الأسباب المعينة على الخلاص من الذنوب

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
عناصر الخطبة
  1. الذنوب والمعاصي قيود تعيق عن طاعة الله .
  2. بعض الأمور المعينة على الخلاص من الذنوب والفكاك منها .

اقتباس

عباد الله: كثيرًا ما يسأل من كبَّلتهم الذنوب، وأرَّقتهم الخطايا، والمعاصي وأعاقتهم عن سلوك سبيل طاعة الله -جل وعلا- عن الأسباب المعينة لهم على الخلاص من الذنوب، والفكاك منها. وكذلك -عباد الله- مثل هؤلاء من تنازعهم نفوسهم لفعل الذنوب والمعاصي بسبب كثرة المغريات، وتنوّع دواعي الشهوات. وهذه وقفة فيها بيان لبعض الأمور المعينة لعبد الله المؤمن على...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم، وراقبوه في جميع أعمالكم، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31].

عباد الله: كثيرًا ما يسأل من كبَّلتهم الذنوب، وأرَّقتهم الخطايا، والمعاصي وأعاقتهم عن سلوك سبيل طاعة الله -جل وعلا- عن الأسباب المعينة لهم على الخلاص من الذنوب، والفكاك منها.

وكذلك -عباد الله- مثل هؤلاء من تنازعهم نفوسهم لفعل الذنوب والمعاصي بسبب كثرة المغريات، وتنوّع دواعي الشهوات.

وهذه وقفة -عباد الله- فيها بيان لبعض الأمور المعينة لعبد الله المؤمن على الخلاص من الذنوب، والفكاك منها.

أيها المؤمنون: من أعظم المعينات: الحياء من الله -جل في علاه-، فإن العبد إذا علم بنظر الله إليه، واطلاعه عليه، وأنه من الله بمسمع ومرآى، وأن الله -عز وجل- لا تخفى عليه خافية، استحيا من الله أن يراه حيث نهاه، وأن لا يراه حيث أمره.

ومن المعينات -عباد الله-: محبة الله -جل وعلا- الذي يجب أن تعمر بها القلوب، فإن هذه المحبة من أعظم الروادع، وأشدها دفعًا للذنوب، فإن المحب لمن أحب مطيع.

أيها المؤمنون: ومن المعينات على الخلاص من الذنوب: الخوف من الله -جل وعلا-، ويحرك هذا الخوف في القلب: أن يكون على معرفة بالله وعظمته جل في علاه، وشدة انتقامه، ووعده ووعيده، ودار جزائه، وما أعد فيها من أنواع العقوبات.

أيها المؤمنون: ومن الأمور المعينة للعبد على الخلاص من الذنوب: معرفة نعم الله -عز وجل-؛ فإن نعم الله -جل وعلا- تتتالى على العبد، وتتوالى عليه في كل وقت وحين، فلا يليق بعبدٍ نعم الله عليه تتتالى أن يقابل هذه النعم بذنوبٍ تسخط المنعَم، وتزيل النعم.

أيها المؤمنون: ومن الأمور المعينات على الخلاص من الذنوب: النظر في عواقبها الوخيمة، ومآلاتها الأليمة، وأضرارها المتنوعات في الدنيا والآخرة.

ومن المعين على الخلاص من الذنوب: شرف النفس وزكائها ورفعتها وعلوها، فلا يليق بصاحب نفسٍ شريفة أن يدنِّسها ويحقرها ويلوثها بأوضار الذنوب والمعاصي: (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ)[الحجرات: 11].

أيها المؤمنون: ومن الأمور المعينة على الخلاص من الذنوب: قصر الأمل، وأن يستحضر العبد أن مدة المقام في هذه الحياة الدنيا لا يطول، فإن الآخرة مقبلة والدنيا مدبرة، فلا أنفع للعبد من قصر الأمل، ولا أضر عليه من التسويف وطول الأمل.

أيها المؤمنون: ومن الأمور المعينة للعبد على الخلاص من الذنوب: تجنب الفضول؛ فضول المطعم والمشرب والمأكل والملبس وغير ذلك، فإن كثرة الفضول تمرض القلب، وتعيق عن الوصول.

أيها المؤمنون: ومن الأمور المعينات على الخلاص من الذنوب والفكاك منها: تجديد الإيمان؛ فإن الإيمان بحاجة إلى أن يُجدد، وفي الحديث المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِنَّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ".

نعم -عباد الله- إذا تجدد الإيمان في القلب أبعد عن النفس تعلقها بالذنوب، وإقبالها على المعاصي، ودعاها إلى ما يقرب من الله ويدني من رحمته جل في علاه.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على نعمائه، والشكر له على فضله ومنِّه وعطائه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-.

عباد الله: هذه المذكورات إنما هي وسائل وأسباب تعين العبد على الخلاص من الذنوب والنجاة منها، وهي لا تكفي وحدها، بل لا بد مع هذه الأسباب وبذل الوسع في الإتيان بها أن يستعين بالله، وأن يطلب المد والعون منه جل في علاه، وأن يصدق في الدعاء، وأن يحسن في الالتجاء، وأن يكثر من الإلحاح على الله -جل في علاه-، ومن عظيم الدعاء المأثور: "اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل".

أيها المؤمنون: مطرنا بفضل الله ورحمته، نسأل الله -جل في علاه- أن يجعله صيبًا نافعا، وأن يجعله قوًة لنا وبلاغًا إلى حين.

هذا، وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا، وحافظًا ومؤيدا.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، وأعِنه على طاعتك وسدِّده في أقواله وأعماله، اللهم وفِّقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.

اللهم إنا نسالك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونعوذ بك من شر ما عاذ منه عبدك ورسولك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم اغفر لنا ووالدينا ووالديهم وذرياتهم، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي