عليك بالمبادرة فورًا في حال وقوع شيء منها, لا تنتظر ولا تتهرب ولا تتحامل على نفسك؛ لأنك كلما تأخرت في علاجها كلما كان الأمر أصعب؛ لأنها بدون العلاج تزيد وتزيد, حتى يخرج لها آثار مدمرة على البدن مثل: الأورام, وضعف النظر, وفشل الكلى...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: ما أعظم نعمة الصحة والعافية, لا يوازيها أي ثمن ولا أعظم منها نعمة بعد نعمة الإسلام!, والحياة بدون نعمة العافية والصحة لا معنى لها, حتى ولو وجد معها نعم أخرى مثل: نعمة المال, أو الولد, أو المنصب, فهي لا تساوي شيئًا بدون نعمة الصحة والعافية.
العافية -عافانا الله جميعًا- تكون في الدين وتكون في البدن, عافية الدين أن تكون معافىً في دينك من البدعة والشبهة والمعصية وتعدي حدود الله؛ "ولا تجعل مصيبتنا في ديننا", فمصيبة الدين أعظم المصائب, وماذا تفعل بالمال والمنصب والدنيا كلها ودينك مختل ومعتل ومصاب؟!, وأما عافية البدن فلا غنى لنا عنها ولا تصلح الحياة إلا بها, وإذا اختلت ونقصت اختل معها كل شيء ونقص, فلا كمال عبادة ولا كمال سعادة.
وإن الله -تبارك وتعالى- شرع لنا في حال الاختلال والنقص في عافية الدين وعافية البدن أن نسعى للصلاح وإصلاح الفساد, فإذا اختلت عافية المسلم في دينه فعليه أن يراجع نفسه ويحاسبها ويعاتبها, عليه أن يتوب ويستغفر ويرجع إلى ربه؛ (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)[الذاريات: 50], وبهذا تأتي عافية الدين وما أعظمها .
وعافية البدن إذا اختلت أو نقصت فقد شرع الله لنا التداوي بالأمور المباحة, قال أسامة بن شريك: "قالَتِ الأعرابُ: يا رسولَ اللَّهِ! ألا نَتداوى قالَ: "نعَم -يا عبادَ اللَّهِ- تداوَوا؛ فإنَّ اللَّهَ لم يضَعْ داءً إلَّا وضعَ لَهُ شفاءً أو دواءً, إلَّا داءً واحدًا", فَقالوا : يا رسولَ اللَّهِ! وما هوَ؟, قالَ: "الهرمُ"(صحيح الترمذي للألباني), وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزل اللهُ داءً، إلا قد أنزل له شفاءٌ، علِمَه من علِمَه، وجَهِلَه من جَهِلَه"(السلسلة الصحيحة للألباني).
وعافية الأبدان تذهب بآفتين اثنتين: إما مرض روحي, أو مرض بدني, المرض الروحي علاجه في القرآن وفي سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28], إذا وقعت الأمراض الروحية مثل: العين, والحسد, والسحر, والمس, والنظرة, والاكتئاب والعصبية الزائدة, فلا نذهب إلا إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والدعاء.
عليك بالمبادرة فورًا في حال وقوع شيء منها, لا تنتظر ولا تتهرب ولا تتحامل على نفسك؛ لأنك كلما تأخرت في علاجها كلما كان الأمر أصعب؛ لأنها بدون العلاج تزيد وتزيد, حتى يخرج لها آثار مدمرة على البدن مثل: الأورام, وضعف النظر, وفشل الكلى, وفقدان الذاكرة, وتسمم البدن كله, وكم رأينا من أصيب بمرض روحي وقعد يتحامل على نفسه ويصبر صبرًا ليس في محله؛ حتى فات الأوان وظهر بدل المرض أمراض وأسقام وأدواء, وكان بالإمكان أن يتداركها في بداية الأمر!؛ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)[الإسراء: 82], (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء: 80], (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 15].
قال ابن القيم -رحمه الله-: "كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَكْتُبُ عَلَى جَبْهَتِهِ: (وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ)[هود: 44] [هُودٍ: 44], وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَتَبْتُهَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ فَبَرَأَ، فَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهَا بِدَمِ الرَّاعِفِ، كَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ؛ فَإِنَّ الدَّمَ نَجِسٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ -تَعَالَى-"( زاد المعاد).
وقال ابن القيم -رحمه الله: "كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني، وذلك في أثناء الطواف وغيره, فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط، جرّبت ذلك مرارًا عديدة، وكنت آخذ قدحًا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مرارًا فأشربه؛ فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء"(مدارج السالكين).
فعندنا في القرآن وفي السنة دواء لكل داء إلا الهرم والموت, وبعض الأمراض البدنية التي يجب أن يتدخل فيها الطب المدني.
ومن أصيب بمرض روحي فليحذر من الذهاب للسحرة والكهان, وكثير ممن يسمون المسادات أو الممرخات فإنهم لا يملكون الدواء؛ بل يزيدون الداء والتعب والعناء.
حمانا الله وإياكم ومتعنا بعافية الدين والبدن, أقولُ ما سَمِعْتُم، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائِرِ المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه؛ كما يحب ربنا ويرضى.
عباد الله: وعلاج الأمراض البدنية مشروع ومطلوب وميسر -بإذن الله تعالى-, ميسر في الطب النبوي وفي الطب المدني الحالي, وقد دلنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على الحجامة والكي والقسط الهندي والإثمد, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أمْثَلَ ما تَدَاوَيْتُمْ به الحِجَامَةُ، والقُسْطُ البَحْرِيُّ"(صحيح البخاري), وقال صلى الله عليه وسلم-: "علَيْكُم بهذا العُودِ الهِنْدِيِّ؛ فإنَّ فيه سَبْعَةَ أشْفِيَةٍ"(صحيح البخاري ومسلم).
وكذلك الحبة السوداء؛ عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها سمعت الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنَّ هذِه الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِن كُلِّ دَاءٍ، إلَّا مِنَ السَّامِ", قُلتُ: وما السَّامُ؟, قَالَ: "المَوْتُ"(صحيح البخاري), وكذلك التلبينة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ ببَعْضِ الحُزْنِ"(البخاري), ولكن يجب على من يتناول تلك الأعشاب أن لا يبالغ في كميتها حتى لا تؤثر ولا تضر.
أما الطب الحديث أو المدني فهو من نعم الله علينا وعلى الناس لعلاج كثير من حالات المرضى وأوجاعهم.
والوباء كرونا الذي يمر بدول العالم اليوم قد يسر الله له دواءً ولقاحًا يكافحه, وقد وصل بفضل الله ثم بفضل المسؤولين إلى بلدنا, بذلوا فيه الجهد والمال, وقد وصل إلينا ويعطى مجانًا للمواطنين والمقيمين على حساب الدولة -أيدها الله وحماها-, وهو دواء فعال وآمن -بإذن الله تعالى-, فما على الجميع إلا تلقي جرعاته في المستشفيات الحكومية.
وقد ناقشت أحد الأطباء عن هذا العلاج فذكر لي أنه آمن ومعتمد -بإذن الله تعالى-, فلا داعي للإشاعات والإرجاف والمخاوف, وعلى من أراد الاستفسار أن يأخذ المعلومات من مصادرها مثل: وزارة الصحة, والمستشفيات الحكومية, والمراكز الصحية التابعة لها.
نسأل الله بمنه وكرمه أن يديم عفوه وعافيته على بلادنا وولاتها وأهلها, وعلى بلدان المسلمين عامة, وأن يصرف عنا الوباء والربا والزلازل والمحن.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي