وجوب الزكاة وفضل الجود

د عبدالعزيز بن حمود التويجري
عناصر الخطبة
  1. جود النبي -عليه الصلاة والسلام- في رمضان .
  2. وجوب التحري في صرف الزكاة .
  3. الأموال التي تجب فيها الزكاة .
  4. حكم تارك الزكاة .
  5. مجالات الجود والكرم .

اقتباس

إذا عز الجود بالنفس أو بالمال، وقلّت ذات يدك؛ فجد بما مواهبك في خدمة أمتك, إن كنت من أهل القرآن فجد بمقدرتك على حلقة تحييها, وإن كنت من أهل الجاه والمكانة فجد بجاهك في خدمة إخوانك, واشفعوا تؤجروا...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الحمد لله ذي المنة والفضل، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له وهو للحمد أهل، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعه إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- حق التقوى, وكونوا عباد الله إخواناً.

في الصحيحين  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ".

هُوَ اليَمُّ مِنْ أَي النَّواحي أتيتَهُ *** فلُجَّتُه المعروفُ والجُودُ سَاحِلُهْ 

تعوَّدَ بسط الكفِّ حتى لو أنَّه *** ثناها لقبضٍ لمْ تُجبهُ أنامِلُهْ

ولو لم يكنْ في كفِهِ غيرُ روحِهِ *** لجادَ بها، فليتقِ اللهَ سائلُهْ

كان -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالمال زكاةً وصدقة, يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، ومَا سُئِلَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: "يَا قَوْمِ! أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ".

الجودُ أن تبذلَ ما تجودُ نصرةً لضعيفٍ, أو كفالةً ليتيمٍ, أو سعيًا على أرملةٍ ومسكين, أو إطعامًا لجائعٍ ورعاية لفقير.

الجودُ أن تدفع الزكاةَ بطيبِ نفسٍ وبشاشةٍ وجهٍ، دون أن تكون من قومٍ يرون في الزكاة مغرمًا، وفي الصدقة نقصًا؛ (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[آل عمران: 180].

الزكاةُ فرضٌ وركنٌ من أركان الإسلام, قال أبو بكر -رضي الله عنه-: "وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ"(متفق عليه), (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد: 38].

الزكاةُ لا تصح إلا بصرفها في مصارفها التي حددها الله في القرآن، فلا تبرأ الذمة أن تُعْطى كل متسول أو سائل لم يُتَثبت من حاله.

الزكاةُ حقُ في كل مالٍ بلغَ النصابَ وحال عليه الحول، ففي الأوراق النقدية التي يتداولها الناس, أو كانت مرصودة في البنوك, تجب في كل ألفٍ خمسٌ وعشرون ريالا, وفي المحلات التجارية وعروض التجارة تُقَيم قيمة البضائع كل حول؛ فيُخرج منها ربع العشر.

ومن له أرضٌ أو عقارٌ يرجو ربحه والتكسب فيه؛ فيُخرجُ زكاتَه إذا بلغ الحول من قيمته ربع العشر.

وتجب الزكاة في التمر إذا بلغت ثلاثمائة صاع في التمر، والصاع يقدر بكيلو ونصف تقريبا مع مراعاة اختلاف أنواع التمر، ويقدرها أهل الخبرة بتسع نخلات متوسطات.

وكذا تجب في الأنعام والحبوب, ومن ملك شيئًا لنفسه ولخدمته؛ كسيارة وبيت يسكنه وأثاث يستعمله فلا زكاة فيه، واختلف في زكاة الحلي المُعَدُ للاستعمال.

أما زكاة الديون ومن عليه دين؛ فقد قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "إذا كانت لك ديون على أملياء, متى طلبتها أخذتها؛ فعليك أن تزكيها كل عام، بهذا الشرط, أما إن كانت الديون عند أناس معسرين أو مماطلين لا يحصلون المال إلا بتعب كبير، إذا أردته لا يعطونك إياه إلا بتعب ومتابعتهم ونحو ذلك؛ فإنه لا تجب الزكاة في هذه الأموال؛ لأنها ليست في قبضتك، فإذا قبضتها أديت عنها الزكاة مستقبلاً، وإن زكيت عنها عاماً واحداً؛ كما قاله بعض أهل العلم فحسن، لكن ليس بواجب، وإنما الواجب أن تزكي عنها مستقبلاً إذا حال عليها الحول بعد قبضك إياها, وأما من عليه دين فالواجب عليه أن يزكي, والدين يبقى في الذمة ولا يمنع الزكاة، هذا الصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم، الدين لا يمنع الزكاة، ولكن عليه أن يزكي الأموال التي في يده والله يوفي عنه, لكن لو أراد أن يسدد الدين فلا مانع أن يخرج الدين قبل وجوب الزكاة، قبل ميعاد الزكاة، يوفي الدين ثم يزكي الباقي".

هذا مجمل القول في الزكاة, ومن جحد وجوب الزكاة فقد كفر؛ لأنه كذب بالقرآن والسنة, وما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة, ومن تهاون في إخراجها بخلا وتكاسلا؛ فإنه فاسق ترد شهادته, وله في الآخرة عذابٌ عظيم, قال أبو هُرَيْرَة -رضي الله عنه-: سمعت رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ؛ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ؛ فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ"(أخرجه مسلم), ومثله قال في الإبل والبقر والغنم.

أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه؛ إن ربي رحيم ودود.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وعطائه, والشكر له على جميل إحسانه, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وأوليائه.

أما بعد: إذا عز الجود بالنفس أو بالمال، وقلّت ذات يدك؛ فجد بما مواهبك في خدمة أمتك, إن كنت من أهل القرآن فجد بمقدرتك على حلقة تحييها, وإن كنت من أهل الجاه والمكانة فجد بجاهك في خدمة إخوانك, واشفعوا تؤجروا.

وإن كنت طالب علم فجد بعلمك وابذله لمن يسأله، ومن صعب عليه الجود بماله فليجد بالصبر والاحتمال والإغضاء, قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه, دعاه الله على رؤوس الخلائق؛ حتى يخيره من الحور العين يزوجه منها ما شاء".

وإن عز هذا وذاك فليكن جودك بتركك ما في أيدي الناس عليهم، فلا تلتفت إليه, ولا تستشرف له بقلبك، ولا تتعرض له بحالك ولا لسانك, وقد قال ابن المبارك: "سخاء النفس عما في أيدي الناس أفضل من سخاء النفس بالبذل", وفي صحيح البخاري قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر: "إذا جاءك من هذا المال شيء, وأنت غير مشرف ولا سائل؛ فخذه, وما لا؛ فلا تتبعه نفسك", قَالَ سَالِمٌ: "فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا, وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ".

ومن الجود أن تجود بنفسك في الطاعات, ولا تستثقل أوقات تنفقها في الخير؛ قراءةً وصلاةً وذكراً وعبادة.

ومن الجود أن لا تجود على أجهزة وبرامج تسرق وقتك, وتنهب مالك، وتلهيك عن ذكر الله وعن الصلاة.

وأخيرا: كان  -صلى الله عليه وسلم-أجود الناس في الدعاء للمسلمين, ورفع أكف الضراعة إلى الله بأن يهدي هذا وينصر ذاك, وينجي هذا ويفك أسر ذاك؛ فهو القائل: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ, وَالْمُسْتَضْعَفِينَ", والقائل: "اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ", والقائل: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ، وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ".

فجودوا؛ فربكم جوادٌ كريمٌ, يستحيي مِنْ عبدِه إذا رَفعَ يَدَيهِ إليه أن يَرُدهما صِفْراَ.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).

اللهم أدم علينا أمننا وعافيتنا, وارفع عنا وعن المسلمين البلاء والمرض, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي