رمضانُ شهرٌ معدودُ الأيام والليالي، وهو يسير سيرًا سريعًا، دون إمهال لأحد، صحائفه تطوى بالأعمال خيرِها وشرِها، وتنشر في يوم الحساب والجزاء، فاز في رمضان من عَمَرَه بالصالحات، محتسبًا الأجر والثواب، وخسر فيه من ضيَّعه بالملهيات، فاجتهدوا في هذا الشهر تسعدوا في باقي الدهر، واجتهدوا في الأيام القليلة تفوزوا بالنعم الجزيلة...
اختص شهر رمضان بأنه سيد الشهور، بما فضّله الله من الفضائل والمكرمات، فهو شهر الجودِ والعطاء، والبذلِ والسخاء.
أكرم الله هذه الأمة بمبعث خير الورى -صلى الله عليه وسلم-؛ (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ)[آل عِمرَان: 164].
وأكرمهم بنزول القرآن، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)[البَقَرَة: 185]، ومنحهم ليلةً فضلها كبير، وخيرها عميم، قال -سبحانه- في فضلها (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[القَدر: 3]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"(رواه البخاري).
وجاد عليهم بالخير الوفير في أيام شهرهم ولياليه، وساعاته ولحظاته، لذا شمّر النبي -صلى الله عليه وسلم- لاستغلاله بالطاعات، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل -عليه السلام- يلقاه كلَّ ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فإذا لقيه جبريل -عليه السلام- كان أجود بالخير من الريح المرسلة"(متفق عليه).
فجودُه -عليه السلام- يزيد ويتضاعف فهو أجود ما يكون في رمضان، ولك أن تعلم أن جود النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير رمضان لا يوصف فهو -صلى الله عليه وسلم- لا يرد سائلاً، قال أنس: "ما سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة"(رواه مسلم).
رمضانُ شهرٌ معدودُ الأيام والليالي، وهو يسير سيرًا سريعًا، دون إمهال لأحد، صحائفه تطوى بالأعمال خيرِها وشرِها، وتنشر في يوم الحساب والجزاء، فاز في رمضان من عَمَرَه بالصالحات، محتسبًا الأجر والثواب، وخسر فيه من ضيَّعه بالملهيات، فاجتهدوا في هذا الشهر تسعدوا في باقي الدهر، واجتهدوا في الأيام القليلة تفوزوا بالنعم الجزيلة.
ومن كان مُقصّرًا في أوله فليضاعف عمله في آخره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات"، وأَحْسِن فيما بقي يغفر لك ما مضى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
أيام وليالي شهركم المباركِ آذنت بالانصراف والترحال، وها هي أيامه الفاضلة أقبلت ضيفًا كريمًا وزائرًا عزيزًا، ومن كان باذلاً فليضاعف، ومن كان عاملاً فليجتهد، ومن كان مُقصّرًا فليتدارك.
في العشر الأواخر من رمضان، يجتهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أداء الطاعات، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره"(رواه مسلم)، لما فيها من فضل كبير ومنة عظمى ألا وهي ليلة القدر، قال -سبحانه-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[القَدر: 3].
وكانت السِمَة البارزة لعمله فيها -عليه السلام- كما وصفتها عائشة -رضي الله عنها- "إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ، وشد المئزر"(رواه مسلم)، وهذا فيه دليلٌ على أن للعشر الأواخر من رمضان مزيةً على غيرها بمزيد الطاعة والعبادة -من صلاة، وذكر، وتلاوة قرآن، واعتكاف-، قال النووي -رحمه الله-: في معنى "وشَدَّ المئزر"، "قيل: هو الاجتهاد في العبادات زيادةً على عادته -صلى الله عليه وسلم- في غيره، وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات، وقولها "أحيا الليل" أي: استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها، وقولها "وأيقظ أهله" أي: أيقظهم للصلاة في الليل وجدّ في العبادة زيادة على العادة".
كما أنه -صلى الله عليه وسلم- يرتقب ليلة القدر بأنواع العبادات، ويتحراها في ليالي العشر الأواخر، كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"(متفق عليه)، وعندهما أيضًا "فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر".
وكان من حرصه عليها أنه كان يتفرغ لها معتكفًا في المسجد، حرصًا منه على إدراكها، فعن عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده"(متفق عليه) قال الإمام العيني -رحمه الله-: "كان النبي يجتهد في العشر لمعنيين، أحدهما: لرجاء ليلة القدر، والثاني: لأنه آخر العمل، وينبغي أن يحرص على تجويد الخاتمة".
وأوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- من يدركها بالدعاء المأثور، قالت عائشة -رضي الله عنها-: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم انك عفو، تحب العفو فاعف عني"(رواه الترمذي).
فاللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا.
وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي