مَوْضِعٌ لَا كَالمَوَاضِعِ، وَمَسْجِدٌ لَا كَالمَسَاجِدِ، هُوَ القِبْلَةُ الأُوْلَى، وَمَسْرَى الرَسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَجْمَعُ الأَنْبِيَاءِ، وَأَرْضُ المَحْشَرِ وَالمَنْشَرِ، إِنَّهُ بَيْتُ المَقْدِسِ. الحَدِيْثُ عَنْ بَيْتِ المَقْدِسِ حَدِيْثٌ لَيْسَ كَسَائِرِ الأَحَادِيْثِ، فَهْوَ حَدِيْثٌ عَنْ مَوْضِعٍ تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيْثُ فِي تَعْدَادِ فَضَائِلِهِ....
الحَمْدُ للهِ الذِي لَا خَيْرَ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا فَضْلَ إِلَّا مِنْ لَدُنْهُ، أَحْمَدُهُ حَمْدًا لَا اِنْقِطَاعَ لِرَاتِبِهِ، وَلَا إِقْلَاعَ لِسَحَائِبِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سَمِيعٌ لِمَنْ يُنَادِيهِ، قَرِيبٌ مِمَّنْ يُنَاجِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا وَسَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَالسَّائِرِينَ عَلَى ذَلِكَ السَّبِيلِ، وَسَائِرِ المُنْتَمِينَ إِلَى ذَلِكَ القَبِيلِ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: مَوْضِعٌ لَا كَالمَوَاضِعِ، وَمَسْجِدٌ لَا كَالمَسَاجِدِ، هُوَ القِبْلَةُ الأُوْلَى، وَمَسْرَى الرَسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَجْمَعُ الأَنْبِيَاءِ، وَأَرْضُ المَحْشَرِ وَالمَنْشَرِ، إِنَّهُ بَيْتُ المَقْدِسِ.
بَيْتُ المَقْدِسِ هُوَ المَسْجِدُ الأَقْصَى فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، قَالَ -تَعَالَى-: (سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الإسراء:1], وَسُمِّيَ الأَقْصَى بِمَعْنَى البَعِيدِ، لِبُعْدِ المَسَافَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ وَرَاءَهُ مَسْجِدٌ آخَرُ فِي الأَرْضِ، وَيُسَمَّى بَيْتَ المَقْدِسِ أَيْ المُطَهِّرُ مِنَ الذُنُوبِ، وَالمُطَهَّرُ مِنَ الأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا.
الحَدِيْثُ عَنْ بَيْتِ المَقْدِسِ حَدِيْثٌ لَيْسَ كَسَائِرِ الأَحَادِيْثِ، فَهْوَ حَدِيْثٌ عَنْ مَوْضِعٍ تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيْثُ فِي تَعْدَادِ فَضَائِلِهِ، فَمِنْ هَذِهِ الفَضَائِلِ:
أَوَّلَاً: أَنَّهُ ثَانِي مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ بَعْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ، لِمَا رَوَى البُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ, أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَاً؟ قَالَ: "المَسْجِدُ الحَرَامُ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "المَسْجِدُ الأَقْصَى"، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً".
وَالذِيْ أَسَّسَ بَيْتَ المَقْدِسِ هُوَ يَعْقُوبُ بنُ إِسْحَاقَ بنُ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بَعْدَ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيهِ السَّلَامُ- الكَعْبَةَ، ثُمَّ جَدَّدَهُ سُلَيْمَانُ بنُ دَاووُدَ -عَلَيهِ السَّلَامُ-.
وَمِنْ فَضَائِلِ المَسْجِدِ الأَقْصَى: أَنَّهُ قِبْلَةُ المُسْلِمِينَ الأُولَى لِمُدَّةِ سِتَةَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً قَبْلَ تَحْوِيلِهَا إِلَى الكَعْبَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَينِ مِنْ حَدِيثِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ المَسْجِدَ الأَقْصَى كَانَ قِبْلَةً فِي الصَّلَاةِ وَمُتَوَجَّهَاً لِعَدَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ.
وَمِنْ فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِسِ: البُشْرَى بِفَتْحِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْتَحَ بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَةٍ، كَمَا جَاءَ عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدْمٍ، فَقَالَ: "اعْدُدْ سِتَّاً بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيتِ المَقْدِسِ.." الحَدِيث (رَوَاهُ البَخَارِيُّ).
وَمِنْ فَضَائِلِ المَسْجِدِ الأَقْصَى: البَرَكَةُ حَوْلَهُ. فَلَا تَكَادُ تُذْكَرُ أَرْضُهُ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَّا مَقْرُونَةً بِوَصْفِ البَرَكَةِ أَوِ القَدَاسَةِ، قَالَ -تَعَالَى- عَنِ المَسْجِدِ الأَقْصَى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الإسراء:1]، وَقَالَ -تَعَالَى- عَلَى لِسَانِ مُوسَى -عَلَيهِ السَّلَامُ-: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ..)[المائدة:21] وَهِيَ "بَيْتُ المَقْدِسِ" وَمَا حَوْلَهَا، وَفِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ -عَلَيهِ السَّلَامُ- يَقُولُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ التِي بَارَكْنَا فِيهَا)[الأنبياء:81].
وَمِنْ بَرَكَتِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ المَسَاجِدِ بَعْدَ الحَرَمَينِ الشَرِيفَينِ. وَأُنَبِّهُ عَلَى خَطَأٍ شَائِعٍ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ تَسْمِيَةُ المَسْجِدِ الأَقْصَى بِثَالِثِ الحَرَمَينِ، وَإِنَّمَا الحَرَمُ مَكَّةُ وَالمَدِينَةُ خَاصَّة.
وَمِنْ فَضَائِلِ المَسْجِدِ الأَقْصَى: فَضْلُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَمُضَاعَفَتُهَا. فَقَدْ رُويَ فِي الحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةً فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى بِمَائتَينِ وَخَمْسِينَ صَلَاةً فِيمَا سِوَاهُ عَدَا مَسْجِدَي مَكَةَ وَالمَدِينَة. وَعَنْ عَطَاءِ الخُرَاسَانِيِّ قَالَ: "بَيْتُ المَقْدِسِ بَنَتْهُ الأَنْبِيَاءُ، وَوَاللهِ مَا فِيهِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَقَدْ سَجَدَ فِيهِ نَبِيٌّ".
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: فَمَا زِلْنَا فِي تَعْدَادِ فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِسِ, فَمِنْ هَذِهِ الفَضَائِلِ: الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ. فَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى بِنَصِّ القُرْآنِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَوَاتِ العُلَى.
وَمِنْ فَضَائِلِهِ: الحَثُّ عَلَى المُقَامِ فِيهِ. فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُودَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْروٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ".
وَمِنْ فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِسِ: أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- بَشَّرَ فِيهِ زَكَرِيَا بِيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَسَخَّرَ لِدَاووُدَ الجِبَالَ وَالطَّيرَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، وَيُهْلِكُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فِيهِ، وَوُلِدَ عَيْسَى -عَلَيهِ السَّلَامُ- فِي المَهْدِ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، وَرَفَعَهُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْهَا، وَمَقْتَلُ الدَّجَّالِ فِيهِ.
وَمِنْ فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِسِ: اِسْتِحْبَابُ زِيَارَتِهِ وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- المُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرامِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا".
وَلَقَدْ حَرِصَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى تِلْكَ البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ.
فَنَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُطَهِّرَ تِلْكَ الأَرْضَ المُبَارَكَةَ المُقَدَّسَةَ مِنْ رِجْسِ اليَهُودِ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْ شَرِّهِمْ وَبَغْيِهِمْ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا فِيهِ صَلَاةً آمِنَةً قَبْلَ المَمَاتِ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِيْ كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، وَأَكْثِرُوا مِنْهَ فِي هَذَا اليَومِ الجُمُعَةِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي