بر الوالدين

عبدالله عوض الأسمري

اقتباس

بر الوالدين: هو الإحسان إليهما بجميع وجوه الإحسان بالأقوال والأعمال, فيختار لهما أفضل الكلام وأطيب الكلام, ويتفانى في خدمتهما بالأفعال فيما يحتاجانه من خدمات, وتقديم طلباتهما على طلباتك, ورغباتهما على رغباتك...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا مباركا فيه, يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].

 

من الحقوق الواجبة بعد حق الله -عز وجل- وحق الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق الوالدين, وقد قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء: 36], حيث أوصى الله -عز وجل- بالإحسان إليهما وصحبتهما بالمعروف, وإن كانا كافرين لا يطيعهما في معصية الله والإشراك به؛ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[لقمان: 14، 15].

 

وكان من صفات الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- بر الوالدين, وقد مدحهم الله بذلك؛ فقال الله -عز وجل- عن يحي -عليه السلام-: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا)[مريم: 14], وقال- سبحانه- عن عيسي -عليه السلام-: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)[مريم: 32].

 

لكن ما معنى بر الوالدين؟؛ بر الوالدين: هو الإحسان إليهما بجميع وجوه الإحسان بالأقوال والأعمال, فيختار لهما أفضل الكلام وأطيب الكلام, ويتفانى في خدمتهما بالأفعال فيما يحتاجانه من خدمات, وتقديم طلباتهما على طلباتك, ورغباتهما على رغباتك, وإياك أن تقدم ذهابك مع زملائك واستمتاعك معهم على طلبات والديك.

 

ونهى الله -عز وجل- عن التأفف والتضجر منهما, أو نهرهما ومنعهما ما يرغبانه في المباحات والواجبات, وأمر -سبحانه- بالقول الكريم الطيب لهما؛ فقال -سبحانه-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23، 24].

 

عباد الله :قدَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله؛ كما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله؟, قال: "الصلاة على وقتها", فقلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين", قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله", وجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك؟", قال: نعم, قال: "ففيهما فجاهد"(متفق عليه).

 

عباد الله :إن الوالدين سبب لوجودك في هذه الحياة الدنيا, الوالدين سهرا الليل في مرضك, ويذهبان بك إلى المستشفى, ويتابعان علاجك حتى يشفيك الله -عز وجل-, وهما يهتمان بطعامك وشرابك ولباسك وكل ما تحتاجه, بل واهتما بتعليمك ودراستك حتى أصبحت كبيراً متخرجا من التعليم العام أو إحدى الجامعات, كل هذا فضل وإحسان من الله -عز وجل- ثم من الوالدين, وقد حان الوقت لإعادة رد الجميل؛ (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60].

 

نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا بر والدينا, ورد جميلهم وإحسانهم, وأن  يرحمهما كما ربيانا صغارا.  

 

قلت ما سمعتم, واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

   

 

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

عباد الله: إن بر الوالدين لا ينقطع بموت الوالدين؛ بل متصل بعد وفاتهما؛ وذلك بالدعاء لهما, والصدقة عنهما, وصلة رحمهما, والإحسان إلى صديقهما, وإنفاذ وصيتهما؛ فقد أخرج الإمام أحمد عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ السَّاعِدِي قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ إِلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَوَي قَدْ هَلَكَا, فَهَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّهِمَا شَيءٌ أَصِلُهُمَا بِهِ بَعْدِ مَوْتِهِمَا؟, قَالَ: "نَعَمْ, أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ رَحِمِهِمَا الَّتِي لاَ رَحِمَ لَكَ إِلاَّ مِنْ قِبَلِهِمَا", فَقَالَ: مَا أَكْثَرَ هَذَا وَأَطْيَبَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ!, قَالَ: "فَاعْمَلْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَيْهِمَا".

 

نسأل الله أن يرزقنا بر والدينا أحياءً وأمواتاً, وأن يوفق أبناءنا لما يرضيه في بر والديهم, وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي