رجل اهتز لموته عرش الرحمن

عدنان مصطفى خطاطبة
عناصر الخطبة
  1. قصة إسلام سعد بن معاذ .
  2. جهاد سعد وحكمه في بني قريظة .
  3. استشهاده -رضي الله عنه- .
  4. ما أكرمه الله -تعالى- به بعد موته. .

اقتباس

أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ؟! قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سريعا يَجُرُّ ثَوْبَهُ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

أما بعد: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[يوسف: 111]، عبرة للدعاة، عبرة للمجاهدين المخلصين، عبرة لأصحاب العقول الراجحة والقلوب المؤمنة، عبرة للأمة في معركتها مع اليهود والصليبين إلى يوم الدين.

نقف في هذه الخطبة مع رجل ممن امتلأ قلبه بالإيمان، وعمرت نفسه بمعرفة الرحمن، من أولئك السابقين المتقدمين المؤثرين في مجريات تاريخ الإسلام في مدينة خير الأنام، نقف مع رجل اهتزّ عند موته عرش الله، نقف مع ذلك الصحابي الجليل سعد بن معاذ، بكل إجلال لهيبته وتوقير لسيرته، وتقدير لجهوده، نقف لنقّص القصص؛ لعل الله أن يجعل لنا فيها العبرة والفكرة, والموعظة والمنفعة.

أيها المؤمنون: أتعرفون قصة إسلام سعد بن معاذ؟؛ لقد كانت عبرة حقا، فلنستمع إليها.

أخرج ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره: "أن أسعد بن زُرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني ظَفَر -وكان سعد بن معاذ ابنَ خالة أسعد بن زرارة-, فدخل به حائطاً من حوائط بني ظَفَر على بئر يقال له: بئر مَرَق، فجلسا في الحائط -البستان من النخيل-، واجتمع إليهما رجال ممَّن أسلم -وسعد بن معاذ وأُسَيد بن حُضَير يومئذٍ سيِّدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه-, فلمَّا سمعا به قال سعد لأُسَيد: لا أباً لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللَّذين قد أتيا دارَيْنا؛ ليسفِّها ضعفاءنا فازجرهما وانهَهُما أن يأتيا دارَيْنا؛ فإنَّه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتُك ذلك، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدَّماً.

قال: فأخذ أسيد بن حُضَير حربته ثم أقبل إليهما, فلمَّا رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيِّد قومه, وقد جاءك فأصدق الله فيه, قال مصعب: إن يجلس أكلمه, قال فوقف عليهما مُتَشَتِّماً فقال: ما جاء بكما إلينا تسفِّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة, فقال له مصعب: أوَ تجلس فتسمع؛ فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهتَه كُفّ عنك ما تكره, قال: أنصفتَ، قل, ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلَّمه مصعب بالإِسلام، وقرأ عليه القرآن, فقالا فيما يُذكر عنهما: والله لَعَرفنا في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلَّم في إشراقه وتسهُّل، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟, قالا له: تغتسل فتطَّهَّر وتُطهِّر ثوبَيْك، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلِّي, فقام فاغتسل وطهَّر ثوبيه وتشهَّد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما: إنَّ ورائي رجلاً إن اتَّبَعكما لم يتخلَّف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن؛ سعدَ بن معاذ.

ثم أخذ أسيد حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أُسَيْد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم, فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟, قال: كلَّمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حُدِّثت أنَّ بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنَّه ابن خالتك ليَحْقِروك, قال: فقام سعد بن معاذُ مُغْضَباً مبادراً تَخوُّفاً للذي ذُكر له من بني حارثة، وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً.

ثم خرج إليهما سعد فلما رآها مطمئنين عرف أن أسَيْداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف مُتَشَمِّتاً، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أُمامة! أمَا -والله- لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمْتَ هذا منِّي، أتَغْشانا في دارنا بما نكره؟! قال: وقد قال أسعد لمصعب: أيْ مصعب جاءك -والله- سيِّدُ مَنْ وراءَه من قومه، إِن يتبعك لا يتخلَّف عنك منهم اثنان, قال: فقال له مصعب: أوَ تقعد فتسمع؛ فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قَبلْتَه، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره, قال سعد: أنصفت, ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإِسلام، وقرأ عليه القرآن -وذكر موسى بن عقبة أنَّه قرأ عليه أول الزخرف-، قالا: فعرفنا -والله- في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلَّم في إشراقه وتسهُّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟؛ قالا: تغتسل فتطَّهَّر، وتُطَهِّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلِّي ركعتين, قال: فقام فاغتسل وطهَّر ثوبيه وشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عائداً إلى نادي قومه ومعهم أُسَيْد بن حضير.

فلمَّا رآه قومه مقبلاً قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم, فلمَّا وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل! كيف تعلمون أمري فيكم؟؛ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً وأيمننا نقيبة, قال: فإنَّ كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة.

ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زُرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإِسلام، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون؛ إلا ما كان من دار بني أُمية بن زيد، وخَطْمة, ووائل، وواقف، وتلك أوس".

أيها المؤمنون: يا ليت كل أب يقف مثل هذا الموقف مع أهل بيته إذا ما رآهم غارقين في المعاصي, هاتكين  لحقوق الله، لا كحال بعض الآباء اليوم لا يكترث لأهل بيته، ولا يبالى بتقصيرهم وتضيعهم لحقوق الله، ولا باحتراق بيته ومن فيه بالمعاصي, كأنّ بيوتنا -والله- لم تعد بيوتنا، ولكأنّ أهلنا لم يعودوا أهلنا، حتى لم نعد نسمع مجرد التشجيع من الآباء لأبنائهم وبناتهم وزوجاتهم على الالتزام بشريعة الله، هذا إنْ لم يسهل لهم بعض الآباء فعل المعاصي، وإن لم يشجعهم على الحرام والعياذ بالله!, أوليس قد قال لنا ربنا -سبحانه-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6]؟!.

أيها المسلمون: ويصبح سعد عبدا لله، مؤمنا، طائعا، صالحا مصلحا، مجاهدا في سبيل الله، ويقضي عمره ناصرا للإسلام وأهله، ومدافعا عنه ومجاهدا معليا لكلمة الله، بالقول وبالسيف؛ فقد شهد سعد بن معاذ غزوة بدر، وكان ممن ثبت في غزوة أحد، وأما يوم الخندق، فقد كانت عَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلَّصَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كُلُّهَا، فرُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَلَ, قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: رَمَاهُ حِبَّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ, فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا؛ فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَكَ وَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ, اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهَا لِي شَهَادَةً, وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تَقَرَّ عيني من بنى قُرَيْظَة. قال الراوي: فرقأ كلمه -جرحه-، أي: انقطع الدم.

وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَةَ وَلِيِّهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ فَحَكَمَ فِيهِمْ بِقُدْرَتِهِ وَتَيْسِيرِهِ، وَجَعَلَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ ذَلِكَ, فَحَكَمَ بِقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ، حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ فَوق سبع أَرْقِعَ".

ثُمَّ دَعَا سَعْدٌ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنْ كنت أبقيت على نبيك مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ", فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ وَكَانَ قَدْ بَرِئَ حَتَّى لَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا مِثْلُ الْخُرْصِ، وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ- وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، قَالَتْ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ بُكَاءَ عُمَرَ مِنْ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي، وَكَانُوا كَمَا قَالَ الله: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: 29].

قال ابن كثير في السيرة النبوية: "فَلَمَّا حَكَمَ فِيهِمْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ وَشَفَى صَدْرَهُ مِنْهُمْ وَعَادَ إِلَى خَيْمَتِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا الله -عز وجل- أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ، وَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ مَا عِنْده فانفجر جرحه من اللَّيْل، فَلَمَّا يَزَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جُرْحُهُ فَمَاتَ مِنْهُ شَهِيدًا, حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ؟! قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سريعا يَجُرُّ ثَوْبَهُ إِلَى سَعْدٍ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسَعْدٍ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ يدْفن: "سُبْحَانَ الله! لهَذَا الصَّالِحِ الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ, وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ", وعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَدْ نَزَلَ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ, مَا وَطِئُوا الْأَرْضَ قَبْلَهَا", وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مساور، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ", وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟! لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَيْرٌ مِنْهَا أَوْ أَلْيَنُ".

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

مات سعد بن معاذ -رضي الله عنه-، مات سعد، قاهر اليهود وأعداء الملّة، وناصر الدين والشرعة، مات سعد بن معاذ ولكن لم يمت أبناء سعد ولا أتباع سعد، ولا أنصار سعد؛ بل حملوا الراية من بعده, وتابعوا الطريق من بعده، وجاهدوا وذادوا عن حمى الإسلام والمسلمين، وسيبقى في الأمة من أتباع سعد إلى أن تقوم الساعة، يحملون راية الإسلام ويدافعون عن رسالة الرحمن, وينشرون دعوة التوحيد، بكل إخلاص وصدق وعزيمة وإيمان.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي