فضل الحج

إسماعيل القاسم
عناصر الخطبة
  1. فضائل الحج .
  2. جزاء الحج المبرور .
  3. وصايا للحجيج .
  4. بعض أعمال الحج وشعائره. .

اقتباس

وعلى مَن يسّر الله له الحج أن يتحمّل مشاقّ السفر، وجُهدَ أداءِ النسك دون تبرُّم، .. وأن يختار رفقةً صالحة تُذكِّره إذا نسي، وتُعلِّمه إذا جهل، وأن يكون الرِّفْقُ مصاحبًا له مع إخوانه الحجيجِ في أداء النسك كلِّه، وأن يحرص الحاج على استغلال أيام الحج بالطاعات، وأن يخص منها وقوفه في عرفة...

الخطبة الأولى:

في أداء الحج تلبية لنداء الخليل إبراهيم -عليه السلام-؛ (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الحَجّ: 27]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: ناد في الناس بالحج، داعيًا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذُكِر أنه قال: يا رب: وكيف أُبلّغ الناس وصوتي لا يَنْفُذهم؟ فقال: نادِ وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل: على الحِجْر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس! إن ربكم قد اتخذ بيتًا فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كلُّ شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك، وهذا مضمون ما روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، وغيرِ واحد من السلف".

وقد رغَّب النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضله فقال: "من حج، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"(متفق عليه). وفي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".

والحج المبرور كما في الصحيحين "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، قال الإمام النووي -رحمه الله- في الحج المبرور: "أي لا يخالطه إثم، مأخوذ من البر، وهو الطاعة، وقيل: هو المقبول، ومن علامة القبول: أن يرجع خيرًا مما كان، ولا يعاود المعاصي، وقيل: هو الذي لا رياء فيه، وقيل: الذي لا يعقبه معصية، وهما داخلان فيما قبلهما، ومعنى ليس له جزاء إلا الجنة أنه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة، والله أعلم".

وعلى مَن عزم على أداء فريضة الحج أن يُخْلص العمل فيه لله -عز وجل-، فقد أمر الله به في قوله (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ)[البَقَرَة: 196]، ويقتفي أثر رسول الله في أداء النسك دون ابتداع، عملاً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لتأخذوا عني مناسككم"(رواه مسلم)، وأن يكون زاده وراحلته حلالاً، وعليه أن يعرف أركانَه وواجباتِه، فهو نسك دقيق في الفعل والزمن والمكان، ولذا قال ابن تيمية -رحمه الله-: "عِلْمُ المناسك أدقُّ ما في العبادات".

ولذا تعاقب أئمة الحديث شرحًا وتبيانًا لصفة حجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر -رضي الله عنه- الذي جمع أحكامًا وفوائدَ كثيرةً لأحكامِ الحج وغيرِه.

وعلى مَن يسّر الله له الحج أن يتحمّل مشاقّ السفر، وجُهدَ أداءِ النسك دون تبرُّم، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنه كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله! على النساء جهاد؟ قال: "نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة"(رواه ابن ماجه).

وأن يختار رفقةً صالحة تُذكِّره إذا نسي، وتُعلِّمه إذا جهل، وأن يكون الرِّفْقُ مصاحبًا له مع إخوانه الحجيجِ في أداء النسك كلِّه، وأن يحرص الحاج على استغلال أيام الحج بالطاعات، وأن يخص منها وقوفه في عرفة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير الدعاء يوم عرفة"(رواه الترمذي).

ويكثر فيها من التهليل لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"(رواه الترمذي)، في مشعر عرفات "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟"(رواه مسلم). وأن يؤدي أعمالَ يوم النحر من طواف ورمي وحلق، وأن يجعل لسانه رطبًا من ذكر الله قال -سبحانه-: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)[البَقَرَة: 203].

وأن يدرك تحقيقه للتوحيد لله -سبحانه وتعالى- في هذا النسك، بدايةً من التلبية، وانتهاءً بالطواف.

بارك الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

من لم يَكْتب الله له أداءَ الحج فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- رغَّب في صيام يوم عرفة فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنةَ التي بعده"(رواه مسلم)، وفي صبيحة العيد يستحب أن يغتسل، ويتطيبَ، ويلبسَ الجديد، ويُبكِّرَ لمصلى العيد، ويستمعَ للخطبة، وأن يخالف بين الطريق، وأن يذبح أضحيته تأسيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- قال: "ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين، أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى، وكبر، ووضع رجله على صفاحهما".

وعلى الحاج وغيرِ الحاج أن يَعْمر وقته بطاعة الله في أيام التشريق، عملاً بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله"(رواه مسلم)، فهي أيام ذكر وأكل وشرب، بلا إسراف، ولا تبذير.

وفي أيام التشريق يُشرع ذكرُ الله المقيدُ بأدبار الصلوات، من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.

ولا يكن انتهاءُ موسمِ الحج هو انتهاءُ العبادةُ، بل إن الله -عز وجل- قال: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)[البَقَرَة: 200]، قال ابن جرير -رحمه الله-: "يعني بذلك -جل ثناؤه- فإذا قَضيتم مناسككم أيها المؤمنون، فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا، وارغبوا إليه من خير الدنيا والآخرة بابتهالٍ، وخضوع، واجعلوا أعمالكم لوجهه خالصًا ولطلب مرضاته، وقولوا: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البَقَرَة: 201]، ولا تكونوا كمن اشترى الحياةَ الدنيا بالآخرة، فكانت أعمالهم للدنيا وزينتها، فلا يسألون ربهم إلا متاعها، ولا حظَّ لهم في ثواب الله، ولا نصيبَ لهم في جناته وكريمِ ما أعدَّ لأوليائه.

وخص الله ذكر الآباء؛ لأن من عادة العرب إذا قضت حجَّها تقف عند الجمرة، فتُفاخِر بالآباء، وتذكر أيامَ أسلافِها من بسالة وكرم، وغير ذلك، حتى إن الواحد منهم ليقول: اللهم إن أبي كان عظيمَ القبة، عظيمَ الجفنة، كثيرَ المال، فأعطني مثلَ ما أعطيته، فلا يذكر غير أبيه، فنزلت الآية لِيُلزموا أنفسهم ذكر الله أكثرَ من التزامهم ذكر آبائهم أيام الجاهلية.

تقبَّل الله من الحجاج حجّهم، وغفر الله ذنوبنا، وتجاوز عنا وعن المسلمين.

وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي