الصبر على الطاعات, والمجاهدة في الثبات عند التنازلات, واليقين بنصرة الحق وقت الشدائد والأزمات, رمز البقاء, وبشرى بورد الحوض مع المصطفى, دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنصار فقال لهم: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً شَدِيدَةً؛ فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الكبير المتعال، وله الشكر بالغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شديد المحال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله وسلم وبارك عليه, وعلى آله وأصحابه وأزواجه, وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[الأنفال: 1].
أخرج الترمذي بسننه عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأَبِي: "يَا حُصَيْنُ! كَمْ تَعْبُدُ اليَوْمَ إِلَهًا؟", قَالَ أَبِي: سَبْعَةً, سِتَّةً فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ, قَالَ: "فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟", قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ, قَالَ: "يَا حُصَيْنُ! أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ", قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلِّمْنِيَ الكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي", لا فوز ولا نجاة, ولا فلاح ولا نجاح, إلا بالإقبال على الله!.
وأجدر خلق الله بالفوز مؤمن *** إلى الله أدى فرضه وتطوعا
امش في مناكب الأرض, وكل من رزق ربك, وابتغ من فضله, ولا تعرض فتعاقب بضنك العيش؛ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 124].
امش إلى الله سراعا في طاعاتك وإخباتك؛ ليهرول إليك في خيره ورضاه, وليكن الله تجاهك في أمورك, ومفزعك عند ملماتك, وإليه الحول والقوة عند ضعفك وعجزك, لا تلتجأ لمخلوق؛ فتذل نفسك, ولا تنس ربك فينساك.
يا أيها الإنسان إنك كادح *** إلى الله كدحا ما خلقت لتلعبا
فإن طبت سعيا تلقه عنك راضيا *** وإن سؤت سعيا تلقه عنك مغضبا
وحولك آفات من الخلق جمة *** تنوشك فاحذر أن تصاب وتعطبا
ومن فر من بعض العباد لبعضهم *** فقد فر من أفعى ليقرب عقربا
فكن هاربا منهم إلى الله وحده *** ولم أر غير الله للمرء مهربا
من اهتدى بهدى الله واستعمل ما وهبه الله من مَلَكات ومواهب استعمالا رشيدا، واتجه بها اتجاه خير وصلاح؛ كان مهتديا وفائزا حقا وصدقا؛ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)[الليل: 5 - 7], ومن أعرض عن ذكر ربه, واستعمل ما وهبه الله من مَلَكات ومواهب استعمالا سفيها، واتجه بها اتجاه شر وفسق وفساد؛ كان ضالا وخاسرا؛ (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)[الليل: 8 - 10] ، (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الأعراف: 186].
الصبر على الطاعات, والمجاهدة في الثبات عند التنازلات, واليقين بنصرة الحق وقت الشدائد والأزمات, رمز البقاء, وبشرى بورد الحوض مع المصطفى, دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنصار فقال لهم: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً شَدِيدَةً؛ فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ"(متفق عليه).
الحق أبلج والمنجاة عن كثب *** والأمر لله والعقبى لمن صلحا
يا ويح نفس توانت عن مراشدها *** وطرفها في عنان الغي قد جمحا
ترجو الخلاص ولم تنهج مسالكها *** من باع رشدا بِغيٍّ قلما ربحا
من أراد محبة الله فليلزم فرائضه, ومن أراد قربه فليلذ بجنابه، ولا يضعف عن دعائه, ومنافذ القربات كثيرة؛ "فاسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ, الصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا", هذه مقومات النجاح لمن أرادها, وبراهين الفوز لمن تمسك بها؛ "فمَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ".
بلغنا الله وإياكم منازل الأبرار, بجوار النبي المختار؛ (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر: 54، 55].
أستغفر الله لي ولكم, وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه؛ إن ربي غفور رحيم.
الحمد لله على إحسانه, والشكر له على فضله وامتنانه, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وآله وأصحابه.
أما بعد: من أراد أن تكتمل سعادته فليسعَ في فكاك نفسه, من تعلق الحقوق على رقبته فهي من كمال الخشية, وصدق الإقبال على الله, وللرسول وصحابتِه القدحَ المعلى في ذلك.
لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم على أبي بكر مالُ البحرين، فأمر مناديا فنادى: "من كان له عند النبي -صلى الله عليه وسلم- دينٌ أو عِدةٌ فليأتني", قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا", قال: فأعطاني، خمس مائة"(متفق عليه).
لا يمكن أن يكون الإنسان مخبتا حتى يكون لحقوق الخلق مؤديا؛ "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ"(أخرجه مسلم).
ولا يمكن أن ينجو المرء بصلاحه وعبادته وهو لأسرته وأهل بيته مضيعًا, ولتربيتهم مهملا؛ "وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ", "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"(متفق عليه).
اللهم اهدنا بهداك, واجعل أعمالنا في رضاك, اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي