إنَّ من أشدِّ أمراض القلوب قسوتها, فعلى المرء أن يتعاهد قلبه ويعمل على علاج قسوته.. أما آنَ للقلب أن يلين, إن وُعظَ اتَّعظ وإن ذُكِّر تذكَّر, وإن أذنب صاحبه استغفر,...
الحمد لله الذي رفع أقواماً بالقرآن, فاهتدوا بهدي كتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلقنا لعبادته وبعث إلينا خير رسله, وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: إنَّ من أشدِّ أمراض القلوب قسوتها, فعلى المرء أن يتعاهد قلبه ويعمل على علاج قسوته, ومن علامات قسوة القلب ما يلي:
أولاً: غفلة القلب عن الآخرة, ونظره إلى الدنيا على أنَّها غنيمة يوالي ويعادي عليها, إن أحبَّ أحبَّ للدنيا وإن أبغض أبغض عليها, يجمع الملايين ولا يشبع حتى إنَّه ليرى فقره ماثلاً أمام عينيه, إن ذُكِّر بالآخرة ما تذكَّر وإن وُعِظَ ما اتَّعظ.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "شغلوا قُلُوبهم بالدنيا وَلَو شغلوها بِالله وَالدَّار الْآخِرَة لجالت فِي مَعَاني كَلَامه وآياته المشهودة وَرجعت إِلَى أَصْحَابهَا بِغَرَائِب الحِكَم وطُرَفِ الْفَوَائِد, إِذا غُذِّي الْقلب بالتذكر, وسُقيَ بالتفكّر, ونُقِّيَ من الدغل رأى الْعَجَائِب وأُلهم الْحِكْمَة"(الفوائد لابن القيم: ص98).
ثانياً: قلة ذِكْر الله وهجر تلاوة القرآن الكريم, فلا يقرأه إلا نادراً إلا ما كان في رمضان, وهو كذلك ساهٍ عن الاستغفار والتوبة, ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستغفر الله في يومه مائة مرة, قال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ"(رواه مسلم).
ثالثاً: الاستهانة بالمعاصي واقترافها, قال ابن المبارك -رحمه الله-:
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخير لنفسك عصيانُها
رابعاً: التفريط في الفرائض تأخيراً للصلاة عن وقتها, يسمع النداء وكأنَّه لا يسمعه, كأنَّ في أذنيه صمم.
خامساً: طول الأمل, يظنُّ أنَّه سيعيش أبداً في الدنيا, فيسوِّف التوبة ولا يذكر الموت والبلى, قال الله -تعالى- عن بني إسرائيل لمَّا قست قلوبهم: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)[البقرة: 74]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "صارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة بعدما شاهدوه من الآيات والمعجزات فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها أو أشد قسوة من الحجارة" (تفسير ابن كثير: 1/304).
وقال المناوي -رحمه الله-: "طول الأمل غرور وخداع؛ إذ لا ساعة من ساعات العمر إلا ويمكن فيها انقضاء الأجل, فلا معنى لطول الأمل المورِث قسوة القلب وتسليط الشيطان وربَّما جر إلى الطغيان"(فيض القدير: 5/328).
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وتُبْ علينا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
عبد الله: أما آنَ للقلب أن يلين, إن وُعظَ اتَّعظ وإن ذُكِّر تذكَّر, وإن أذنب صاحبه استغفر, ولتعلموا أنَّ من أسباب رقَّة القلب: أولاً: كثرة ذكر الله تلاوة للقرآن الكريم بتدبُّر, وتسبيحاً واستغفاراً وتوبة ودعاء. ثانياً: الرحمة بالضعفاء والمساكين والأيتام والأطفال والإحسان إليهم, وتذكُّر الموت وزيارة القبور. ثالثاً: إنَّ صاحب القلب الرقيق إذا ذكر الله خالياً لا يراه أحد من الناس فاضت عيناه خشية لله -تعالى-, وهذا واحد من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، جعلني الله وإيَّاكم منهم.
فيا من يجد في قلبه قسوة متى يسعى إلى علاجه حتى يكون قلباً رقيقاً خاشعاً لذكر الله قال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[الحديد: 16].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي