لا سعادة إلا به، ولا سرور إلا به، ولا عافية إلا به، لا طمأنينة ولا هدوء إلا به, لا نجاح ولا تفوُّق ولا إبداع ولا مواهب إلا به, لا إتقان عبادة ولا إقامة شعائر ولا حُسْن تعامل إلا به. أتدرون ما هذا المطلب المهم والأهم؟! إنه انشراح الصدر.. انشراح الصدر, سعة الصدر المعنوية, فسحة الخاطر, انتشار النفس, تحليق الروح, أين نجده؟ من أين نشتريه؟..
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
عباد الله: إن حديث اليوم عن أهم مطلب من مطالب الحياة كل الناس برّهم وفاجرهم, صغيرهم وكبيرهم, رفيعهم ووضيعهم, يسعون لنَيْل هذا المطلب.
لا سعادة إلا به، ولا سرور إلا به، ولا عافية إلا به، لا طمأنينة ولا هدوء إلا به, لا نجاح ولا تفوُّق ولا إبداع ولا مواهب إلا به, لا إتقان عبادة ولا إقامة شعائر ولا حُسْن تعامل إلا به.
أتدرون ما هذا المطلب المهم والأهم؟! إنه انشراح الصدر.. انشراح الصدر, سعة الصدر المعنوية, فسحة الخاطر, انتشار النفس, تحليق الروح, أين نجده؟ من أين نشتريه؟ من أي متجر نأتي بانشراح الصدر؟
إنه لا يُبَاع, ولكنه مِنَّة مِن الله لمن سعى في طلبه, وكرم مِن الله لمن أتى بأسبابه, امتنَّ الله به على محمد عبد الله ورسوله وخليله -صلى الله عليه وسلم-؛ فشرح الله صدره بل جعله أوسع الصدور وأطيبها وأزكاها, فقال الله له: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ)[سورة الشرح: 1-2].
شرح الله صدره -صلى الله عليه وسلم- فتلقَّى الوحي، وبلَّغ الرسالة، وعلَّم الناس، وجاهد في الله، وصلى حتى تورمت قدماه, وقرأ سورة البقرة وسورة النساء وآل عمران في ركعة.
شرح الله صدره -صلى الله عليه وسلم-؛ فصبر على أذى من آذوه وسبّوه وكذّبوه وأخرجوه ورجموه، وبالجنون والسحر والكهانة وصفوه, وبأقذر العبارات قذعوه وفي الشعب حبسوه, وغزوه وحاربوه وبالمال والنساء والملك أغروه, واليهود خانوه وتآمروا عليه وسمُّوه.
وكان أمام تلك الكوارث والمصائب كالجبل الشامخ الأشمّ, منشرح الصدر واثقًا بربه متوكلاً عليه, لم ينحرف ولم يُلحد ولم يخجل ولم ينزوِ ولم يتخلَّ عن دينه ورسالته.
أبو بكر -رضي الله عنه- شرح الله صدره فكان كلما سمع أمرًا أو نهيًا من النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صدق صدق... فسُمِّيَ بالصِّدِّيق. وما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر -رضي الله عنه-.
شرح الله صدور الصحابة -رضي الله عنهم-؛ ففتحوا الدنيا، وأناروها بنور الإسلام مع أنهم كانوا فقراء مُعْدَمَين, إذا شبعوا يومًا جاعوا أيامًا, يربطون على بطونهم الحجر والحجرين ويلبسون المرقع, وينامون على الحصير.
إن البرية يوم مبعث أحمد *** نظر الإله لها فبدَّل حالها
بل كرَّم الإنسان حين اختار من *** خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقَّع وهو قائد أمة *** جبت الكنوز فكسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه *** لا تبتغي إلا رضاه سعى لها(عبدالمجيد مجذوب)
إن انشراح الصدور وسعتها ليس حكرًا على أحد, لا على الملائكة ولا على الأنبياء ولا على الصحابة, لكن مَن سعى إليه حصَّله، ومَن بحث عنه وجده.
لكن يجب أن نعلم أن ليس كل الطرق تؤدّي إلى انشراح الصدر, إنما هو طريق واحد, طريق واحد فقط يوصلنا إلى انشراح الصدر فيجب أن نسلكه ولا نتَّجه إلا إليه حتى يشرح الله صدورنا فنكون أسعد الناس وأسَرّ الناس وأحسن الناس, وهو موضع الحديث في الخطبة الثانية.
اللهم اشرح صدورنا، ونَوّر قلوبنا وأصلح شأننا.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
عباد الله: يا كل حريص على انشراح صدره تأملوا وتمعّنوا في الآية الآتية في كلّ كلمة فيها لتعلموا كيف يشرح الله الصدور ويقذف فيها النور, كيف يوسّعها على أهلها ويفسحها ويريحها, قال -سبحانه-: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ) لأيّ شيء؟ هنا السر؟ (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) للإسلام, (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)[سورة الزمر: 22].
أن يتَّسع صدرك لدين الله للإسلام تقبله بلا جدال ولا مراء، ولا شك ولا ارتياب ولا تردّد ولا خجل, اقبلْ دينَ الله يشرح صدرك، ويجعله أشرح وأوسع وأسعد من الدنيا وما فيها، وهذا ما نبحث عنه ونسعى من أجله, أقبل الإسلام بكل ما تعنيه كلمة قبول: (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[سورة النساء:65].
وكيف تقبل الإسلام؟ صَحِّح عقيدتك على ما جاء في كتاب الله، وفيما صحَّ عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-, لا شبهة ولا بدعة ولا حزب ولا جماعة، فإذا صحت عقيدتك قبل الله عملك ولو قل.
تعلَّم الواجب من العلم الشرعي الذي ليس لك فيه عذر تعلمه حتى تعبد الله على بصيرة. اقرأ كتاب الله وأَبْحِر في أعماقه، وتأمّل عجائبه ومعجزاته حتى يمتلئ قلبك إيمان وتقوى. اذكر الله في كل أحوالك ولا تكن من الغافلين.
أحسن إلى الخلق مَن عرفت ومَن لم تعرف, أَحْسن إلى الخلق حتى الدواب أحسن إليها حتى تكون قريبًا من الله بإحسانك إلى خَلْقه.
كن شجاعًا في تمسكك بالدِّين، لا تخجلْ لا تنزوي لا تستحي فأنت الأعلى وأنت الأجمل وأنت من الله الأقرب, لا تذوب أمام إرجاف الكافرين والمنافقين ممن لم يشرح الله صدورهم للإسلام.
ابذل لدين الله شيئًا.. شيئًا من وقتك ومالك وجاهك وما تستطيع.
اصبر اصبر على العبادة والطاعة والتعب والانتقاد والاستهزاء؛ فإن الله معك وسيعلي شأنك.
اصبر عن المعصية تصبَّر عنها ادفعها أبغضها؛ فإن ذلك من الجهاد (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[سورة العنكبوت: 69].
هذه مفاتيح انشراح الصدر إذا أتيت بها فزت بالدنيا والأخرى؛ (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)[سورة الزمر: 22], (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[سورة الأنعام:125].
وأخيرًا لنعلم جميعًا أن مَن كفَر بالله أو نافَق أو ابتدع أو شكَّ أو حارب دين الله، ومن أصرَّ على العصيان أنهم والله وتالله أضيق صدورًا وأنكد عيشًا وأظلم قلوبًا, وإن الله يأبى إلا أن يذل مَن عصاه.
قال الحسن البصري: "إنهم وإن طقطقت بهم النعال أو البغال، وهملجت بهم البراذين؛ فإن ذُل المعاصي لا يفارق رقابهم، أبَى الله إلا أن يُذِلّ من عصاه".
اللهم نوِّر قلوبنا، واشرح صدورنا، واختم بالصالحات آجالنا، وتوّفنا وأنت راضٍ عنا.
وصلوا وسلموا....
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي