مقاصد الزكاة في الإسلام

محمد بن إبراهيم السبر
عناصر الخطبة
  1. وجوب الزكاة .
  2. حكم تارك الزكاة .
  3. الحكمة من فرض الزكاة .
  4. مصارف الزكاة ومستحقوها .
  5. وجوب تحري أهل الزكاة .

اقتباس

الزكاة وقاية للمال المزكى من الضياع والتلف، وأمان له من الآفات والكوارث, تطهر الأموال وتطيبها, تطهر المجتمع الإسلامي ماديا من الفقر والبؤس والحرمان والتسول، وتطهره نفسيا من البغض والحقد والحسد والكراهية، وتطهره من صراع الطبقات, وما يترتب على ذلك...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب70-71].

عباد الله: تحتل الزكاة في الإسلام مكانة رفيعة, ومنزلة سامية؛ فهي ركن من أركانه الأساسية، وشعيرة من شعائره الدينية الكبرى، وفريضة من فرائضه المؤكدة المعلومة من الدين بالضرورة، التي ورد ذكرها في عشرات الآيات القرآنية, وأحاديث السنة النبوية, جاحدها ومُنكرها مرتد كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا، ومانعها بخلا وشحا أو تهاونا يقاتل عليها حتى يؤديها, وتؤخذ منه طوعا أو كرها؛ كما قال أبو بكر الصديق: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لقاتلتهم عليها"(رواه البخاري), وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين بعث معاذًا -رضي الله عنه- إلى اليمن: "أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم؛ فترد على فقرائهم"(أخرجه البخاري ومسلم).

ومما يؤكد أهميتها فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حيث كان يرسل السعاة؛ لجباية الزكاة من الناس، وكذلك خلفاؤه من بعده, وإلى يومنا هذا. 

الزكاة شرعها الله -تعالى- رحمة بعباده لحِكم بالغة، وأهداف سامية، ومصالح كثيرة، ومنافع لا تحصى؛ من أهمها ما أشار إليه قوله -تعالى- في سورة التوبة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[التوبة: 103]؛ فهي تطهر النفس من الشح والبخل، وسيطرة حب المال على الإنسان، كما تطهر المزكي من الذنوب والآثام؛ كما قال -تعالى-: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[البقرة: 271].

الزكاة وقاية للمال المزكى من الضياع والتلف، وأمان له من الآفات والكوارث, تطهر الأموال وتطيبها, تطهر المجتمع الإسلامي ماديا من الفقر والبؤس والحرمان والتسول، وتطهره نفسيا من البغض والحقد والحسد والكراهية، وتطهره من صراع الطبقات, وما يترتب على ذلك من المآسي والآفات.

شرعها الله -تعالى- امتحانا لعباده, واختبارا لصدقهم في إسلامهم, وصحة إيمانهم وثقتهم في وعد ربهم؛ كما قال-صلى الله عليه وسلم-: "والصدقة برهان"؛ يعني: برهانا على صحة إسلام مخرجها, وإيمان باذلها, وثقته بوعده في قوله -تعالى-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 268], فالمسلمون يؤدونها بدافع الإيمان بالله، بخلاف الضرائب التي يتهرب الكثيرون من دفعها متى وجدوا غفلة من الرقيب!.

الزكاة من الفرائض التي يتم بها إسلام العبد ويتحقق إيمانه؛ لتكون طريقا معبدا لدخول الجنة, والنجاة من النار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن أعْرَابيًا أتَى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! دُلَّنِي على عمل إذا عَمِلتُه، دخلت الجنة قال: "تَعْبُدُ الله لا تُشرك به شيئا، وتُقِيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة المَفْرُوضَة، وتصوم رمضان", قال: والذي نفسي بيده، لا أَزِيْدُ على هذا، فلمَّا ولَّى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "من سَرَّه أن يَنْظَر إلى رجُل من أهل الجَنَّة؛ فَلْيَنْظر إلى هذا"(متفق عليه).

شرعها الله -تعالى- للتزكية، تزكي أنفس الأغنياء وقلوبهم؛ كما تزكي أموالهم، ومجتمعاتهم، الكل يزكو بالزكاة، ويسمو بزكاته عند ربه، وفي أعين مجتمعه، وتكفل الله بإخلافها في الدنيا، وتضعيفها في الآخرة أضعافا مضاعفة؛ مصداقا لقوله -تعالى-: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39], وقوله: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)[البقرة: 276], وقوله: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)[الروم: 39].

الزكاة عبادة مالية، لها آثارها الاقتصادية الحسنة التي تعود على الفرد والمجتمع والدولة؛ فهي تشكل أهم دعامة من دعائم الاقتصاد، وتُكوّن موردا من موارده المالية، ووسيلة من وسائله الناجحة؛ لتحقيق التكافل الاجتماعي، وتقوية أواصر الأخوة والمحبة بين الأغنياء والفقراء, بين دافعي الزكاة وآخذيها؛ لتحقيق السلم الاجتماعي والأمن الوطني.

 إنها قيمة أخلاقية تبني لدى الإنسان صفة الرحمة والتعاطف والتواد والبذل، وتعزز الشعور بالفقراء والمعوزين؛ فالزكاة وسيلة مثالية لتحقيق معنى التعاون بين المسلمين.

فاتقوا الله -عباد الله- وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم؛ تفلحوا وتسعدوا؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 277].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى, وسمع الله من دعا، وبعد:

فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الله -عز وجل- تولى أمر الزكاة وتحديد مصارفها, وحصرها في الثمانية المذكورين في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60]، لم يترك هذا الأمر لملك مقرب ولا نبي مرسل؛ فإن هذا التوزيع من العليم الحكيم, له حِكَم سامية في أهدافها، نبيلة في مقاصدها ومراميها، كثيرة المصالح والمنافع لمستحقيها والمجتمع.

والمسلم يتحرى في زكاته وصدقته أهل الزكاة، والجمعيات الرسمية الموثوقة التي تشرف عليه الدولة؛ كمنصتي إحسان وفرجت, ويحذر من الجهات المشبوهة التي ليس لها وجود على أرض الواقع, أو عصابات التسول.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).

اللهم أدم علينا أمننا وعافيتنا, وارفع عنا وعن المسلمين البلاء والمرض, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي