التبكيرُ لأداءِ الصلواتِ المفروضةِ

ضيدان بن عبد الرحمن اليامي
عناصر الخطبة
  1. المبادرة إلى الصلاة علامة حب وتعظيم .
  2. الهدي النبوي في التبكير إلى الصلوات .
  3. السلف والصلاة .
  4. فضائل التبكير للصلوات .
  5. أثر التبكير للصلوات في القلب .

اقتباس

المبادرةُ إلى صلاةِ الجماعة، والتبكيرُ في الذهاب إلى المساجدِ لأداءِ الصلواتِ المفروضةِ، من فضائلِ الأعمالِ التي يَغْفل عنها ويقصِّرُ فيها كثيرٌ من الناسِ اليوم، فالمؤمنُ حين يذوقُ طعمَ الإيمان، ويستشعرُ لذةَ العبادة، لا يكادُ يصبرُ حتى يسمعَ النداءَ ليذهبَ إلى المسجد، بل تجدُهُ مُسارعًا مُسابقًا، لا يَدخلُ وقتُ الصلاةِ إلا وقد اشتاقَ إليها ..

 

 

 

 

 

عباد الله: المبادرةُ إلى صلاةِ الجماعة، والتبكيرُ في الذهاب إلى المساجدِ لأداءِ الصلواتِ المفروضةِ، من فضائلِ الأعمالِ التي يَغْفل عنها ويقصِّرُ فيها كثيرٌ من الناسِ اليوم، فالمؤمنُ حين يذوقُ طعمَ الإيمان، ويستشعرُ لذةَ العبادة، لا يكادُ يصبرُ حتى يسمعَ النداءَ ليذهبَ إلى المسجد، بل تجدُهُ مُسارعًا مُسابقًا، لا يَدخلُ وقتُ الصلاةِ إلا وقد اشتاقَ إليها، ويَصْدقُ عليه وصفُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديثِ العظيم، عن أَبي هريرةَ -رضي الله عنه-، عن النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ في عِبَادَةِ الله -عز وجل-، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ...". الحديث. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

ولا شك أن التبكيرَ إلى صلاةِ الجماعةِ، والحرصَ على إدراكِ تكبيرتِها الأولى، دليلٌ على تعظيمِ هذه الشعيرة، وحبِها، والرغبةِ فيها، وهو دليلٌ أيضًا على صلاحِ العبدِ ودينِهِ وتقواه.

وانظروا إلى حَالِ النبي –صلى الله عليه وسلم– إذا دخلَ عليه وقتُ الصلاة، عن أمِّ المؤمنين عائشةَ -رضي الله عنها- أنها سئلت عن حالِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في بيتِهِ، فقالت: "إنه يكونُ في خِدْمَةِ أهلِهِ، ويعجنُ العجينَ أحيانًا، فإذا سَمِعَ حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، فكأنه لا يعرفنُا ولا نعرفُهُ". متفق عليه. علمًا أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يدخلُ إلا إذا حانَ وقتُ إقامةِ الصلاة، وهذه هي السنةُ للإمام بخلاف غيره، فكان -صلى الله عليه وسلم- حين يسمعُ النداءَ يشتغلُ بالاستعدادِ للصلاة وصلاة النوافل قبلها في بيته، فإذا حان وقتُ الصلاةِ خَرَج ليصليَ بالناس، ليس كحالنِا اليوم لا ننشغل، ولا نشتغلُ، ولا نتشاغلُ إلا إذا حانَ وقتُ الصلاة، لا تأتي المجالسُ والمحادثاتُ إلا في وقتِ الصلاة، وربما كان هذا نوعًا من هوان هذه الشعيرةِ عند بعضنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال سفيان الثوري: "مجيئُك إلى الصلاةِ قبلَ الإقامة، توقيرٌ للصلاة".

وقال إبراهيم التيمي: "إذا رأيت الرجلَ يتهاونُ في التكبيرةِ الأولى فاغسلْ يدكَ منه".

وكان وكيعُ بنُ الجراحِ يقول: "من لم يدركِ التكبيرةَ الأولى فلا ترجُ خيرَه".

بل كان بعضُ السلفِ يَعُدُّونَ الذهابَ إلى المسجدِ بعد الأذان تقصيرًا، وأن الفضلَ هو في الذهابُ قَبلَ النداء؛ قال سفيانُ بنُ عيينة: "لا تكن مثلَ عبدِ السوء، لا يأتي حتى يُدعَى، ائت الصلاةَ قبل النداء". كلُّ ذلك تعظيمًا لقدرِ هذه الصلاة، وأدائِها في المساجد.

وفي التبكير إلى الصلاة عدّةُ فضائلٍ؛ نذكر منها: روى ابن المنذر عن أنس بنِ مالكٍ -رضي الله عنه- في تفسيرِ قولِهِ تعالى: (سَابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [الحديد: 21]، أنها التكبيرةُ الأولى.

وذكره بعضُ المفسرين عن مكحول، وسعيدِ بنِ جبيرٍ من التابعين.

روى عبدُ الرزاق في المصنف من طريقٍ صحيحٍ عن أنس -رضي الله عنه- قال: "من لم تفتْه الركعةُ الأولى من الصلاة أربعين يومًا كُتبت له براءتان: براءةٌ من النار، وبراءةٌ من النفاق". وفي سنن الترمذي: "من صلى لله أربعين يومًا في جماعةٍ يدركُ التكبيرةَ الأولى كُتبت له براءتان: براءةٌ من النار، وبراءةٌ من النفاق".

وجاء عن مِيثم، رجلٍ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بلغني أن الملَكَ يغدو برايتِهِ مع أولِ من يغدو إلى المسجد، فلا يزال بها معه حتى يرجعَ يدخلُ بها منزلَه، وإن الشيطانَ يغدو مع أولِ من يغدو برايتِهِ إلى السوقِ، فلا يزالُ بها حتى يرجعَ فيُدْخِلَها منزلَه".

وفي التبكيرِ إلى صلاةِ الجماعةِ تَحصيلُ أجرِ انتظارِ الصلاة، والمكثِ في المسجد، ودعاءِ الملائكة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "لا يَزَالُ أحَدُكُمْ في صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمنَعُهُ أنْ يَنقَلِبَ إلى أهلِهِ إلاَّ الصَّلاةُ". متفقٌ عَلَيْهِ.

وعنه -رضي الله عنه-: أنَّ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ". رواه البُخَارِيُّ.

كما فيه تحصيلُ فضيلةِ الصلاةِ في الصف الأول، عن أَبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ والصَّفِ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ، ولو يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً". متفقٌ عَلَيْهِ.

والاسْتِهَامُ: الاقْتِرَاعُ، وَالتَّهْجِيرُ: التَّبْكِيرُ إِلَى الصَّلاةِ، والعتمةُ: وقتُ صلاةِ العشاءِ الأخيرة.

وعنه –رضي الله عنه- قَالَ: قال رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أوَّلُهَا". رواه مُسلِم.

وكما فيه تحصيلُ فضيلةِ إدراكِ التأمين مع الإمام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". رواه البخاري ومسلم.

وهو في صلاة ما دام ينتظرُ الصلاة، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يَزَالُ أحَدُكُمْ في صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمنَعُهُ أنْ يَنقَلِبَ إلى أهلِهِ إلاَّ الصَّلاةُ". متفقٌ عَلَيْهِ.

ومن بكَّر في حضورِ الجماعة أمكنه الاستفادةُ من الوقتِ بين الأذانِ والإقامةِ بصلاةِ السنةِ الراتبة أو تحيةِ المسجد، وقراءةِ ما تيسر من القرآن، وشُغلِ الوقتِ بالدعاءِ بالخيرِ في الدنيا والآخرة، فإن ما بين الأذانِ والإقامةِ من مواطنِ إجابةِ الدعاء؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، فَادْعُوا". صحيح، رواه أحمد وغيرُه.

فشتان بين من يحضرُ للصلاةِ مبكرًا، وبين من يحضرُ إلى الصلاةِ مُسْرِعًا ليدركَ مع المصلين ما فاته، فشتان ما بين الاثنين في حصولِ الخيرِ والأجر.

انتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة سببٌ في محو الخطايا ورفعِ الدرجات، وهو من الرباطِ في سبيل الله، عَنْ أبي هريرة –رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟!"، قَالُوا: بَلَى يَا رسولَ اللهِ، قَالَ: "إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ". رواه مسلم.

إنَّ من يأتي إلى الصلاة مبكرًا غالبًا ما يأتي إليها بسكينة ووقار، فيكون ممتثلاً أمرَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، بخلاف المتأخرِ عن الصلاةِ؛ فإنه غالبًا ما يأتي إليها مستعجلاً غيرَ متّصفٍ بالسكينةِ والوقار، عن أَبي هريرة -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ تَأتُوهَا وَأنْتُمْ تَسْعَونَ، وَأتُوهَا وَأنْتُمْ تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أدْرَكْتُم فَصَلُّوا، وَمَا فَاتكُمْ فَأَتِمُّوا". متفقٌ عَلَيْهِ.

بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

وفي هدي السلفِ الصالحِ من النماذج التي تبعثُ الهمةَ في القلب، وتبثُ العزيمةَ في النفس، وتدعو كلَّ مقصِّرٍ ومفرِّطٍ إلى الحياءِ من رب العالمين، حيث يتسابقُ إليه العبادُ والزهادُ، وهو في غفلتِهِ ساهٍ عن الأجرِ والمغنم، مؤثرًا للدنيا وحُطامِها على طاعةِ ربه ومولاه الذي هو ملاقيه، مؤثرًا لبيعةٍ دنيوية، أو جلسةٍ فارغة، أو لُعبةٍ لاهيةً، على أفضلِ عبادةٍ، وأعظمِ طاعة لله.

عن الحسن عن أنس -رضي الله عنه- قال: "اجتمع أصحابُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم حذيفةُ -رضي الله عنه-، قال رجل منهم: ما يسرني أني فاتتني التكبيرةُ الأولى مع الإمام وأن لي خمسين من الغنم. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي مائةً من الغنم. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي ما طلعت عليه الشمس. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأني صليت من العشاء الآخرة إلى الفجر.

وعن أبي حرملةَ عن ابن المسيب قال: "ما فاتتني التكبيرةُ الأولى منذ خمسين، وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة". يعني أنه كان يصلي في الصف الأول.

ويخشى على من يعتادُ التأخرَ عن صلاةِ الجماعة، وإهمالِ فضلِ التكبيرةِ الأولى أن يؤخرَه اللهُ عن الأجرِ والفضلِ والخيرِ، حيث يرضى لنفسه التأخر، فيكون جزاؤُه من جنس عمله.

قال بعض العلماء في تفسير قوله -صلى الله عليه وسلم-: "تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّه". رواه مسلم: إن المقصودَ هو من يتأخرُ عن الصف الأول والتكبيرةِ الأولى.

فاحرصوا –رحمكم الله– على حضورِ هذه الصلاةِ مبكرين؛ لتدركوا أجرَ هذه الأعمال، وتنالوا الفضلَ الجزيلَ من الله، فإنَّ من علامةِ الاهتمامِ بهذه الصلاة، وإقامتِها، التبكيرُ في الإتيان إليها.

وأخيرًا عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أنْ يَلْقَى اللهَ تَعَالَى غداً مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكم -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الهُدَى، وَإنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى، وَلَوْ أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكم كَمَا يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّة نَبِيِّكُم لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤتَى بهِ، يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ". رَوَاهُ مُسلِم.
 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي