المخدرات

سالم بن محمد الغيلي
عناصر الخطبة
  1. نعمة العقل والحفاظ عليها .
  2. الفرق بين العاقل وفاقد العقل .
  3. أمران يغيران العقل .
  4. خطر المخدرات وأضرارها .
  5. إحصائية بكمية المخدرات المهربة للمملكة .
  6. نصيحة للشباب المسلم. .

اقتباس

وكم سمعنا وسمعنا عمن ابتلوا بهذا المرض الفتاك -نسأل الله لهم الهداية والتوبة والصلاح-, ضاعت الصلاة, وضاعت الأموال؛ بل بيعت الأعراض من أجل الحصول على جرعة مخدرات!؛ لأن صاحب المخدرات لم يعد سويًا؛ ذهب عقله, واختل عمله, وتغير حاله...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فهو المهتد, ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلق فسوى وقدّر فهدى, وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا  محمد رسول الله, صلى الله عليه وآله ما تعاقبت الأيام والليالي.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

عباد الله: يقول الحق -تبارك وتعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[التين: 4], ويقول -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء: 70], ميزنا الله بالعقل عن سائر المخلوقات, وجاء الإسلام بالمحافظة على العقل وحمايته ورعايته؛ حفاظًا على كرامة صاحبه, فالعاقل مكلف, وفاقد العقل مرفوع عنه القلم!.

 

العاقل كلفه الله بالدين, كلفه الله بحمل الأمانة, كلفة الله بحفظ نفسه وعائلته ومجتمعه, كلفه الله بحفظ ماله وكسبه من الحلال, كلفه الله بالجهاد وقتال الكفار, والذود عن حمى الدين والمسلمين, فالمكلف له مكانته وعلوه وسموه عند الله -تعالى- وعند الخلق؛ لأنه بعقله يستفاد منه ويعول عليه.

 

أما فاقد العقل فمرفوع عنه القلم, لا يُؤمر ولا يُنهى, والعبث بالعقل عبث بالحياة, وعبث بالمبادئ, وعبث بالقيم وعبث بمقدرات الإنسانية والأمة كاملة, فما يصنع التاريخ إلا العقلاء, وما يحمي الأمة إلا العقلاء, وما ينشر العدل والخير والبر إلا العقلاء, ولا يرد المعتدي والظالم إلا العقلاء, العقل ثروة لا تقدر بكنوز الدنيا وذهبها وفضتها, وعقول المسلمين هي أزكى العقول وأنبلها, وأقربها إلى الله -تعالى-.

 

ولقد حذرنا الله -تعالى- من عدة أمور تغير العقل, وتؤثر على دوره في الحياة, وإن ما يغير العقل ويخل بعمله أمران هامان: الأمر الأول: الاعتقاد, والأمر الآخر: زواله بمخدر أو مسكر.

 

فإذا اعتقد الإنسان عقيدة سيرت صاحبها إلى الجنة أو النار؛ من اعتقد وآمن بالإسلام وما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-, سارت به هذه العقيدة إلى رضا الله والجنة, ومن اعتقد عقيدة الكفر والشرك والرفض وكره الدين والعداوة له, قادته هذه العقيدة إلى غضب الله ثم إلى النار.

 

أما المخدرات والمسكرات -حمانا الله وإياكم منها- فإنها تذهب بالعقل وتعطله, وتخل بدوره في الحياة كلها, ومن أجل ذلك حرمها الله وحرمها النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد التحريم؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة: 90], ويقول -سبحانه-: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة: 91], (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)[البقرة: 219].

 

وقال -صلى الله عليه وسلم:- "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ")صحيح مسلم(, وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل مسكر حرام، إن على الله -عز وجل- عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال", قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: "عَرَقُ أهل النار، أو عصارة أهل النار"(أخرجه مسلم), وسماها -صلى الله عليه وسلم- أم الخبائث, فمن دنس عقله ونفسه بها؛ فقد أدخل النقص والخلل والزلل على عقله ودينه وماله وأهله ومجتمعه!.

 

وكم سمعنا وسمعنا عمن ابتلوا بهذا المرض الفتاك -نسأل الله لهم الهداية والتوبة والصلاح-, ضاعت الصلاة, وضاعت الأموال؛ بل بيعت الأعراض من أجل الحصول على جرعة مخدرات!؛ لأن صاحب المخدرات لم يعد سويًا؛ ذهب عقله, واختل عمله, وتغير حاله.

 

أين صاحب المخدرات من أهله ووالديه وعمله وصلاته؟! أين هو من المناسبات والأفراح والصلة وراحة البال؟! أين هو من القرآن الكريم, وصلاة المسجد, وحضور الندوات والخير والبركة؟! ماذا أبقت المخدرات؟! ماذا وفرت من متعاطيها؟! شباب وشابات ضاعوا بسبب التجربة الأولى!.

 

إن أعداء الله, أعداء الإسلام انهالوا علينا بمخدراتهم, هربوا إلينا عبر البر والجو والبحر, سلاح فتاك يصل إلى داخل بيوت المسلمين وأُسرهم, أنشأت له مصانع في الداخل والخارج من أجل قتل المسلمين وتدمير عقولهم وأُسرهم ومجتمعاتهم, قاتلوا رجال الأمن, حملوا السلاح, سفكوا الدماء, دمروا مقدرات الأمة من أجل أن يدخلوها ويبيعوها في بلادنا وبين شبابنا, أناس يصنعون, وأناس يروجون ويهربون, وأناس يبيعون, والضحايا يشربون ويتخدرون ويدمرون!, قال -صلى الله عليه وسلم-: "لعن اللهُ الخمرَ, وشارِبَها, وساقِيَها, وبائِعَها, ومُبْتَاعَهَا, وعاصرَهَا, ومُعْتَصِرَها, وحامِلَها, والمحمولَةَ إليهِ, وآكِلَ ثَمَنِها"(صحيح الجامع).

 

وتأملوا في بيان واحد لوزارة الداخلية بيان واحد فقط!, القبض على: 21مليون حبة كبتاجون,  19تسعة عشر طنًا من الحشيش, 219 كيلو من الكوكايين, 22 اثنان وعشرون كيلو مادة الشبو!.

 

لولا فضل الله وكرمه, وحرص المستيقظين من رجال الأمن -جزاهم الله خيراً وجعل ما يقدمون في موازينهم الصالحة ومن ساعدهم وعاونهم-, أين كانت ستذهب هذه الحمولة هذه الأطنان هذه المصيبة؟! كم عقل ستغيبه!, وكم مال ستهدره!, وكم أُسر ستدمرها!, وكم وكم!, حسبنا الله ونعم الوكيل!.

 

حمى الله بلادنا, وحمى الله أهلنا وشبابنا من هذا المكر الكبار, ومن هذا الخزي والعار, اللهم احفظ شبابنا وشاباتنا من بين أيديهم ومن خلفهم, وعن أيمانهم وعن شمائلهم, ونعيذهم بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم.

 

أَقُولَ مَا تَسْمَعُونَ, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه؛ كما يحب ربنا ويرضى, حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه.

 

عباد الله: المسألة خطيرة والأمر جد, قال -صلى الله عليه وسلم-: "الخَمرُ أُمُّ الفَواحِشِ, وأكبرُ الكبائِرِ, مَن شَرِبَها وقع على أُمِّهِ, وخالَتِه, وعَمَّتِه"(حسنه الألباني في صحيح الجامع).

 

يا أيها الشباب المؤمن: يقول -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[النور: 21]؛ هذا نداء من الله الذي خلقك وصورك ورزقك, وعافاك وبالعقل زكاك, لا تتبع خطوات الشيطان؛ فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر سماها الله خطوات؛ لقاء أصدقاء السوء, التجربة الأولى, اكتشاف المجهول, مجاملة رفقاء السوء, ثم الورطة والمصيبة والإدمان, ثم ترك الصلاة وتلاوة القرآن, وعقوق الوالدين, وخسارة المال, والخلوة والانطواء والانزواء والأمراض؛ أمراض السكر والضغط والكولسترول والقلب والشرايين والشيخوخة, أمراض الهم والحزن والاكتئاب ولين العظام, والبكاء والحسرة والندامة وضيق الصدر, أمراض البعد من الله وترك الطاعة, والمعصية والذنب والجرم وسوء الخاتمة, وعذاب القبر, وربما عذاب النار.

 

كيف يعافينا الله ونبتلي أنفسنا؟! كيف ينهانا الله ونخالف أمره؟! كيف يحذرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونتجاهل تحذيره؟! أين العقول؟!.

 

خمور اليوم ومخدرات اليوم تختلف عن السابق, اليوم مرة واحدة تنهي الحياة والسعادة, وتقتل الأمل, استعمال واحد يدمر المخ والأعصاب والقلب والشرايين, يُغْرون الشباب بالسيارات, وبالآلاف يبنون آمالًا وهمية.

 

كم فيها من الذنب!, كم فيها من الدمار!, كم فيها من العار والعيب الذي يلاحق صاحب ذلك الفعل مدى الحياة!, اطلب الرزق من الله, ارفع يديك إليه واسأله الرزق الحلال وابشر, خزائنه ملأى, وأبوابه مفتوحه, وخيره كثير, اشتغل في التجارة اطلب من والدك أو قريبك أن يسلفك مبلغًا واعمل به مشروعًا ربحيًا ولو صغيرًا, والله سيبارك.

 

أيها الأحبة: من تورط فيها أو في ترويجها فعليه أن يتوب إلى علام الغيوب مادام الأنفاس تجيء وتؤوب, يعتبر بما يرى ويسمع من العِبر, لا يغفل لا يغره إمهال الله له؛ فإن الله لا يغفل ولا ينسى إنما يمهل, يتوب إلى الله ما دام في الأمر فسحة, وما دام القلب ينبض, ليس عيبًا أن يذهب إلى مستشفى الأمل ويتعالج مجانًا على حساب الدولة -أعزها الله وحفظها-, ليس عيبًا أن يعيش فقيرًا وصحته وعقله معه, العافية والسلامة لا يساويها ثمن, رضا الله عن العبد يساوي الدنيا كلها.

 

اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي