الحق -جل جلاله-

د عبدالله بن مشبب القحطاني
عناصر الخطبة
  1. اسم الله الحق وحقيقته .
  2. لوازم الإيمان باسم الله الحق وأثره على العبد. .

اقتباس

فَالشَّرْطُ: الْإِذْعَانُ وَالتَّسْلِيمُ، وَالِاغْتِبَاطُ بِشَرْعِ اللَّهِ؛ وَالْمُؤْمِنُ مُتَوَاضِعٌ لِلْحَقِّ، مُنْقَادٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ كُلَّه فِي الْحَقِّ.. وَمَنْ رَدَّ الْحَقَّ بَعْدَ بَيَانِهِ فَهُوَ الْمُتَكَبِّرُ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ؛ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ: "الْكِبْرُ: بَطَرُ...

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللَّهِ: ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ: "أَنَّ الْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ جَاءَ إِلَى أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ يَوْمَ بَدْرٍ؛ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَاذَا سَمِعْتُ؟ تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ، أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا، حَتَّى إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ، وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ؟! وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا وَلَا نُصَدِّقُهُ، فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ وَتَرَكَهُ".

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ مِنْ دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ السَّلَفِ: "اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ".

وَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ الْحَقُّ: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ)[طه: 114]، (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ)[الْأَنْعَامِ: 62]؛ فَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْحَقُّ؛ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.

كَامِلُ الْوُجُوبِ، وَكَامِلُ الصِّفَاتِ وَالنُّعُوتِ، الْمُنَزَّهُ عَنِ الْبَاطِلِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ؛ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ -وَلَا يَزَالُ- بِالْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ مَوْصُوفًا، وَلَمْ يَزَلْ -وَلَا يَزَالُ- بِالْإِحْسَانِ مَعْرُوفًا.

بَاقٍ لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، سُنَّتُهُ حَقٌّ؛ وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِلَا تَبْدِيلٍ، وَشَرَائِعُه حَقٌّ؛ لَا يَأْتِيهَا الْبَاطِلُ، وَوَعْدُهُ حَقٌّ؛ لَا رَيْبَ فِيهِ، خَبَرُهُ حَقٌّ؛ لَا يَتَخَلَّفُ، وَلِقَاؤُهُ حَقٌّ؛ لَا رَيْبَ فِيهِ، فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَرَزَقَكُمْ مِنْهَا؟ وَمَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ؟ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ؟ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ؟

إِنَّهُ اللَّهُ رَبُّنَا الْحَقُّ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا مَثِيلَ لَهُ، وَلَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا نِدَّ لَهُ؛ فَهُوَ الْحَقُّ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَمَا سِوَى الْحَقِّ إِلَّا الْبَاطِلُ وَالضَّلَالُ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَهًا غَيْرَ اللَّهِ ادَّعَى بَاطِلًا وَكَذِبًا وَزُورًا؛ (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[الْحَجِّ: 62]، (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ)[يُونُسَ: 32]؛ فَرَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- الْحَقُّ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ، وَفِعْلُه حَقٌّ، وَلِقَاؤُهُ حَقٌّ، وَرُسُلُهُ حَقٌّ، وَكُتُبُهُ حَقٌّ، وَدِينُهُ حَقٌّ، وَعِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هِيَ الْحَقُّ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ فَهُوَ الْحَقُّ؛ (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ)[طه: 114].

وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ؛ فَرَبُّنَا الْحَقُّ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ حَقٌّ.

نَزَّلَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْكِتَابَ بِالْحَقِّ؛ (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ)[الشُّورَى: 17].

وَأَرْسَلَ رُسُلَه بِالْحَقِّ؛ (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)[الْبَقَرَةِ: 119].

وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ؛ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ)[الْأَنْعَامِ: 73].

وَقَصَّ الْقِصَصَ بِالْحَقِّ؛ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ)[الْكَهْفِ: 13].

وَوَعْدُ اللَّهِ حَقٌّ؛ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ؛ (أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)[يُونُسَ: 55].

وَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ الْحَقَّ، وَيَأْمُرُ بِهِ، وَلَا حَيَاءَ مِنَ الْحَقِّ؛ (وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)[الْأَحْزَابِ: 53].

وَمَنَحَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْحَقَّ قُوَّةً يَغْلِبُ بِهَا الْبَاطِلَ؛ (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)[الْأَنْبِيَاءِ: 18].

فَمَنْ تَمَسَّكَ بِالْحَقِّ نَجَا وَأَفْلَحَ، وَمَنْ كَفَرَ بِالْحَقِّ خَسِرَ وَذَلَّ، وَعِنْدَمَا تَمَسَّكَ الْمُسْلِمُونَ بِالْحَقِّ انْتَصَرُوا عَلَى الْبَاطِلِ؛ (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الْإِسْرَاءِ: 81].

وَهَذَا صِرَاعٌ أَبَدِيٌّ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؛ فَمَنْ كَانَ مَعَ اللَّهِ فَهُوَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَلَهُ النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التَّوْبَةِ: 33].

فَالْمُؤْمِنُونَ مُتَّبِعُونَ لِلْحَقِّ؛ (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ)[مُحَمَّدٍ: 3].

وَهُمْ يَتَوَاصَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ؛ (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[الْعَصْرِ: 1-3].

وَمَنِ ادَّعَى الْإِيمَانَ وَجَاءَ بِنَقِيضِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَّبِعًا لِلْحَقِّ، وَمَنْ تَرَكَ أَوْ تَسَاهَلَ أَوْ شَكَّ فِي حُكْمِ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ مُتَّبِعًا لِلْحَقِّ؛ حَتَّى لَوِ ادَّعَى ذَلِكَ؛ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النِّسَاءِ: 65].

فَالشَّرْطُ: الْإِذْعَانُ وَالتَّسْلِيمُ، وَالِاغْتِبَاطُ بِشَرْعِ اللَّهِ. وَالْمُؤْمِنُ مُتَوَاضِعٌ لِلْحَقِّ، مُنْقَادٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ كُلَّه فِي الْحَقِّ.

وَمَنْ رَدَّ الْحَقَّ بَعْدَ بَيَانِهِ فَهُوَ الْمُتَكَبِّرُ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ: "الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

فَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى الْحَقِّ؛ فَإِنَّمَا رَدَّ عَلَى اللَّهِ، وَتَكَبَّرَ عَلَيْهِ، رُوِيَ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- صَعَدَ الْمِنْبَرَ، وَأَرَادَ أَنْ يُحَدِّدَ الْمَهْرَ؛ بَعْدَمَا رَأَى مُغَالَاةَ النَّاسِ فِيهِ، فَتَقُومُ إِلَيْهِ الشِّفَاءُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ، وَتَقُولُ لَهُ: "لَيْسَ لَكَ هَذَا، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا)[النِّسَاءِ: 20]، فَبِأَيِّ حَقٍّ تُحَدِّدُهُ؟ فَيَقُولُ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَصَابَتِ امْرَأَةٌ، وَأَخْطَأَ عُمَرُ".

اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)[النَّمْلِ: 79]، مَا هُوَ الْأَمْرُ الْكَبِيرُ، وَالْكَرْبُ الشَّدِيدُ، وَالْهَمُّ الْعَظِيمُ الَّذِي يَسْتَعْصِي عَلَى رَبِّ الْعِزَّةِ؟ فَاللَّهُ هُوَ الْحَقُّ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ، وَوَعْدُهُ الْحَقُّ.

فَحَقَّ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَظُنَّ بِرَبِّهِ خَيْرًا، وَيَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَنْتَظِرَ مِنْهُ فَضْلًا، وَأَنْ يَرْجُوَ مِنْ مَوْلَاهُ لُطْفًا، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِعُهُودِهِ. فَلَا يَجْلِبُ النَّفْعَ إِلَّا هُوَ، وَلَا يَدْفَعُ الضُّرَّ إِلَّا هُوَ، وَلَهُ فِي كُلِّ نَفَسِ لُطْفٌ، وَفِي كُلِّ حَرَكَةٍ حِكْمَةٌ، وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ فَرَجٌ، جَعَلَ بَعْدَ اللَّيْلِ صَبَاحًا، وَبَعْدَ الْقَحْطِ غَيْثًا.

وَاللَّهُ لَا يَرُدُّ دَعْوَةَ مُؤْمِنٍ صَادِقٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ -جَلَّ وَعَلَا- هُوَ الْحَقُّ، وَوَعْدُهُ حَقٌّ؛ فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَالَ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غَافِرٍ: 60]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

إِذَنْ؛ فَمُشْكِلَاتُكَ جَمِيعُهَا إِلَى حُلُولٍ، وَكُلُّ آلَامِكَ إِلَى عَافِيَةٍ، وَكُلُّ أَحْلَامِكَ إِلَى وَاقِعٍ، وَكُلُّ دُمُوعِكَ إِلَى ابْتِسَامَةٍ.. اطْمَئِنَّ؛ فَإِنَّ بَعْدَ الْفَقْرِ غِنًى، وَبَعْدَ الظَّمَأِ رَيٌّ، وَبَعْدَ الْفِرَاقِ اجْتِمَاعٌ، وَبَعْدَ الْهَجْرِ وَصْلٌ، وَبَعْدَ الِانْقِطَاعِ اتِّصَالٌ؛ (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 48].

يَا مَنْ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ يَبْتَهِلُ *** وَكُلُّ حَيٍّ عَلَى رُحْمَاهُ يَتَّكِلُ

أَنْتَ الْمُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ *** وَأَنْتَ مَلْجَأُ مَنْ ضَاقَتْ بِهِ السُّبُلُ

إِنَّا قَصَدْنَاكَ وَالْآمَالُ وَاقِعَةٌ *** عَلَيْكَ وَالْكُلُّ مَلْهُوفٌ وَمُبْتَهِلُ

فَإِنْ غَفَرْتَ فَعَنْ طَوْلٍ وَعَنْ كَرَمٍ *** وَإِنْ سَطَوْتَ فَأَنْتَ الْحَاكِمُ الْعَدْلُ

وَأَخِيرًا: إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُقَرِّبُكَ مِنْهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فَهُوَ حَقٌّ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُبْعِدُكَ عَنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ.

اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي