كتب عليكم الصيام

محمد بن مبارك الشرافي
عناصر الخطبة
  1. من فضائل شهر رمضان .
  2. أهم أحكام الصيام .
  3. أبرز حِكَم الصيام .
  4. تأملات في آيات الصيام من سورة البقرة. .

اقتباس

إِنَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْمُهِمَّةِ عَلَيْنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ نَتَعَلَّمَ أَحْكَامَهُ لِنَصُومَ كَمَا يُرِيدُ رَبُّنَا مِنَّا, وَقَدْ جَاءَتْ أَرْبعُ آيَاتٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ تَكَادُ تَحْوِي جَمِيعَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ,...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ, وَاعْلَمُوا أَنَّنَا نَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ الذِي نُكْمِلُ بِصِيَامِهِ أَرْكَانَ دِينِنَا, إِنَّهُ شَهْرٌ افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْنَا صِيَامَهُ, وَسَنَّ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِيَامُه, تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ, وَتُغْلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّيرَان, وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الجَّانِّ, فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ. إِنَّهُ شَهْرُ الْخَيْرَاتِ وَشَهْرُ الْعِزِّ وَالْبَرَكَاتِ, شَهْرُ الْإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَشَهْرُ الْبُعْدِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ.

فَلَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَخْرَجُ رَمَضَانُ وَلَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهُ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى رَبِّهِ, فَإِنْ فَعَلَ فَهَذِهِ خَسَارَةٌ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ "آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ؟ قَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ"(رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ: حَسَنٌ صَحِيح).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْمُهِمَّةِ عَلَيْنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ نَتَعَلَّمَ أَحْكَامَهُ لِنَصُومَ كَمَا يُرِيدُ رَبُّنَا مِنَّا, وَقَدْ جَاءَتْ أَرْبعُ آيَاتٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ تَكَادُ تَحْوِي جَمِيعَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ, قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:183], فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُخْبُرُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا بِفَرْضِ الصِّيَامِ، كَمَا فَرَضَهُ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، لِأَنَّهُ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْأَوَامِرِ التِي هِيَ مَصْلَحَةٌ لِلْخَلْقِ فِي كُلِّ زَمَانٍ.

ثُمَّ ذَكَرَ -تَعَالَى- حِكْمَتَهُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ فَقَالَ: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أَيْ : لِكَيْ تَحْصُلَ لَكُمُ التَّقْوَى, فَإِنَّ الصِّيَامَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِهَا، لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللهِ وَاجْتِنَابَ نَهْيِهِ.

فَمِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّقْوَى: أَنَّ الصَّائِمَ يَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجمَاعِ وَنَحْوِهَا، التِي تَمِيلُ إِلَيْهَا نَفْسُهُ، مُتَقَرِّبًا بِذَلِكَ إِلَى اللهِ، رَاجِيًا بِتَرْكِهَا ثَوَابَهُ, وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّائِمَ يُدَرِّبُ نَفْسَهُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ -تَعَالَى-، فَيَتْرُكُ مَا تَهْوَى نَفْسُهُ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، لِعِلْمِهِ بِاطِّلَاعِ اللهِ عَلَيْهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّائِمَ فِي الْغَالِبِ يُكْثُرُ الطَّاعَاتِ وَهَذَا مِنَ التَّقْوَى.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْغَنِيَّ إِذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ، أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ، مُوَاسَاةَ الْفُقَرَاءِ الْمُعْدَمِينَ، وَهَذَا مِنْ خِصَالِ التَّقْوَى.

ثُمَّ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة:184].

الْمَعْنَى: فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ فِي غَايَةِ السُّهُولَةِ, وَهِيَ أَيَّامٌ شَهْرِ رَمَضَانَ, ثُمَّ مَعَ هَذَا التَّسْهِيلِ هُنَاكَ تَسْهِيلٌ آخَرَ, فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا يَشُقُّ عَلْيِهِ الصَّوْمُ، أَوْ مُسَافِرًا فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَعَلْيِهِ صِيَامُ عَدَدٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر بِقَدْرِ التِي أَفْطَرَ فِيهَا, وَقَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ- (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) أَيْ: مَنْ كَانَ يَتَكَلَّفُ الصِّيَامُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَالْمَرِيضِ الذِي لا يُرْجَى شِفَاؤُهُ، عَلَيْهِ فِدْيَةٌ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يُفْطِرُهُ، وَهِيَ طَعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ ، فَمَنْ زَادَ فِي قَدْرِ الْفِدْيَةِ تَبَرُّعًا مِنْهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أَيْ: أَنَّ صِيَامَكُمْ مَعَ وَجُودِ الْمَشَقَّةِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الْفِدْيَةِ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْفَضْلَ الْعَظِيمَ لِلصَّوْمِ عِنْدَ اللهِ -تَعَالَى-.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: ثُمَّ قَالَ اللهُ -تَعَالَى- بَعْدَ ذَلِكَ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[البقرة:185]، الْمَعْنَى: أَنَّ الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ عَلَيْكُمْ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، الشَّهْرُ الْعَظِيمُ، الذِي قَدْ حَصَلَ لَكُمْ فِيهِ مِنَ اللهِ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ، بِنُزُولِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْهِدَايَةِ لِمَصَالِحِكُمْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَتَبْيينُ الْحَقِّ بِأَوْضَحِ بَيَانٍ، وَالْفُرْقَانُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالُهدَى وَالضَّلَالِ، وَأَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَهْلِ الشَّقَاوَةِ.

فَحَقِيقٌ بِشَهْرٍ هَذَا فَضْلُهُ، وَهَذَا إِحْسَانُ اللهِ عَلَيْكُمْ فِيهِ، أَنْ يَكُونَ مَوْسِمًا لِلْعِبَادَاتِ, وَمَحَلّاً لِلْإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَات.

ثُمَّ أَعَادَ -سبُحْانَهُ- تَأْكِيدَ الرُّخْصَةِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فَقَالَ: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ), فَيُرخَّصُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ، ثُمَّ يَقْضِيَانِ عَدَدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) فَإِنَّهَا بِشَارَةٌ لَنَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يُرِيدُ أَنْ يُيَسِّرَ لَنَا الطُّرَقَ الْمُوصِلَةَ إِلَى رِضْوَانِهِ أَعْظَمَ تَيْسِيرٍ، وَيُسَهِّلَهَا أَشَدَّ تَسْهِيلٍ، وَلِهَذَا كَانَ جَمِيعُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ فِي غَايَةِ السُّهُولَةِ فِي أَصْلِهِ, وَإِذَا حَصَلَتْ بَعْضُ الْعَوَارِضِ الْمُوجِبَةِ لِثِقَلِهِ سَهَّلَهُ تَسْهِيلاً آخَرَ، إِمَّا بِإِسْقَاطِهِ أَوْ تَخْفِيفِهِ بِأَنْوَاعِ التَّخْفِيفَاتِ, وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ الشَّرِيعَةَ السَّمْحَاءَ وَالْمِلَّةَ الغَرَّاء.

ثُمَّ قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]، الْمَعْنَى: أَكْمِلُوا عِدَّةَ الصِّيَامِ شَهْرًا، وَاخْتِمُوا الصِّيَامَ بِتَكْبِيرِ اللهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ، وَعَظِّمُوهُ عَلَى هِدَايَتِهِ لَكُمْ، وَلَعَلَّكُمْ بِذَلِكَ تَشْكُرُونَ لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالتَّيْسِيرِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ- (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186], فَإِنَّهَا آيَةٌ فِي الدُّعَاءِ وَلَيْسَتْ فِي الصَّوْمِ, لَكِنَّ فِيهَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الدُّعَاءَ حَالَ الصِّيَامِ مُسْتَجَابٌ, وَخُصُوصًا إِذَا قَرُبَ وَقْتُ الْإِفْطَارِ, وَمَعْنَى الآيَةِ الْكَرِيمَةِ: إِذَا سَأَلَكَ -أَيُّهَا الَّنِبُّي- عِبَادِي عَنِّي فَقُلْ لَهُمْ: إِنِّي قَرِيبٌ مِنْهُمْ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي، فَلْيُطِيعُونِي فِيمَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ وَنَهَيْتُهُمْ عَنْهُ، وَلْيُؤْمِنُوا بِي، لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ إِلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.

فَمَنْ دَعَا رَبَّهُ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ، وَدُعَاءٍ مَشْرُوعٍ، وَلَمْ يَمْنَعْ مَانِعُ مِنْ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، كَأَكْلِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَهُ بِالْإِجَابَةِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا, وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ رَبَّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَتَمَ آيَاتِ الصِّيَامِ بِبَيَانِ مَا يَحِلُّ لَنَا فِي لِيَالِي رَمَضَانَ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَجِمَاعِ الزَّوْجَاتِ, وَبَيَّنَ أَنَّ الاعْتِكَافَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَسَاجِدِ, وَهُوَ سُنَّةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنَ رَمَضَانَ اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَةِ وَتَحَرِّيًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ, فَحَرِيٌّ بِنَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-؛ لِنَفُوزَ بِرِضَا رَبِّنَا –سُبْحَانَهُ-.

قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[البقرة:187].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَذَا بَعْضٌ مِنْ مَعَانِي هَذِهِ الآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ التِي أَنْزَلَهَا  اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي شَأْنِ الصِّيَامِ, نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَنَا فِي دِينِهِ, وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ صَامَ رَمْضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا, وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْعُتَقَاءِ مِنَ النَّارِ.

اللهم أقبِل بقلوبِنا في رمضانَ، ومُنَّ علينا فيه بالرضوانِ. اللهم ارحمْنا ولا تحرِمنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا. اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.

اللهم واحفظْ علينا دينَنا، وأعراضَنا، وباركْ في أرزاقِنا واقضِ ديونَنا. اللَّهُمُّ اِحْفَظْ بِلَادَنَا بِالْأَمْنِ وَالْإيمَانِ وبالسَّلامَةِ مِنَ الآفَاتِ ومِنَ المُحْدَثَاتِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي