك بيوتًا لا تدخلها الملائكة، لا تدخلها ملائكة الله، ملائكة الرحمة قط، حرّم الله عليها أن تدخل بيوتًا معينة من بيوت المسلمين. فما هي هذه البيوت؟
استمعوا معي إلى هذه الأحاديث النبوية ولنتدبر معانيها جيدًا: ففي صحيح مسلم، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا، فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي، أَمَ وَاللهِ مَا أَخْلَفَنِي"، قَالَ: فَظَلَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ: "قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ"، قَالَ: "أَجَلْ، وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ".
جاء في شرح الحديث: ""واجمًا"؛ قال أهل اللغة هو الساكت الذي يظهر عليه الهم والكآبة وقيل هو الحزين يقال وجم يجم وجوما. "جرو كلب" الجرو بكسر الجيم وضمها وفتحها ثلاث لغات مشهورات هو الصغير من أولاد الكلب وسائر السباع والجمع أجر وجراء وجمع الجراء أجرية. "فسطاط" هو نحو الخباء والمراد به هنا بعض حجال البيت وأصل الفسطاط عمود الأخبية التي يقام عليها".
وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: وَاعَدَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصًا، فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: "مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ"، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَاهُنَا؟"، فَقَالَتْ: وَاللهِ، مَا دَرَيْتُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ"، فَقَالَ: "مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ، إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ".
وفي صحيح البخاري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ قَالَ: "لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ"، يُرِيدُ التَّمَاثِيلَ الَّتِي فِيهَا الأَرْوَاحُ. جاء في شرح الحديث: ""التماثيل" جمع تمثال وهو مطلق صورة. "فيها الأرواح" أي صور ذوات الأرواح من إنسان وحيوان".
وللأسف، فإنك تجد بيوت بعض المسلمين اليوم، مليئة بالصور ذوات الأرواح، والصورة المقصودة بالحديث تشمل: الصورة المجسمة "المجسمات من ذوات الأرواح"، أو المحفورة، أو المنقوشة، أو المنحوتة، أو المرسومة باليد، من ذوات الأرواح، سواء إنسانًا كان أم حيوانًا، يضعونها مناظر هنا وهناك ويعلقونها على الجدران هنا وهناك، مناظر وزينة، وما هي في ميزان الله بمناظر ولا برينة، بل هي محرمة وممنوعة ومانعة للخير.
وهناك بيوت يحرص أصحابها من المسلمين، على اقتناء الكلاب لغير حاجة الصيد أو الحراسة أو الرعي، وإنما يحرص على اقتناء كلب في بيته؛ لأن الاعتناء بالكلاب وتربيتها في البيوت أصبح علامة تطور، وتحضّر ومدنية، يفعلها المسلمون اليوم اقتداءً وتقليدًا للغرب.
بل إن تربية الكلاب في البيوت لغير حاجة مشروعة، يذهب بالحسنات بطريقة مريعة والله، استمع معي إلى ما جاء في صحيح البخاري، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ، إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ"، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِلَّا كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ"، وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ". جاء في شرح الحديث: ""أمسك كلبًا" اقتناه واحتفظ به. "من عمله" من أجر عمله الصالح. "حرث أو ماشية" لحفظ الزرع والماشية من الإبل والبقر والغنم وغيرها. "صيد" من أجل الصيد".
وفي صحيح مسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا، لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ، وَلَا غَنَمٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ". وفي رواية في البخاري: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا، وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ". جاء في شرح الحديث: ""اقتنى" اتخذه لنفسه قنية والقنية كل ما اتخذه الإنسان من المال لغير التجارة. "لا يغني عنه" لا يستفيد منه في حفظ. "ضرعًا" اسم لكل ذات ظلف أو خف وهو كناية عن الماشية".
أيها المؤمنون: تعالوا بنا نختم موضوعنا بموقف عجيب من السنة النبوية: لقد كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حريصًا كل الحرص على تطهير بيته من الصور المحرمة، أي: من التماثيل والمجسمات والمنقوشات والمرسومات من ذوات الأرواح. ففي صحيح البخاري، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى البَابِ، فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟"، قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ"، وَقَالَ: "إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ". جاء في شرح الحديث: ""نمرقة" كساء مخطط وقيل هي وسادة صغيرة. "ما بال" ما شأنها ولِمَ وُضِعَتْ. "توسدها"، تجعلها وسادة لك. "هذه الصور" لذات الروح وأصحابها المصورون لها. "خلقتم" صوّرتم على هيئة خلق الله -تعالى-".
وفي صحيح مسلم، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ، أَوْ فَعُرِفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَمَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟"، فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ، تَقْعُدُ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ". جاء في شرح الحديث: ""النمرقة" بضم النون والراء ويقال كسرهما ويقال بضم النون وفتح الراء ثلاث لغات ويقال نمرق بلا هاء وهي وسادة صغيرة وقيل هي مرفقة وجمعها نمارق. "ويقال لهم أحيوا ما خلقتم" هو الذي يسميه الأصوليون أمر تعجيز كقوله -تعالى- (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ)"؟
فما بالك اليوم بتلك البيوت، بيوت مسلمين، التي يعلق أصحابها فيه صورًا شبه عارية، وصورًا لمن يسمونهم بالفنانين والفنانات والنجوم واللاعبات، وهذا مخالف للشرع وحرمان للبيت من الخير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
أيها المؤمنون: إن من أسباب ضيق البيوت على أهلها، وإن كانت حجراته متسعة، وإن من أسباب كثرة المشاكل في البيوت، وعدم الراحة والاستئناس فيها والشعور بأنها موحشة، هو كثرة ما يُفْعَل فيها من المعاصي، وقلّة ما يُفْعَل فيها من الطاعات، ولما فيه التماثيل والمجسمات والصور المعلقة من ذوات الأرواح، ولاختفاء ذكر الله منها، وغير ذلك.
ولذلك أنصح نفسي وإياكم أن نحيي بيوتنا، وأن ننوّرها دنياها، بفعل الطاعات فيها، وبكثرة الذِّكر وصدى القرآن في جنباتها، وأن نطبّق ما نقدر عليه فيها من السنن الواردة عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأذكركم بتطبيقين فقط من بركات هذه السنن في البيوت:
التطبيق الأول: التسمية وذِكْر اسم الله. ففي صحيح مسلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ".
التطبيق الثاني: السلام. ففي الحديث الصحيح في سنن أبي داود، والمستدرك للحاكم، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ؛ رَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ، فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ، فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَرَجُلٍ دَخَلَ بَيْتَهُ بِالسَّلَامِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ"، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي