أسباب التوفيق للعمل الصالح والتقوى

حسام بن عبد العزيز الجبرين
عناصر الخطبة
  1. ظاهرة الكسل والفتور عن الطاعات .
  2. من أسباب التوفيق للعمل الصالح .
  3. الحسنة تستدعي الحسنة بعدها .
  4. وجوب التحرز من الشيطان. .

اقتباس

ومن أسباب التوفيق للعمل الصالح والتقوى: الحرص على ما يغذي الإيمان؛ كمجالس الذكر, وكمعرفة أسماء الله الحسنى, وكاستماع كلام الله, وأيضا التفكر في الآخرة وما يذكّر بها؛ ففي الحديث: "عُودُوا المرضَى, واتَّبِعوا الجَنائِزَ؛ تُذَكِّرْكُم الآخِرةَ"...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

  

الحمدُ لله برحمته اهتدى المُهتدونَ، وبعدلِهِ وحكمَتِهِ ضلَّ الضَالونَ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, لا يُسألُ عمَّا يفعلُ وهم يُسألونَ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه، ترَكنا على مَحجَّةٍ بَيضَاءَ لا يزيغُ عنها إلاَّ جاهلٌ أو صاحبُ هوى مفتون، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ إلى يوم الدين, وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].

 

أيها الأحبة: كلنا يحب الجنة, ويحب أن يكون من أهل درجاتها العالية, وكلنا  يخاف النار ويستعيذ في كل صلاة منها ومن عذاب القبر, ولكننا نجد أنفسنا قد فرّطنا في طاعات كثيرة؛ أما بتركها, أو بِنُدْرَة فعلها, أو التقصير في أدائها, ونجد أنفسنا أحيانا نتعدى حدود الله التي نهانا عنها, ونجد أيضا تقصيرا في التوبة والاستغفار!.

 

فتعالوا نتذاكر حديثاً عسى الله أن ينتفع به المتكلم والسامع, ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.

 

عباد الرحمن: إن من أسباب التوفيق للأعمال الصالحة وتقوى الله؛ الافتقارَ إلى الله والتبرؤ من الحول والقوة, إن امتلاء القلب بالافتقارِ إلى الله -سبحانه- وشدةِ حاجتهِ إلى هداية ربه -عز وجل- وتوفيقهِ, وشهودِ العبد لضعفه وجهلِه من أسباب التوفيق, وهذا يجرّ إلى سبب من أعظم التوفيق للعمل الصالح, وهو كثرة الدعاء والإلحاح على الله -تعالى- بسؤال الهداية؛ ألا ترون أن اللهَ جعل سؤالَ الهدايةِ إلى صراطِه المستقيم في أعظمِ سورة في كتابه, وجعل قراءتَها ركنًا في الصلاة وهي أعظمُ فريضةٍ بعد التوحيد.

 

ثم تأمل كثرةَ الدعواتِ النبويةِ بسؤال الهداية والعون على العبادة, وفعل الخيرات وترك المنكرات, والاستعاذة من شر النفس والشيطان, وفي الحديث القدسي: "يا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ"(أخرجه مسلم), وفي التنزيل: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)[الشورى: 13].

 

ومن أسباب التوفيق للتقوى وعمل الصالحات: صلاح القلب؛ "ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً, إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ"(أخرجه الشيخان), وفي التنزيل: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الأنفال: 70].

 

إخوة الإيمان: ومن أسباب التوفيق للعمل الصالح: أن يعملَ العبدُ ما تيسر له, ويستمر على فعله؛ فعن عائشة -رضي الله عنها-: أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟, قالَ: "أَدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ"(رواه مسلم), فبالعمل الدائم -ولو كان قليلا- يدوم غذاء الإيمان, وتزكو النفس ويكثر العمل, قَالَ عِكْرِمَةُ: "كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ".

 

ومن أسباب التوفيق للعمل الصالح والتقوى: استشعار العبد لمنّة الله وفضله أن هداه وأعانه ووفقه؛  (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات: 17], وفي آية أخرى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[النور: 21].

 

ومن أسباب التوفيق أيضا: حمد الله وشكره إذا وُفِّقَ العبدُ لعملٍ صالحٍ أو صُرِف عن سوء؛ فالشكر يزيد النعم, والأعمال الصالحة من أعظم النعم.

 

ومن أسباب التوفيق للعمل الصالح والتقوى: الحرص على ما يغذي الإيمان؛ كمجالس الذكر, وكمعرفة أسماء الله الحسنى, وكاستماع كلام الله, وأيضا التفكر في الآخرة وما يذكّر بها؛ ففي الحديث: "عُودُوا المرضَى, واتَّبِعوا الجَنائِزَ؛ تُذَكِّرْكُم الآخِرةَ"(صححه الألباني).

 

ومن أسباب التوفيق للعمل الصالح: اجتناب الذنوب؛ فإنها سبب لحرمان العبد, قال -تعالى-: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ)[المائدة: 49].

 

ومن أسباب التقوى: إقام الصلاة بشروطِها وأركانِها وواجباتِها وسننِها؛ (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45].

 

نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة, وبما فيهما من الهدى والحكمة, واستغفروا الله إنه كان غفارا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله القائل: (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[يس: 54], وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير, وعلى آله وصحبه, أما بعد:  

 

عباد الرحمن: فالحسنة تقول: أختي أختي, وربنا غفورٌ شكور فمن فضله أن يُوفقَ العبدُ إذا عملَ صالحاً لمزيدٍ من الخير, وهل من يختم كل أسبوع أو كل ثلاث ليال مثلا وصلها مباشرة؟! قطعاً لا؛ بدأ بشيء محدود, ولكن الله يوفقه للزيادة بين فترة وأخرى, وهل من يتصدق بعُشر ماله أو ربع ماله مثلا أو نصف ماله وصل هذا مرة واحدة؟! بالتأكيد لا؛ ولكن بدأ بشيء, والله يوفقه للزيادة!.

 

إخوة الإيمان: من أسباب التوفيق للأعمال الصالحة: بر الوالدين ورضاهما, أخرج الترمذي وابن حبان والحاكم مرفوعا: "رضا اللهِ في رضا الوالدينِ, وسخطُ اللهِ في سخطِ الوالدينِ"(صححه الألباني), ومن أكرمه الله برضاه وُفق للخيرات بإذن ربه.

 

ومن أسباب التوفيق للعمل الصالح: التدرج مع النفس شيئاً فشيئاً, واستغلال الأوقات التي تنشط فيها النفس على العبادة, فللنفس إقبال وإدبار؛ ولذا استحب العلماء أن يكون للمسلم ركعات يصليها من الليل ثلاثاً أو خمساً أو تسعاً أو أكثر, يداوم عليها كل ليلة, ويطيلها ويقصرها حسب نشاطه وإقباله.

 

ومن أسباب التوفيق للعمل الصالح: الإكثار مما فُتح للعبد فيه من أبواب الخير وسُهّلَ عليه,  فشخص يُفتح له في الصوم, وآخر في الصدقات, وثالث في نفع الناس وهكذا, فعلى المسلم أن  يستكثر مما لا يجد فيه كبير مشقة.

 

وأختم الأسباب بسبب لعله من أهم أسباب التوفيق للعمل الصالح: إنه التحرز من الشيطان بالأذكار, خصوصا الأذكار التي ورد أن فيها حرزاً وحفظاً من الشيطان؛ كما في حديث التهليل مائة مرة: "وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذلِكَ", ودعاء الخروج من البيت, وآية الكرسي عند النوم وغيرها, وذكر الله عموما يطرده؛ فهو وسواس يخنس عند ذكر الله, أعاذنا الله من شِرْكِه وشَرَكِه؛ (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[فصلت: 36].

 

فختاما -عباد الله- لنزاحم سيئاتنا بالطاعات؛ (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114], ولنطهر أنفسنا من دنس الآثام بالتوبة والاستغفار؛ (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)[هود: 90].

 

اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب, اللهم نقّنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, اللهم اغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد.

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي