"حسبنا الله ونعم الوكيل" كلمة التجاءٍ إلى الله -عزَّ وجلَّ-، تقولها طالبًا مدَّ الله وعونه فيما أهمك من جلب نعماءٍ أو دفع ضرٍّ وبلاء. و"الحسيب" الكافي من توكل إليه، الذي هو وحده يدفع عن عبده ما أهمَّه، ويجلب له خيره ومصالحه في دنياه وأُخره؛ فالله -عزَّ وجلَّ- هو "الحسيب" أي الكافي الذي يكفي عبده ما أهمَّه في باب جلب المنافع، وفي باب دفع المضار.
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إليْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأّشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ وسلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِين.
أمَّا بَعْدُ: أيُّها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه مراقبة من يَعلَمُ أنَّ ربَّهُ يسمعه ويراه.
عباد الله: إن من الأذكار العظيمة والكلمات المباركة التي يجدُرُ بكلِّ مسلمٍ أن يُعنى بها: كلمةَ توكلٍ على الله، وحُسْنَ التجاءٍ إلى الله -عزَّ وجلَّ- وردت في كتابِ اللهِ العزيز وفي سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، من حفِظَها وحافظ عليها كان حريًّا بالتوفيق والسداد، وأن يُكفىٰ ما أهمَّه من أمر دينه ودنياه؛ ألا وهي -عباد الله- كلمةُ: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، وهي -أيُّها المؤمنون- كلمةَ التجاءٍ واستعانةٍ واعتمادٍ وتوكُّلٍ على الله -عزَّ وجلَّ-، وهي يُؤتى بها في باب جلب المنافع ودفع المضار، وهي تعني: توكل العبد على الله، والتجاءه إلى الله، وطلب مَدِّه وعونه وتوفيقه وتسديده.
وقد ذُكرت -عباد الله- هذه الكلمة في كتاب الله -جلَّ وعلا- في مقام طلب المنافع، وفي مقام دفع المضار: فمن الأول: قول الله -تبارك وتعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ)[التوبة: 59].
ومن الثاني -عباد الله-: قول الله -تبارك وتعالى-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)[آل عمران: 173-174].
وجُمِعَ الأمران في قول الله -عزَّ وجلَّ-: (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)[الزمر: 38] فقوله جل وعلا: (قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ) أي: في جلب النعماء، ودفع الضرِّ والبلاء.
عباد الله: ومما يُؤكَّدُ عليه في هٰذا المقام -مقام ذكر الله -عزَّ وجلَّ- فهم الأذكار على بابها والإتيان بها في مواضعها دون إخلالٍ في المواضع والمعاني، وكثيرًا ما يقع كثيرٌ من الناس في أخطاء في باب الأذكار؛ إما في عدم الإتيان بها في مواضعها المناسبة، أو في عدم فهم معانيها ودلالاتها ومقاصدها.
وكلمة: "حسبنا الله ونعم الوكيل" كلمة التجاءٍ إلى الله -عزَّ وجلَّ- تقولها طالبًا مدَّ الله وعونه فيما أهمك من جلب نعماءٍ أو دفع ضرٍّ وبلاء، وقد جاء في عمل اليوم والليلة لابن السُّني -رحمه الله تعالى- بإسنادٍ إلى أبي الدرداء وهو يُروىٰ مرفوعًا وموقوفًا -والموقوف صحيحٌ ثابت وله حكم الرفع- أنه قال: "من قال حين يصبح وحين يمسي سبع مرات: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم؛ كفاه الله همه من أمر الدنيا والآخرة" فهي كلمة التجاء إلى الله، ويُستحضر في هذا المقام: أن (الحسيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى؛ كما قال الله -تعالى- في موضعين من القرآن: (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[النساء: 6]، [الأحزاب: 39].
والحسيب -عباد الله- أي: الكافي من توكل إليه، الذي هو وحده -جلَّ وعلا- يدفع عن عبده ما أهمَّه، ويجلب له خيره ومصالحه في دنياه وأُخره؛ فالله -عزَّ وجلَّ- هو الحسيب: أي الكافي الذي يكفي عبده ما أهمَّه في باب جلب المنافع وفي باب دفع المضار.
عباد الله: فما أحرانا أن نُعنى بهذه الكلمة العظيمة متأملين في معناها متدبرين لدلالتها، وأن نأتي بها في مواضعها المناسبة لنُكفى ونوقى بإذن الله -عزَّ وجلَّ-، روى البخاري في صحيحه عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَام- حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَالُوا (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)؛ فكلمة "حسبنا الله" هي كلمة الأنبياء، وهي كلمة التجاء إلى الله -عزَّ وجلَّ- واعتصامٌ به سبحانه وتعالى.
أيُّها المؤمنون: ومن الأخطاء الشائعة في هٰذا الباب أنَّ بعض العامة يقول في استخدامه لهذه الكلمة، يقول: "حسبي الله على فلان"، وفعله هذا يوصف بالتحسُّب؛ يُقال: تحسَّبَ فلانٌ على فلانٍ الذي ظلمه بأن قال "حسبي الله عليه" أو "حسبي الله علىٰ فلان" أو نحو ذٰلك مما هو يدور في هٰذا المعنى؛ وهٰذا -عباد الله- ليس له أصلٌ في الألفاظ المأثورة المشروعة الواردة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا عن صحبه الكرام -رضي الله عنهم وأرضاهم-.
أقول ذٰلك بعد مراجعةٍ مُطولَّة ونظرٍ في الأدلة الواردة في الباب، ومن جهةٍ أخرى فليس له معنىً مستقيم إذا تأملنا معنى التحسب وأنه طلب الكفاية من الله -عزَّ وجلَّ-؛ ولهذا ينبغي علينا مراعاة الأذكار الشرعية المذكورة بألفاظها الواردة وفي أبوابها التي جاءت في سنة نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا أجمعين لذكره وشكره وحسن عبادته على الوجه الذي يرضيه عنا، وهو جلَّ وعلا حسبنا ونعم الوكيل.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيُّها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-؛ فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير دينه ودنياه.
أيُّها المؤمنون: تذكروا -رعاكم الله- أننا في هذه الحياة الدنيا في دار ممر وعبورٍ ومن ورائها الدار الآخرة يوم نقف أجمعين بين يديِّ الله -عزَّ وجلَّ- وهناك يُسأل العباد عما قدَّموا في هذه الحياة، فمن علم أنَّه واقفٌ بين يدي الله وأنَّ الله -عز وجل- سائله على ما قدَّم فليعد للمسألة جوابًا، وليكن الجواب صوابًا، والكيِّس من دان نفسه وعمِلَ لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأمانيِّ.
واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النَّار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وارض اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهمَّ آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهمَّ وفق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى، اللهمَّ وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهمَّ آتِ نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكَّها، أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهمَّ أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا.
اللهمَّ اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقَّه وجله أوله وآخره سرَّه وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي