لقد كانت الهجرة نتيجة صبر ثلاثة عشر عامًا من الخوف والجوع والحصار والأذى، فكانت الثمرة على قدر التعب، وعلى قدر الصبر، وهكذا هذا الدين لا يعطي ثمرته إلا لمن صبر وثابر، أما من استعجل النتائج فإنه يُحرَم، وهذه سنّة كونية: "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه"، فدولة المدينة التي شعّ منها النور إلى كلّ الأرض كانت نتيجة لصبر مكّة ..
وبعد:
إخوة الإيمان: تظلّنا هذه الأيام ذكرى حادثة عظيمة من حوادث وأحداث تاريخنا الإسلامي، هذه الحادثة كانت إيذانًا بعهد جديدٍ، وتحوّل مهمّ في تاريخ الدعوة الإسلامية، تلكم هي هجرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من مكة بيت الله الحرام إلى المدينة دار الهجرة، هذا الحدث يمثل أهمّ حدث من أحداث التاريخ الإسلامي، به بدأ بناء الدولة الإسلامية وبناء الأمة التي تعبد الله وحده لا شريك له، وتبلّغ دينه الحنيف إلى كل الناس، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [الفتح: 28].
تجدُّد هذه الذكرى -عباد الله- يزيد في أعمارنا عامًا كلّما تكرر، ويذكرنا بانصرام الأيام، ويبيَّن لكل مسلم أن حياته على هذه الأرض محدودة، وأن كل يوم يمضي يقرب الإنسان من نهايته وأجله، فهذه أول عبرة من عبر مرور الأيام، وتجدد ذكريات الأحداث، فما من مظهر من مظاهر الزمان والمكان إلا هو آية وعبرة للإنسان: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُِوْلِي الألْبَابِ) [آل عمران: 190].
جاءت هجرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعد الرسالة بثلاثة عشر عامًا، بعد أن أمضى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هذه المدة وهو يجاهد من أجل إبلاغ دين الله سبحانه، ومن أجل أن يهدي قومه والناس إلى طريق الله سبحانه صابرًا محتسبًا، يؤذى في سبيل الله، ويرى أصحابه يؤذون ويعذَّبون ويقتلون ولا يزداد مع ذلك إلا صبرًا ويقينًا وطاعة لله سبحانه، وقد جاء الأمر بالهجرة إلى يثرب بعد أن بايع سكانها الأوس والخزرج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على الإيمان وعلى حمايته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم، وكان ذلك حين جاؤوا مكة حاجين، فكانت هذه البيعة مقدمة للهجرة المباركة.
خرج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مهاجرًا إلى ربه، وقد وعد الله من هاجر إليه أجرًا عظيمًا، يقول سبحانه: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء:100].
خرج –صلى الله عليه وسلم- إلى الهجرة بعد أن أعدت قريش العدة لقتله أو حبسه أو طرده، ولكن مكرهم عاد عليهم؛ لأن هذا المكر لن يحيق بمن يرعاه الله ويؤيده ويسدده: (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون) [آل عمران:160].
أعدت قريش العدة لقتل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن طريق عدد من شباب قبائلها حتى يتفرّق دمه بين القبائل، ولكن جبار السموات والأرض أبطل سحرهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، يقول سبحانه: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
فتوجه الحبيب –صلى الله عليه وسلم- إلى حبيبه أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ليخبره بأمر الهجرة، فما أن سمع الصديق بأمر الهجرة حتى كان همه الوحيد والكلمة الوحيدة التي قالها: "الصحبة يا رسول الله"؛ عن عائشة أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- جاء إلى بيت أبي بكر في ذلك اليوم ظهرًا على غير عادته، فلما دخل على أبي بكر قال: "أَخْرِج من عندك"، قال: يا رسول الله: إنما هما ابنتاي، يعني عائشة وأسماء، قال: "أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج؟!"، قال: الصحبة يا رسول الله؟! قال: "الصحبة"، قال: يا رسول الله: إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج، فخذ إحداهما، قال: "قد أخذتها بالثمن". أخرجه البخاري.
هكذا كان شغف الصديق بنصرة الدين: "الصحبة يا رسول الله؟!"، وهذا هو طلبه: الصحبة، وهي -عباد الله- ليست صحبة رجل ذا ثراء وأموال، وليست صحبة رجل ذاهب في نزهة، وليست صحبة رجل يسافر إلى دولة يترفه فيها ويتنعم، وليست صحبة رجل له موكب وحاشية وخدم وحشم، إنها صحبة رجل مطارد مطلوب رأسه، فعلام يحرص الصديق على هذه الصحبة ويفرح ويفتخر بها؟! إنه الإيمان الذي تميز به صديق هذه الأمة -رضي الله عنه-، والذي جعله يُسخِّر نفسه وأهله وماله من أجل الدعوة ومن أجل الهجرة، فقد عرض نفسه لمصاحبة وخدمة وحماية رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، وأنفق ماله في إعداد العدة لذلك وفي استئجار الدليل، وعرَّض ابنه عبد الله للخطر حيث كان يمسي عندهما عندما كانا في الغار ويصبح عند قريش يتسقط الأخبار، وكان مولاه عامر بن فهيرة يسرح بغنمه عند الغار ليسقيهم من لبنها، وكذلك فعلت أسماء التي حفظت السر والتي شقت نطاقها لتضع فيه طعامهما، فسميت ذات النطاقين، فكانت عائلة الصديق كلها مجندة في سبيل الله وخادمة لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
لقد هاجر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من أجل الدين لا من أجل الدنيا، فقد بقي في مكة طيلة هذه المدة رغم الأذى الذي يتعرض له هو وأصحابه؛ لأنه كان يسير بأمر الله سبحانه، وكان يريد أن يبلغ دين الله سبحانه، وأن يهدي البشرية إلى طريق السعادة الأبدية: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) [الأحزاب:45، 46].
هاجر –صلى الله عليه وسلم- من أجل الله ومن أجل الدعوة إلى الله سبحانه، وكذلك هاجر أصحابه -رضوان الله عليهم- من أجل دينهم، ومن أجل المحافظة على دينهم، لا من أجل الدنيا، بل إنهم تركوا الدنيا في مكة، فمنهم من هاجر وترك ماله، ومنهم من هاجر وترك بيته ومتاعه؛ لأنهم لما نظروا إلى المال وإلى الدين وجدوا أن ضياع المال يُعوَّض، ولكن ضياع الدين لا يعوّض أبدًا، وجدوا أن كسر المال والبيت والأهل يُجبر، أما كسر الدين فإنه لا يُجبر.
وكل كسر فإن الدين يجبره *** وما لكسر قناة الدين جبران
والهجرة إلى مكة تعتبر ثالث هجرة لأصحاب الرسول –صلى الله عليه وسلم-؛ فقد هاجروا قبلها إلى الحبشة مرتين، وركبوا البحر وصارعوا الأمواج وتعرضوا للأخطار من أجل دينهم، وها هم يتركون مكة موطنهم وموطن آبائهم ومرتع طفولتهم وصباهم إلى المدينة؛ استجابة لأمر الله سبحانه وأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم-.
أمضى –صلى الله عليه وسلم- في غار ثور ثلاث ليال هو وصاحبه أبو بكر، ينتظران أن يخفّ عنهما الطلب حتى يخرجا إلى المدينة، وكانت قريش تبحث عنهما في جنون، وتبعث بعيونها في كل مكان، وتجعل الأموال الطائلة لمن يأتيها بمحمد –صلى الله عليه وسلم-، وقد وصل كفار قريش إلى الغار الذي يختبئ فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، ولكن الله سبحانه صرفهم عنه وردهم خائبين، يقول أبو بكر كما في صحيح البخاري: قلت للنبي –صلى الله عليه وسلم- وأنا في الغار: لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: "ما ظنك -يا أبا بكر- باثنين الله ثالثهما؟!".
إذا كان الإنسان في معية الله، وفي عناية الله، وإذا أيّد الله عبده ونصره، فإن الكون كل الكون لن يضره بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليه: "ما ظنك -يا أبا بكر- باثنين الله ثالثهما؟!".
هكذا -عباد الله- لا يخاف العبد إذا أيقن أن الله معه، وهكذا يكون مسددًا موفقًا في كل ما يقدم عليه إذا كان مراعيًا لمرضاة الله -عز وجل-: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم) [التوبة:40].
لقد كانت الهجرة نتيجة صبر ثلاثة عشر عامًا من الخوف والجوع والحصار والأذى، فكانت الثمرة على قدر التعب، وعلى قدر الصبر، وهكذا هذا الدين لا يعطي ثمرته إلا لمن صبر وثابر، أما من استعجل النتائج فإنه يُحرَم، وهذه سنّة كونية: "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه"، فدولة المدينة التي شعّ منها النور إلى كلّ الأرض كانت نتيجة لصبر مكّة، ورسول الله الذي خرج من مكة سرًّا والناس يبحثون عنه، دخل المدينة في احتفال عظيم يحفّ به الناس من كلّ جانب، كلّ منهم يطلب منه أن ينزل عنده، وتحقق للنبي –صلى الله عليه وسلم- ولأصحابه قول الله تعالى ووعده لعباده الصالحين: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور:55].
وها هي الدعوة التي انطلقت من رجل فقير من قريش هو رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، معه رهط يسير ممن سبقوا إلى التصديق والإيمان أكثرهم من الضعفاء والموالي، ها هي يحملها اليوم أكثر من مليار إنسان في كافة أنحاء الدنيا، وها هو الإسلام يدخل كل بيت، ونداء الحق يرتفع في كل مكان: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:8، 9]، يقول –صلى الله عليه وسلم-: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو ذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاًّ يذل الله به الكفر". أخرجه أحمد عن تميم الداري.
هذا وعد صادق من الله لرسوله، ووعد صادق من الله لأمة رسوله –صلى الله عليه وسلم- ولكل من سار على هدي رسوله سير السلف الصالح دون تبديل ولا تغيير ولا زيادة ولا نقصان، فاتقوا الله -عباد الله-، واحرصوا على أن تكونوا ممن ينصر الله بكم الدين في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، أسأل الله أن يوفقنا لمرضاته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأصلي وأسلم صلاة وسلامًا دائمين متلازمين على أفضل خلقه وخيرة رسله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد كانت الهجرة النبوية كما أسلفنا حدَثًا عظيمًا من أحداث تاريخ هذه الأمة، وكانت محطّة مهمّة من محطات مسيرة الدعوة الإسلامية، فلا بد للأمة التي تريد الرفعة في الدنيا والرفعة في الآخرة، والتي تريد هداية الناس إلى الحق والخير، لا بد لها أن تستخلص من حادث الهجرة الدروس الكافية الكفيلة بأن تخرج الأمة من هذه الوهدة التي سقطت فيها وتعيدها إلى صدارة الأحداث، تعيدها إلى صناعة التاريخ، تعيدها إلى موقع الفعل، فتكون فاعلة منفعلة كما كانت أيام النبي –صلى الله عليه وسلم- وأيام الصحابة والسلف الصالح، بدل أن تكون مفعولاً بها على الدوام، مقهورة ومغلوبة على أمرها كما هي طيلة القرون المتأخرة.
في الهجرة دروس في الامتثال لأمر الله، ودروس في الإيمان واليقين، ودروس في التخطيط وعدم التسرع، ودروس في التضحية والإيثار، ودروس في الحكمة وحسن التصرف، كل هذا وغيره ينبغي أن نستنبطه من أحداث الهجرة؛ لأن كل جوانب سيرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وسيرة أصحابه هي منار للأمة، وعبرة وتوجيه على الأمة أن تعمل به، يقول سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21]، ويقول سبحانه موجّهًا الأمة إلى الاعتبار بقصص الأمم السابقة وقصص الأنبياء -عليهم السلام-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُِوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون) [يوسف:111]، فإذا سارت الأمة بهدي هذا النهج، وهذه السيرة العطرة، وبسيرة السابقين، نالت العزّ في الدنيا والآخرة، وإذا فرّطت انفرطت وضاعت.
واعلموا -عباد الله- أنه كما هاجر الصحابة من أرض مكة إلى أرض المدينة امتثالاً لأمر الله؛ فإنهم هاجروا قبل ذلك هجرة لا تقلّ أهمية عن هذه الهجرة؛ حيث هاجروا من الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، فهذه أيضًا هجرة مهمة ينبغي لكل مسلم أن يهاجرها إن كان صادقًا في التوجه إلى الله، ينبغي أن يترك معاصي الله سبحانه ومساخطه ويسعى إلى حياض الطاعة والنور، ينبغي أن يهجر كل ما نهى الله عنه حتى يكون مهاجرًا إلى الله سبحانه، أخرج ابن ماجه عن فضالة بن عبيد أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب"، فهل فكّرنا في هذه الهجرة التي لا تتطلب مالاً ولا سفرًا، ولا تعرضًا لخطر، بل تتطلب عزمًا وحزمًا، وتتطلب صدقًا وإخلاصًا في التوجه إلى الله سبحانه وفي نصرة دينه وإقامة شرعه؟!
أسأل الله سبحانه أن يوفقنا إلى صالح الأقوال والأفعال، وأن يجنبنا مواطن الزيغ والضلال، وأن ينصرنا بدينه وينصر بنا دينه...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي