فيا أيها المسلمُ: قَصِّرْ في الأمل وبَالِغْ في العمل، تزوَّدْ لآخرتك، وتجافَ عن دنياكَ، واتقَ اللهَ واحذر أن يأخذك الله وأنتَ على غفلة، إذا قلَّت البركةُ في رزقك فاعلم أنه من غفلتك عن الله، ارحموا اليتيم، وأعِينُوا الضائعَ، وكونوا للظالم خصمًا، وللمظلوم ناصرًا...
الحمد لله الذي أكرَمَنا بالأرض المقدَّسة، وجعَلَنا من أهلها الأوفياء الأبرياء، الصابرين فيها على اللأواء، والشاكرين في السراء والضراء، ومسجدنا الأقصى المبارك الذي عظمه المولى -تبارك وتعالى- بليلة الإسراء، وصلى فيه نبيُّنا -عليه الصلاة والسلام- بالأنبياء، وأكرَم أهله الذَّابِّينَ عنه والشهداء، والذين لا يعرفون العداوة ولا البغضاء، ولا سفك الدماء، ونشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ، صاحبُ الفضلِ والعطاءِ، وأكرَم أمتَنا بمزيد من النعماء، وجعَلَها خيرَ أمة أُخرِجَتْ للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، فأمتنا أمة قوية، لا تنكسر ولن تنهزم أبدًا، أمة شجاعة مثل رسولها -صلى الله عليه وسلم-.
ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، حاز خلة الخليل، ونال تكريم الكريم، وزاد رفعةً على الملأ الأعلى، فكان برهانه أوضح وأحلى، وفضله أعلى، وذكره أحلى، ودينه أكمل، ولسانه أفصح، ودعاؤه أنجح، وعلمه أنفع، نصره مؤيَّد، حبيب المولى، وهو بالمؤمنين من أنفسهم أَوْلَى، ورضي الله -تعالى- عن آل بيته الأبرار، الأقوياء الأشداء الأخيار، رهبان الليل وفرسان النهار، وأصحابه العلماء الفقهاء والقُرَّاء، الذين حاربوا الكفار بقوة واقتدار، فهذا أبو بكر ثاني اثنين إذ هما في الغار، وصاحبه في الأسفار، وهذا الفاروق الذي غلَب كيدَ المشركينَ بما ألزَم قلبَه من حق اليقين، السَّكِينَةُ تنطق على لسانه، والحق يجري الحكمة عن بيانه، ونحن من هنا -يا عباد الله- نتوجَّه للعليِّ الأعلى، الحكيم العليم، أن يرزقنا القوة والعزيمة والثبات في أرضنا ومقدساتنا، اللهم وحِّدْ كلمتَنا على الحق والرشاد، واهدنا إلى سُبُل الخير والسداد، ووفِّقْنا لاتباع خير العباد، يا رفيع الجناب، يا مُسبِّبَ الأسبابِ، ويا هازمَ الأحزاب، انصر أهلَنا في أرض فلسطين يا رب العالمين.
أما بعد فيا عباد الله: لقد نوَّر المولى الكريم قلوبنا بنور الإسلام، وهدانا إلى اتباع ملة نبينا -عليه الصلاة والسلام-؛ (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)[الزُّمَرِ: 22]، فهنيئًا لكم أيها المؤمنون؛ فقد شرَح اللهُ صدورَكم، وأتى بكم إلى المسجد الأقصى، لقد اختاركم المولى لعمارة بيته ومسجده، أنتم الطائفة التي أشار إليها نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- فالأرض أرضكم، والبيت بيتكم، والمسجد مسجدكم، ورعاية الله عليكم ومن حولكم، أتدرون لماذا يا عباد الله؟ لأنكم قائمون بأمر الله، مخلصون لله، صابرون على أمر الله، والله معكم وناصركم؛ (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)[مُحَمَّدٍ: 35].
اجتنِبُوا المحارمَ، واصبروا على البلاء، واشكروا النعماء، واشتغِلُوا بالذِّكْر والدعاء، وانصحوا لمن اعتبر، واجتنِبوا دناءةَ الأخلاق، كما تجتنبون المحرَّمات، قولوا الحق ولو على أنفسكم أو الأقربين، اعدلوا هو أقرب للتقوى.
فيا أيها المسلم: قَصِّرْ في الأمل وبَالِغْ في العمل، تزوَّدْ لآخرتك، وتجافَ عن دنياكَ، واتقَ اللهَ واحذر أن يأخذك الله وأنتَ على غفلة، إذا قلَّت البركةُ في رزقك فاعلم أنه من غفلتك عن الله، ارحموا اليتيم، وأعِينُوا الضائعَ، وكونوا للظالم خصمًا، وللمظلوم ناصرًا، أيحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؟ إن أعراضكم وأموالكم عليكم حرام، أيغفل -يا عباد الله- عمَّا ورَد في المشاحن في رمضان، وقد شملتكم أُخُوَّةُ الإسلام؟ فيا حسرة على العباد!
إياكم والاستعلاء! إياكم وشهادة الزور! احذروا الربا والخَنَا، والزنا وأكل أموال اليتامى ظلمًا، احذروا السحرة والمشعوذين، والدجالين، واتصِفُوا بصفات المؤمنين، وتعلموا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كانت أبدانُهم نحيلةً، وألوانُهم متغيرةً، وعيونُهم هاطلةً، وقلوبُهم واجفةً، وأرواحُهم ذائبةً، وألسنتُهم بذِكْر الله لَهِجَةً؛ (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الْفَتْحِ: 29]، قرآنهم في صدروهم، لقد انتصر الإسلام بمثل هؤلاء الأكابر، حظهم من النهار الصيام والسجود، ومن الليل الركوع والسجود، لسان العمل عندهم أفصح من لسان العلم، يحترمون أنفسهم، ويشتاقون لبعضهم، يتآنسون ويتعاونون، لا يتحاسدون، ولا يتغايرون، كانوا يعلمون أن احتقار الناس مرض عظيم لا دواء له، كانوا يقولون: من اشتاق إلى لقاء ظالم فهو ظالم. هذا هو الأواه الصديق؛ سمي بالأواه لشدة رأفته وكمال تقواه، وكفاه شرفا قول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يكره فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر"، وكان يقول: "لا خيرَ في قول لا يُراد به وجهُ الله، ولا في مال لا يُنفَق في سبيل الله"، وهذا هو الفاروق أول مَنْ جهر بالإسلام، فصار للدِّين مُعلِنًا، ولأعمال البِرِّ مُبطِنًا، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لمَّا أسلَم عمرُ نزَل جبريل على سيد البشر فقال: قد استبشر أهل السماء بإسلام عمر"، كان يقول -رضي الله عنه-: "ما أصابني الله بمصيبة إلا رأيتُ أن لله -تعالى- عليَّ فيها ثلاثَ نِعَم: الواحدة: حيث لم تكن في دِيني، والثانية: حيث لم تكن أكبرَ منها، والثالثة: ما وعَد اللهُ من الثواب عليها".
هؤلاء هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا أصحاب قوة وتضحية وعطاء، نشروا الإسلام بالخُلُق الحسن، والعدل بين الناس، فلا ظلم ولا محاباة، كانوا يتعاهدون العميان والزَّمْنَى والعجائز والصبيان ليلًا، ويحملون إليهم الماء والطعام، لقد تربوا على مائدة الإسلام، وتعلموا وتخلَّقُوا بآداب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أما نحن اليوم فنحب الحياة الفانية، من أجل التمتع بالمطاعم والملابس، من أجل المناصب وحب الجاه، من أجل المال والسيارة الفاخرة، أو الشقة الوثيرة، من أجل اللهو واللعب، من أجل الأولاد والنساء والأنعام والحرث، كل ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب.
انظروا -يا عباد الله- إلى مجتمعنا اليوم؛ أكثر الناس خارجون عن طاعة الله، ناقضون لعهودهم، حالفون بالأيمان الكاذبة، ظالمون في أحكامهم، ليس لديهم وفاء ولا ذمام، ولا لأمورهم التئام ولا انتظام، الواحد منهم إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل.
أيها الناس: ما لكم لا تقبلون حقًّا، ولا تكرهون باطلًا؟ (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ)[التَّوْبَةِ: 38]، لقد تحمل أَسْرَانَا في سجون الظلام أقسى وأعتى أنواع الظلم والقهر، ورغم كل ذلك فقد صبروا، ونحن ماذا فعلنا من أجلهم؟ من هذه الرحاب الطاهرة، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يطلق سراحهم، وأن يخفف آلامهم، وأن يتولاهم برعايته.
عباد الله: أنتم في شهر مبارك، أكرمكم المولى -تبارك وتعالى- بالتنزلات الإلهية، أليس هو شهر القرآن؟ أليس هو شهر التسابيح والتراويح؟ أوليس هو شهر الفتوحات الربانية؟ ألم تنتصروا يوم الفرقان؟ يوم التقى الجمعان في أرض بَدْر رغم قلة عددكم وعُدَّتِكم؟ ألم تدخلوا مكةَ فاتحينَ؟ لقد نصركم في مواطن كثيرة. ألم تهزموا العدة الطاغية؟ والجيوش الباغية؟ أمَا أكرَمَكم اللهُ -تعالى- فأمدَّكم بمدده، وأنزَل عليكم جنودَه، وأنزَل عليكم سَكِينتَه ورحمتَه؟ فازدادت قلوبُكم يقينًا وصدقًا وإيمانًا، فيا لها من نعم عظيمة، والحمد لله، نحن في أرضنا وفي ديارنا العامرة بالإسلام وبالمسلمين في هذه الأرض المباركة ازدادت صدورنا انشراحًا بالإسلام رغم الآلام والأحزان، وقويت نفوسنا بحقيقة التمسك بالأحكام، منخرطين في زمرة مَنْ حُبِّبَ إليه الإيمان، فوجب علينا رعاية تلك العهود الموثَّقة، والأعمال الصالحة، نحافظ على أرضنا، ومقدَّساتنا، وأعراضنا، وأرحامنا، ونرعى جوارنا، ونؤدي زكاتنا، ونحافظ على أوقاتنا، نترقَّب ليلة القدر بكل عز وفخر واقتدار، من مطلع ومن غروب الشمس إلى مطلع الفجر؛ أوليست هي خيرًا من ألف شهر؟! ألا تتنزَّل الملائكةُ والروحُ فيها؟ فيا لها من ليلة عظيمة المقدار، تسطع فيها الأنوار، وكم من عتيق فيها من النار، رياح هذه الأسحار، تحمل أنين المذنبين، وأنفاس المحبين، وقصص التائبين، يا يعقوب الهَجْر، قد هبَّت ريحُ يوسف الوصل.
عباد الله: إن الله ينظر في ليلة القدر إلى المؤمنين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فيعفو عنهم ويرحمهم، إلا أربعة: مدمن خمر، وعاقًّا، ومشاحِنًا، وقاطع رحم؛ صلوا أرحامكم، وبروا آباءكم، وطهروا قلوبكم، واجلسوا بين يدي ربكم، بقلوب سليمة تائبة عفيفة نقية طاهرة، اختِمُوا شهرَكم بالاستغفار والصدقات، وكونوا كما قال أبوكم آدم: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، قولوا كما قال يونس: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 87].
إن شهركم قد عزَم على الرحيل، ولم يبقَ منه إلا القليل، فمن كان منكم أحسن فيه فعليه التمام، ومن كان فرَّط فليختمه بالحسنى، فالعمل بالختام، وتوجَّهوا إلى الله -تبارك وتعالى- بدعوة صالحة.
فيا أيها المسلم: لا تدخل بيتًا من بيوت الله إلا ببصر خاشع، ويد نقية، وتذكر أن الله لا يستجيب لك دعاء ما دام لمسلم أو لأحد عندك مظلمة له.
اللهم إنا نتوجه إليك من بيتك ومن عرشك الأدنى، ومن أرض المحشر والمنشر، ومن مسجد أنبيائك وأوليائك وشهدائك، والمقرَّبين من عبادك، أن تحفظ المصلين في الأرض المقدسة يا رب العالمين، احفظ المسلمين في كل مكان، في أرض فلسطين، وفي بيت المقدس، وفي المسجد الأقصى المبارك، اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل عُسْر يسرًا، ومن كل بلاء عافية، اللهم اشفِ مرضى المسلمين، وارحم موتاهم، أَذْهِبْ عنَّا الوباءَ والغلاءَ وغائلةَ الأعداء، يا مَنْ علَّم آدمَ الأسماءَ.
اللهم إنك عفُوٌّ تحب العفوَ فاعفُ عنَّا.
عباد الله: اصبروا وصابِروا، ولا تيأسوا، وتوجَّهوا إلى المولى الكريم بالدعاء والتسليم، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.
الحمد لله المبتدئ بالنِّعِم، ورازق الأمم، علَّمَنا ما لم نكن نعلم، -سبحانه- له الحمد وفاءً بما أنعم، وله الشكر جزاءً على ما أَلْهَمَ، ونشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ، خصَّ بتوفيقه مَنِ اصطفاه، وصبَر على بلواه، فلا غيبةَ ولا نميمةَ ولا حسدَ ولا حقدَ، أعراض المسلمين والمؤمنين مسمومة، فمن وقع فيها ابتلاه الله بالأمراض والبرص والجذام، وبخاصة إذا كانت في العلماء العاملين؛ فالله -تبارك وتعالى- يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالتوبةَ التوبةَ يا عباد الله.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسلَه اللهُ لإظهار الدين، وإبطال الشرك وعبادة الأوثان، صلى الله عليه، وعلى آله وبنيه وبناته، وزوجاته وأحبابه وأصحابه، صلاة دائمة على ممر الزمان وأوقاته.
أما بعد فيا عباد الله: تعيش أمتنا اليوم حياة صعبة مريرة؛ حروب طاحنة في بلاد العرب والمسلمين، في اليمن وسوريا والعراق، وقتل وتقتيل في أرضنا المباركة، ومن خيرة شبابنا وأهلينا، وتشديد الخناق على أرضنا ومقدساتنا، ولكن هذا هو قدَرُنا، والواجب على الجميع أن يقفوا على قلب رجل واحد، وأن نرقى فوق الجراح؛ فالخطر القادم أدهى وأمر.
إن سياسة الظلم لن تدوم، سوف يبقى أهلُنا صامدينَ وصابرينَ في بيوتهم، في أرضنا المباركة، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يثبِّتَهم في مساكنهم، وأن يربط على قلوبهم، وأن يجعلهم من عباده الصابرين.
اللهم مُدَّهم بمدَدٍ من عندك، وشُدَّ أزرَهم بطائفة المؤمنين، فالأمر لا يُحتَمَل، إخراجهم من بيوتهم جريمة لا تُغتَفر، وهذا هو الظلم والإجرام، وهذا المسجد الأقصى تُنتَهَكُ فيه الحرماتُ، فمها قصَّر المقصِّرون وطبَّع المطبِّعون، وراموا هدمَ قواعد المسلمين، وسَعَوْا في إبطال الدين نقول لهم: هيهاتَ هيهاتَ؛ لقد وعَد اللهُ الحقَّ ونصرَه وظهورَه، وللباطل دمغه ومحقه وزهقه؛ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا)[يُوسُفَ: 110]، وإلى أولئك الذين باعوا وسمسروا وقصَّروا: (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا)[مَرْيَمَ: 89-90]، أين ذهبت عقولكم؟! غدًا ستقفون بين يدي مولاكم، لا تخفى منكم خافية، وسوف تندمون على ما فرطتُم في جنب الله.
وأنتم يا أهلنا: الزموا أقصاكم، اجلسوا فيه وتعلموا العلم الشرعي، في مساجدكم؛ فهي بيوت الله، ما توطَّن رجل المساجد للصلاة والذكر وسماع الحديث إلا تَبَشْبَشَ اللهُ إليه، وتأملوا قوله للصلاة والذكر؛ أي: ليس المقصود بالجلوس إلا ذلك، فلا يتبشبش الله -تعالى- لمن جلس للغِيبة والنميمة، ولا لمن تتبَّع عورات العباد، ولا لمن يتسمَّع من أجل الفساد، ولا لمن يحسد الناسَ ظلمًا وبهتانًا ويتظاهر أمام الناس بالصلاح، وهو عَرِيٌّ عن ذلك.
إن عُمَّار بيوت الله هم أهل الله -عز وجل-، مَنْ أَلِفَ المسجدَ أَلِفَهُ اللهُ، من يجلس في المسجد سيحظى بأجر مستفاد، أو كلمة محكَمة، أو رحمة منتظَرة، نعم المجلس مجلس تنشر فيه الحكمة، وترجى فيه الرحمة، ومن هنا يجب عليكم أن تحافظوا على مسجدكم بعمارته وصيانته ورعايته، بحلقات العلم ومدارسة العلماء، المسجد الأقصى منارة علم وهدى وخير، والواجب علينا أن نُجنِّبَه الفتن، ما ظهر منها وما بطن، نجنبه المعاصي والآثام، وأفعال الطغام، ليس في شهر الصيام ولا في سائر الأيام.
وأنتِ أيتُها المسلمةُ: جمَّلَكِ اللهُ -تبارك وتعالى- بالتقوى، الزمي الأدبَ ظاهرًا وباطنًا، لا تفرحي بفانٍ، تعلمي العلمَ وانشريه، واقرئي القرآنَ واحفظيه، تأسَّيْ بالسيدة نفسية، حفيدة الحسن المسموم، وشقيقة الشهيد المظلوم، والتي حجَّت ثلاثين حجةً، وكانت تحفظ القرآن وتفسيره، حفَرَت قبرَها وقرأَتْ فيه القرآنَ مائةً وسبعينَ ختمةً قبل وفاتها.
أيتها المرأة المسلمة: كوني كالخنساء في قوتها وعفتها وصبرها وتحملها وعلمها واجتهادها، كوني الأم الرؤوم الحانية على أولادها وأسرتها، إياك ثم إياك والتبرج، كما يفعل أهل الجاهلية، ربِّي أولادَكِ على الأخلاق الحسنة وقراءة القرآن وأحاديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فأنتِ مصنعُ الرجالِ، ومُنشِئةُ الأجيالِ، ومُخرِّجةُ الأبطالِ.
فيا أيها المسلمون: حافِظوا على بناتكم ونسائكم، فقد أمركم الله -تبارك وتعالى- في قرآنكم.
أتُسبى المسلماتُ بكل ثغرٍ *** وعيشُ المسلمين إِذَنْ يَطِيبُ
فَقُلْ لذوي البصائرِ حيث كانوا *** أَجِيبُوا اللهَ -وَيْحَكُمُ- أَجِيبُوا
أما إن الزمان يهدم بزلة عالِم أو جدال منافِق بالقرآن، أو حُكم أئمة مضلِّين، والواجب على المسئولين إزالة العدوان والفساد، وبَسْط العدل بين العباد؛ امتثالًا لأمر الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)[النَّحْلِ: 90]، وإجابةً لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "الْمُقسِطُونَ على منابرَ من نورٍ، عن يمينِ الرحمنِ، وكلتا يديه يمينٌ".
الذين يعدلون في أحكامهم وأهليهم ونحن من هنا، من هذه الرحاب الطاهرة نقول لأهلنا: أنتم مفخَرةُ الأمةِ، لقد اصطفاكم واجتباكم المولى -تبارك وتعالى-، وخصَّكم برعايته، فإيَّاكم ثم إيَّاكم أن تكونوا ضُحكةً للناظرين، ومضغةً في أفواه الأسفلين، وسوف يبقى المسجد الأقصى عامرًا بأهله، شامخًا بالمصلين، أليس هو مهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟
فمزيدًا من العطاء والوفاء، ورفعةً للإسلام والمسلمين، ولا نريد أن نرد على المغرضين والحاسدين في هذه الأوقات الطيبة، ولا على الأصوات الناعقة، التي لا تعرف سوى النقد والهدم والشتم والانهزام والانقسام؛ فالوقت أعزُّ منكم في هذه الأوقات.
إذا أَلِفَتِ القلوبُ الإعراضَ عن الله صَحِبَتْها الوقيعةُ في الأولياء والصالحين.
الناس اليومَ يحتاجون إلى مداراة، والأمر بالمعروف بلا غلظة، إلا رجلًا مُبايِنًا مُعلِنًا بالفسق والردى، فيجب نهيُه، وهذا لا حرمةَ له، وكلمة حق نقولها الآن، رغم الصعاب والآلام، لأولئك الأشبال الأبطال المتطوِّعين في أرض المسجد الأقصى، الذين قدَّموا كل ما لديهم من جهد وعمل في لجان النظام والرعاية، ولكل العاملين المخلصين، في المسجد الأقصى المبارك، من خطباء وأئمة ومدرسين ووُعَّاظ ومُفتِينَ، وأطباء وممرضينَ ومهندسينَ، ومَنْ يعلمون في الصيانة والرعاية لكل أولئك الذين سهروا من أجل راحتكم وتأمين عباداتكم، كلُّ أولئك وغيرهم نقول لهم: بارَك اللهُ فيكم، وفي همتكم، ورفَع درجاتِكم عند مولاكم، وجعَل ذلك في صحائف أعمالكم.
اللهم يا ناصرَ المظلومينَ، ويا غياثَ المستغيثينَ، ويا جارَ المستجيرينَ، ارحمنا برحمتكَ يا أرحم الراحمينَ، اجعل لنا مِنْ كلِّ همٍّ فرجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلِّ بلاءٍ عافيةً، اللهم ارحم غربتَنا في القبور، وانقطاعنا إليك، أذهب عنا الوباء والغلاء، وغائلة الأعداء.
اللهم طهِّرْ قلوبَنا من النفاق، وأعمالَنا من الرياء، وألسنتَنا من الكذب، فإنك تعلم خائنةَ الأعين وما تُخفِي الصدورُ، اللهم يا منَّانُ، نسألكَ الأمانَ من فتنة الزمان، وجفاء الإخوان وشرِّ الشيطان، وظلمِ السلطانِ، نسألكَ الأمنَ والأمانَ، ببركة شهر رمضان، وقراءة القرآن.
عباد الله: توجَّهُوا إلى الله -تبارك وتعالى- واسألوه التوبةَ والمغفرةَ؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ: 180-182].
وأنتَ يا مقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي