صلة الأرحام تكون بالزيارة لهم, أو الاتصال بهم بين فترة وأخرى, ونصحهم وإرشادهم في أمر دينهم ودنياهم, وزيارة مرضاهم, وتفقد أحوالهم, وتقدير كبيرهم ورحمة صغيرهم, والصبر على أذاهم, والعفو عن زلاتهم وأخطاءهم, وحسن الصحبة معهم...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا مباركا فيه, يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وبعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
من الحقوق الواجبة على المسلم بعد حق الله- تعالى- ورسوله والوالدين؛ حق صلة الأرحام, والأرحام: هم صلة قرابة من الأب, كالأجداد وإن علو, والأبناء وإن نزلوا, والأعمام والعمات وأبناءهم, والأقارب من جهة الأم, كالجدات وإن علوا, والأبناء وإن نزلوا, والأخوال والخالات وأبناؤهم, على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وقد أمر الله -تعالى- بصلة الأرحام في آيات كثيرة؛ فقال -تعالى-: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)[الإسراء: 26], فالقريب له حق الصلة, والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليصل رحمه"(رواه البخاري ومسلم).
وصلة الأرحام لها فضائل منها: أنها سبب في زيادة العمر وبسط الرزق؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يبسط له في رزقه, وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه"(رواه البخاري), ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "صلة الرحم, وحسن الجوار, وحسن الخلق؛ يعمران الديار, ويزدن في الأعمار"(صححه الألباني).
وصلة الرحم سبب في صلة الله للواصل؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- خلق الخلق, حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم, فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة, قال: نعم, أما ترضين أن أصل من وصلك, وأقطع من قطعك؟, قالت: بلى, قال: فذلك لك", ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "اقرؤوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد: 22، 23]"؛ لذلك لعن الله -تعالى- قاطعي الرحم.
ومن فضائل صلة الأرحام: أنها سبب في دخول الجنة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار, فقال -صلى الله عليه وسلم-: "تعبد الله ولا تشرك به شيئاً, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصل الأرحام"(رواه البخاري ومسلم).
وأيضاً صلة الأرحام رفعة وعزة للواصل؛ فمن يصل رحمه دل على تواضعه, ومن تواضع لله رفعه, فالواصلون لأرحامهم يعزهم الله ويرفعهم.
لكن كيف تكون صلة الأرحام؟ إن صلة الأرحام تكون بالزيارة لهم, أو الاتصال بهم بين فترة وأخرى, ونصحهم وإرشادهم في أمر دينهم ودنياهم, وزيارة مرضاهم, وتفقد أحوالهم, وتقدير كبيرهم ورحمة صغيرهم, والصبر على أذاهم, والعفو عن زلاتهم وأخطاءهم, وحسن الصحبة معهم, ومساعدة فقيرهم.
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من الواصلين لأرحامنا, وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم, واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم.
إن لقطيعة الرحم والتقصير في حقهم أنواعاً وأشكالاً, منها: أنه لا يصل رحمه بالشهور أو السنوات, وهم معاً في مدينة واحدة!, وبعضهم يدعوه أقاربه في مناسبة من المناسبات فلا يحضر, وفي عزائهم لا يحضر, وبعضهم يقدم غير أقاربه على أقاربه في الزيارات, وقد يقدم زوجته على والدته, ومنهم من يقدم صديقه على والده, ومن الناس من يصل أقاربه إن وصلوه, ويزورهم إن زاروه, وإن قطعوه قطعهم, وهذا ليس بواصل رحمه؛ فالواصل الحقيقي كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الواصل بالمكافئ, ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها"(رواه البخاري).
عباد الله: هناك من يقطع أرحامه لأتفه الأسباب الدنيوية, ولا يسلم عليهم إن قابلهم, ولا يذكر حسناتهم والفضل القديم الذي بينهم والقرابة التي تجمعهم, وهذا خطأ عظيم.
والله -عز وجل- حرم القطيعة بين الأقارب؛ (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[البقرة: 27], ولعن الله قاطعي الأرحام, واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
ولا ترفع أعمال قاطع الرحم؛ بل قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة قاطع"(متفق عليه)؛ ومعنى قاطع أي: قاطع رحم, وقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب وليست صغيرة من الصغائر.
فاترك قساوة القلب -يا أخي- على قرابتك, وبادر بالصلة وكسب الحسنات والسمعة الطيبة, قبل وفات قريبك, ثم ستندم أشد الندم, وتحضر عزاءه وأنت متأسف من قساوتك معه وقطعك له, لكن كل ذلك لا ينفع.
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من الواصلين لأرحامنا, ولا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا, وأن يتوب علينا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي