وماذا يعني أن تَبلغَ رمضانَ؟ يعني أنكَ قد فُزتَ بعطاءٍ حُرمَ منه الكثيرُ ممن خَطَفَتْهُم يدُ المَنونِ، وفزتَ بعطاءٍ حُرمَ منه الكثيرُ ممن حبَسهمُ المرضُ عن الصيامِ والقيامِ. والناسُ كلُّ الناسِ يشتاقونَ لمَقْدَمِ رمضانَ، ولأجل اشتياقِهم يَتبادلونَ التهانيَ...
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
ألا فلنفرحْ: (بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58]؛ نفرحُ لأننا بانتظارِ ضيفٍ عزيزٍ يَقدَمُ علينا، ضيفٍ عجيبٍ أمرُهُ، كريمٍ فِعلُهُ.
أما العَجَبُ فيه فلِلكرمِ الذي يعطيهِ؛ فإنه يَقدَمُ ضيفًا ثم يكونُ هو المضيِّفُ. إنه رمضانُ يَحُلُ علينا ضيفاً مِضيافاً، يُكرِمُنا إذا أكرمناه، يَقْدَمُ علينا فيقدِّم إلينا أصنافاً من الإتحافاتِ والنفحاتِ. ولربما يكون الواحدُ منا في ضيافتهِ للمرةِ الأخيرةِ! فهلاّ تعرضنا مُضِيفِنا بنفحاتِهِ ورحماتِهِ؟!
وماذا يعني أن تَبلغَ رمضانَ؟ يعني أنكَ قد فُزتَ بعطاءٍ حُرمَ منه الكثيرُ ممن خَطَفَتْهُم يدُ المَنونِ، وفزتَ بعطاءٍ حُرمَ منه الكثيرُ ممن حبَسهمُ المرضُ عن الصيامِ والقيامِ. والناسُ كلُّ الناسِ يشتاقونَ لمَقْدَمِ رمضانَ، ولأجل اشتياقِهم يَتبادلونَ التهانيَ.
أما إنه قد علِمَ كلُّ أناسٍ مَشربَهم، وفرْقٌ بين قومٍ يفرحونَ برمضانَ ليَزدادوا خَيرًا، وبينَ الذينَ يَفرحونَ به ليَزدادوا إثمًا.
يا عبدَ اللهِ: أتدري لماذا تَكثرُ المسابقاتُ التجاريةُ الرمضانِيةُ؟ يُريدونَ منكَ أن تُربِحَهم وربما تَربحُ، ومع أن نسبةَ ربحِك وفوزِك ضعيفةٌ غيرُ مضمونةٍ، إلا أنكَ تُشاركُ وتتفاءَلُ بالفوزِ.
ولكنَّ اللهَ -جلَ في عُلاهُ- يدعوكَ للربحِ الرمضانيِ المضمونِ؛ حيثُ يقولُ ضِمنَ آياتِ الصيامِ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة:186]، ألا ما أجملَهما من كلمتَينِ: (قَرِيبٌ أُجِيبُ).
فتعالَوا نقِفُ مع أنفُسِنا وقفاتٍ للمرابحةِ والمسابقةِ الرمضانيةِ:
- نصومُ رمضانَ كلَ عامٍ وهَمُّ أكثرِنا أن يُبرئَ الذمةَ ويؤديَ الفريضةَ. فليكنْ هَمُّنا برمضانِنا تحقيقَ معنى صومِهِ "إيماناً واحتساباً"؛ ليَغفرَ الله لنا ما تقدَمَ من ذنوبِنا الكثيرةِ من شوالَ لشعبانَ.
- ليكنْ حرصُنا على عدمِ تفويتِ تكبيرةِ الإحرامِ طَوالَ الشهرِ.
- لنحرصْ قبلَ رمضانَ على جَدولةِ الوقتِ لختماتٍ قرآنيةٍ. أوَما علمتَ أن الختمةَ الواحدةَ يَحصلُ بها ثلاثةُ ملايينَ حسنةٍ؟!
- نَخُصُّ رمضانَ بمزيدٍ من التوسعةِ على النفسِ والأهلِ من أطايبِ الطعامِ، فليتسِعْ ذلك للتوسعةِ عليهم بأغذيةِ الأرواحِ، ولنوجِّهْهُمْ بلُطفٍ بالغداةِ وبالرواحِ.
- لنفسِكَ من دعائكَ النصيبُ الأوفَى، فلتتَخَلَّ عن "البخلِ" في شهرِ الكرمِ، ولتنوِّعْ في دعائكَ الذي تُؤَمّنُ عليهِ الملائكةُ وتقولُ: "ولكَ بمِثْلٍ"، وتعرَّضْ لنفحاتِ ربكَ كلَّ يومٍ عندَ الإفطارِ وفي الأسحارِ وفي الخلواتِ؛ فرُبَّ دعوةٍ تُوافقُ بابًا مفتوحًا يَكتبُ اللهُ لكَ بها سعادةَ الدارينِ.
- الجودُ محمودٌ في رمضانَ، فليمتدَ جودُك إلى الإحسانِ لمن أساءَ، وصلةِ مَن قَطَعَ، ونُصحِ مَن أعرضَ.
- داوِمْ المراجعةَ لقصدِك ونيتِك للهِ -جلَّ وعَلا-، واحرصْ على أن يكونَ لك خبيئةٌ من العملِ لا يَراها إلا اللهُ.
- كلمةُ (لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ)[البقرة:183] لتكنْ على بالِكَ دَومًا، فالتقوَى هيَ المقصَدُ الرئيسُ للصيامِ، بأن يُعبدَ اللهُ فلا يُعصَى، وأن يُذكرَ فلا يُنسَى، وأن يُشكرَ فلا يُكفَرَ.
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على خيرِ مصطفَى، وصحبِهِ ومن اقتفَى، أما بعدُ:
فيا عبادَ اللهِ: تذكرُوا فضلَ اللهِ علينا، أنه أعطانا مَكرُمةً ملكيةً طيلةَ السنةِ، ألا وهيَ في قولِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"(رواهُ مسلمٌ)؛ فلنؤمِّل من ربٍ كريمٍ خيرًا أنه كفَّرَ الصغائرَ السالفةَ من شوالَ إلى شعبانَ، لكنِ الشأنُ في اجتنابِ الكبائرِ والتوبةِ منها، والحذرِ من المكدِّراتِ.
ألا ما أكثرَ المكدراتِ الرمضانيةَ:
- ومنها النومُ عن الصلواتِ، لا سيما صلاةَ الظهرِ والعصرِ. فيا مضيِّعًا للصلواتِ، اعلم أن محافظتَكَ على التراويحِ لا يقرِّبُكَ وصلواتكَ مُضيَّعاتٌ، وربكَ -تعالى- يقولُ: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ"(رواه البخاريُّ).
- واحذرْ متابعةَ فضائياتِ البغاءِ والغناءِ، والانهماكَ بالجوالاتِ، والميلَ مع حساباتِ الذين يَتبعونَ الشهواتِ.
- ويا أيها الشبابُ والشاباتُ: أريحوا أهلِيكمْ في الاختباراتِ، وأَروهم من أنفسِكم خيرًا، ولا تزيدُوهم رَهَقًا.
فاللهم أقبِل بقلوبِنا في رمضانَ، ومُنَّ علينا فيه بالرضوانِ. اللهم ارحمْنا ولا تحرِمنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
اللَّهُمَّ أعْطِنَا من الخَيْرِ فوْقَ ما نَرْجُو واصْرِفْ عَنَّا من السُّوْءِ فَوْقَ ما نَحْذَر. اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبًّا صَبًّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدًّا كَدًّا.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا. اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.
اللهم واحفظْ علينا دينَنا، وأعراضَنا، وباركْ في أرزاقِنا واقضِ ديونَنا. اللَّهُمُّ اِحْفَظْ بِلَادَنَا بِالْأَمْنِ وَالْإيمَانِ وبالسَّلامَةِ مِنَ الآفَاتِ ومِنَ المُحْدَثَاتِ.
اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْوَبَاءِ وَالْغَلَاَءِ. اللَّهُمَّ احْفَظْ مَلِكَنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُم وَارْزُقْهُم بِطَانَةً صَالِحَةً نَاصِحَةً.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي