وعلى صاحب المال معرفةُ كيفيةِ زكاةِ ماله، كتحقيق بلوغ النصاب، -وهو القَدْر الذي رتَّب الشارع وجوب الزكاة على بلوغه-، وأن يكون هذا المال مملوكًا ملكًا تامًّا، ومضى عليه الحول، ولا تجب الزكاة في أقلّ من الحول، سوى الزرعِ فإنه تجب فيه الزكاة يوم حصاده إذا بلغ النصاب...
جاء الإسلام لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، فكان فيه زكاةُ نفوسهم وطهارةُ أموالهم، وسموُّ أخلاقهم، وتهذيبُ طباعهم.
وقد ذكر الله من صفات عباده المؤمنين أنهم للزكاة فاعلون، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)[المؤمنون: 4]، والزكاة هنا إما أن تكون زكاة النفس -أي: تطهيرَها من الشرك والمعاصي-، وإما أنها زكاةُ الأموال، قال ابن كثير -رحمه الله-: "زكاة المال إنما سميت زكاةً؛ لأنها تُطهّره من الحرام، وتكون سببًا لزيادته، وبركتِه، وكثرةِ نفعه، وتوفيقًا إلى استعماله في الطاعات".
وبزكاة النفس وطهارتها يصير الإنسان زاكيًا، يستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة، قال الله -سبحانه-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[التّوبَة: 103].
والزكاة: اسم لأخذِ شيء مخصوص، من مال مخصوص، على أوصاف مخصوصة.
فتجب في النقدين، والزروعِ والثمار، وبهيمةِ الأنعام، وعروضِ التجارة، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة، ودل على وجوبها الكتاب، والسُّنة، وإجماع الأمة، فأما الكتاب: فقول الله -تعالى-: (وَآتَوُا الزَّكَاةَ)[الحَجّ: 41]، وأما السُّنة: فقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس، شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، والحجِّ، وصومِ رمضان"(متفق عليه).
وقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذًا إلى اليمن وقال له: "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم"(متفق عليه).
وأجمع المسلمون في جميع العصور على وجوبها، واتفق الصحابة -رضي الله عنهم- على قتال مانعيها، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان أبو بكر، وكفَر مَن كفَر من العرب، قال عمر: كيف تُقاتل الناس وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"، فقال: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا -أو عِقالاً- كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق"(رواه البخاري).
والزكاة من مكارم الأخلاق التي دعا إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال هرقلُ لأبي سفيانَ: "فماذا يأمركم؟ قال: يأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصلة، والعفاف"(متفق عليه).
وقد ورد فضلُ أدائها، وثوابُ فاعلها، وأنها سببٌ لدخول الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: "اتقوا الله ربكم، وصلُّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم"(رواه الترمذي).
ولأهمية أداء الزكاة: "بايع جَرِيرُ بنُ عبدِ الله -رضي الله عنه- رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى إِقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، والنصحِ لكل مسلم"(متفق عليه).
وفي الزكاة فضائلُ، ورحماتٌ، وتكاتف، وترابط، وعطف، وشفقة بين الغني والفقير، وفي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه-: "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم"(متفق عليه)، فالفقير له حقٌّ من مال الغني يؤديه حق أدائه طيبةً بذلك نفسه، طالبةً الثواب، وخائفةً من العقاب.
وعلى صاحب المال معرفةُ كيفيةِ زكاةِ ماله، كتحقيق بلوغ النصاب، -وهو القَدْر الذي رتَّب الشارع وجوب الزكاة على بلوغه-، وأن يكون هذا المال مملوكًا ملكًا تامًّا، ومضى عليه الحول، ولا تجب الزكاة في أقلّ من الحول، سوى الزرعِ فإنه تجب فيه الزكاة يوم حصاده إذا بلغ النصاب. قال -تعالى-: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)[الأنعَام: 141]، لذا عليه أن يبادر في أداء الزكاة متى حصل ذلك دون تأخير.
ومن ترك أداءَ زكاة ماله وفرَّط في إخراجها فقد ورد الوعيد في تاركها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له ماله يومُ القيامة شجاعًا أقرع، له زبيبتان يُطَوَّقُهُ يوم القيامة، ثم يأخذ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يعني بشدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) الآْيَةَ" [آل عِمرَان: 180](رواه البخاري)، والمعنى: أن الله يُصيِّر له ثعبانٌ لا شَعْر على رأسه لكثرة سُمِّه، وله نابان يَخْرجان من فمه، وهو أوحش ما يكون في الحيات وأخبثُه، ويكون في عنقه كالطوق، ثم يأخذ بشدقيه، وهو جانبا الفم، ثم يقول: أنا مَالِكُ، أنا كَنْزُك.
ويجوز لصاحب المال تقديمُ الزكاة متى وُجد سببها، لحديث عليّ -رضي الله عنه-: "أن العباس -رضي الله عنه- سأل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته قبل أن تَحِل، فرخص له في ذلك"(رواه أبو داود)، كأن يكون في بلاد المسلمين حاجةٌ وفاقةٌ تستلزم ذلك.
طهر الله قلوبنا، وزكاها فهو خير من زكاها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
يُستحب للإنسان أن يَلي تفرقة الزكاة بنفسه، ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، وأن يتحرى أهلَ الحاجةِ المستحقين لها، وهم أهل الأصناف الثمانية المذكورين في قول الله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ)[التّوبَة: 60]، كما أنه يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية، ويجوز أن يعطيَها شخصًا واحدًا ليسد حاجته بها، قال النخعي -رحمه الله-: "إن كان المال كثيرًا يَحْتَمِل الأصناف قسَّمه عليهم، وإن كان قليلاً جاز وضعه في صنف واحد"، وقال مالك -رحمه الله-: "يتحرّى موضع الحاجة منهم، ويقدمُ الأَولى فالأَولى".
ولا يجوز صرف الزكاة إلى غير مَن ذكر الله -تعالى- من بناء المساجد، والقناطرِ، وإصلاحِ الطرقات، وغيرِها.
كما على المزكي أن لا يصرف زكاة ماله للوالدين وإن علوا، ولا للولد وان سَفُل؛ لأن النفقة عليهم واجبة، بخلاف سائر الأقارب، فمن لا يورث منهم يجوز دفع الزكاة إليه.
ولا تُعطى الزكاة لبني هاشم؛ لأنها لا تحل لهم الصدقةُ المفروضة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنما هي أوساخ الناس"(أخرجه مسلم).
وإذا أعطى من يظنه فقيرًا فبان غنيًّا أجزأت، قال أبو هريرة -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق على غني، فأُتى فقيل له: أما صدقتك فقد قُبلت، لعل الغني أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله"(متفق عليه).
وعلى المُزكي أن يؤديَ زكاة ماله في بلده، ولا ينقلها إلى بلد آخر، لوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه-: "أَخْبِرهم أن عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم"(متفق عليه)، وهذا يختص بفقراء بلدهم، ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن إلى عمرَ -رضي الله عنه- أنكر عليه ذلك، وقال: لم أبعثْك جابيًا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردَّ في فقرائهم، فقال معاذ: أنا ما بعثت إليك بشيء وأنا أَجِد أحدًا يأخذه مني، وأيضًا عمرُ بنُ عبد العزيز -رحمه الله- ردَّ زكاةً أُتي بها من خراسان إلى الشام.
والصحيح من أقوال اهل العلم: جواز نقلها، إذا كان في نقلها مصلحة شرعية - كشدة فقر، وقرابةٍ لمن تُدفع إليه الزكاة -.
وإذا تولى الرجل إخراج زكاته، فالمستحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز دفع الزكاة إليهم، سألَتْ زينبُ -رضي الله عنها- النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: أيجزي عني من الصدقة النفقة على زوجي؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لها أجران: أجر الصدقة، وأجر القرابة"(رواه البخاري)، وفي لفظٍ: يَسَعُني أن أضع صدقتي في زوجي وبني أخي لي أيتام؟ فقال: "نعم، لها أجران: أجر الصدقة، وأجر القرابة"(رواه النسائي)، ولما تصدق أبو طلحة بحائطه قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اجعلْه في قرابتك"(رواه أبو داود).
وفقنا الله للبذل والعطاء، ورزقنا الخُلْفَ والنماء.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي