وفي أيام عشر ذي الحجة أعمالٌ صالحةٌ متتابعة، قولية، وفعلية، ومالية، أو هي مجتمعة. فالطاعة فيها من تعظيم شعائر الله: (ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، العمل فيها مُعظَّم، والأجر فيها مُضاعف -من الصلاة، والتكبير، والصدقة، والصيام، والحج- وكلُّ عبادة فاضلة فيها يزيد فضلها.
امتن الله على أمة الإسلام بمزيدٍ من الفضائل والنفحات، والبركات والخيرات، في مواسمَ تتجدَّد، وأزمنةٍ تتعاقب، تُرفع بها درجاتُهم وتُحط عنهم خطاياهم، يُقبِل المسلم فيها على ربّه، راجيًا ثوابه، خائفًا من عقابه.
وفي أيام عشر ذي الحجة أعمالٌ صالحةٌ متتابعة، قولية، وفعلية، ومالية، أو هي مجتمعة. فالطاعة فيها من تعظيم شعائر الله: (ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحَجّ: 32]، العمل فيها مُعظَّم، والأجر فيها مُضاعف -من الصلاة، والتكبير، والصدقة، والصيام، والحج- وكلُّ عبادة فاضلة فيها يزيد فضلها.
وقد أقسم الله بهذه الأيام لأهميتها، وعَظَّم شأنها، فقال -سبحانه-: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ)[الفَجر: 1-4]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إنهن ليالي العشر الأُوَل من ذي الحجة"، فأيامها نفيسة ثمينة، هي أفضل أيام العام على الإطلاق، كما في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه"، قالوا: ولا الجهادُ؟، قال: "ولا الجهادُ إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء"(رواه البخاري).
وعند البزار من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر"، وذكر ابنُ حجرٍ -رحمه الله- السببَ في امتياز عشر ذي الحجة فقال: "والذي يظهر أن ذلك لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتّى ذلك في غيره".
وقال ابن رجب -رحمه الله- ذاكرًا فضل هذه الأيام المباركات -: "لمّا كان الله -سبحانه- قد وضع في نفوس المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته في كل عام، فَرَض على المستطيع الحجَّ مرةً واحدة في عُمُره، وجعل موسمَ العشرِ مشتَركًا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام، قَدَر في العشر على عَمَلٍ يعملُه في بيته يكون أفضلَ من الجهاد الذي هو أفضلُ من الحج".
ولأهمية أيامها ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مفاضلةً بينها وبين أيام شهر رمضان - فقال: "أيام عشر ذي الحجة أفضلُ من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضلُ من ليالي عشر ذي الحجة".
لذا حرص السلف على استغلالها، والقيامِ بالطاعة فيها خيرَ قيام، فقد كان سعيد بن جبير -رحمه الله- إذا دخلت أيامُ العشر اجتهد اجتهادًا شديدًا حتى ما يكاد يُقدر عليه.
ومن عزم على أداء فريضة الحج، فليخلص عمله لله، قال -سبحانه-: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ)[البَقَرَة: 196]، وعليه أن يعرفَ أداءَ الحج حتى يؤديَه بتمامه، ولا يقع في المحظور، وأن يتحمل مشاقَّ السفر، وجُهدَ أداءِ النسك، وأن يختار رفقةً تعينه على أداء الفريضة.
ويحرص المسلم في هذه الأيام المباركات على أداء الفرائض وفعل النوافل -من صيام، وصدقة، ودعاء، وتلاوة لكلام الله، وذكر لله-، قال -سبحانه-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)[الحَجّ: 28]، فالذكر فيها أفضل من غيرها ليُسْرِه على النفس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد"(رواه أحمد).
وقد كان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهم- يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما.
والتكبير في هذه الأيام، منها ما هو مطلق وهو: من بداية دخول العشر إلى فجر يوم عرفة، والمقيد: أدبار الصلوات المكتوبة من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق لغير الحاج.
وفقنا الله لاستغلال هذه الأيام المباركات بأداء الصالحات، وتقبلها منا ومنكم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
في يوم عرفة فَضلٌ وأجرٌ للحاج وغيره، فهو من أفضلِ أيام العام، وصومه لغير الحاج فضل وكرم من الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده"(رواه مسلم).
وفي عرفة خيرُ الدعاء وأفضله، وثوابٌ جزيل، ودعاء حريٌّ بالإجابة، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "دعاءُ يومِ عرفة مجابٌ كلُّه في الأغلب". قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"(رواه الترمذي).
ففي الحديث: إشارة إلى ذكر الله في ذلك اليوم، ولعله توطئةٌ لتلك الأدعية لما يستحب من الثناء على الله قبل الدعاء، وبعد فجرِ يومِ عرفة يَبدأ التكبير المقيد أدبار الصلوات إلى عصر آخر أيام التشريق، وفي يوم النحر وهو يوم العيد، يؤدي الحاجُّ أكثَر أعمالِ الحج من طوافٍ ورمي وحلق.
ويستحب لغير الحاج أن يغتسلَ ويتطيبَ ويلبسَ الجديد، ويبكْرَ لمصلى العيد، ويستمعَ للخطبة، ويخالفَ بين الطريق. ومَنْ نوى أن يضحيَ تأسيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتباعًا لأبينا إبراهيم فداءً عن ابنه إسماعيل عليهما السلام فليُمْسك عن شَعْره وأظفاره (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)[الحَجّ: 37]، وقد ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين قال أنس -رضي الله عنه-: "فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما، يسمي، ويكبر، فذبحهما بيده"(متفق عليه).
وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي