شرح حديث: "أي الأعمال أفضل"

إسماعيل القاسم
عناصر الخطبة
  1. تفاضل ثواب الأعمال الصالحة .
  2. حرص الصحابة على السؤال عن الأعمال الصالحة .
  3. فضل الإنفاق في القربات .
  4. تعليم الناس ما ينفعهم من أفضل الأعمال .
  5. كف الأذى عن الناس .

اقتباس

مَن آمَن بالله حق الإيمان وجاهد نفسه وعدوه، وبذل ماله في سبيل الخير، ومن أفضلها عتق الرقاب، فإن ضعف عن عمل، فلا يمنعه من معونة الآخرين بماله أو برأيه، فإن لم يكن من إحدى الفئتين فليكف شره عن عباد الله، وليعلم أن الله قادر عليه.

الخطبة الأولى:

جاءت السنة النبوية بتفاضل ثواب الأعمال الصالحة، وهذا من رحمة الله بعباده، فمن أراد العمل سعى إليه قدر وسعه واستطاعته، لينال بذلك أرفع الدرجات.

قال أبو ذر -رضي الله عنه-: "قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله"، قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: "أنفَسُها عند أهلها وأكثرها ثمنًا"، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تُعين صانعًا أو تصنع لأخرق"، قلت: يا رسول الله! أرأيت إن ضعفتُ عن بعض العمل؟ قال: "تَكُفُّ شَرَّك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك"(رواه مسلم).

هذا الحديث النبوي الشريف بيّن موضوعاتٍ متفرقة، وأعمالاً فاضلة، دلالةً للعامِلين، ورفعًا لهمة المتنافسين.

وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- حريصين على سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العمل الصالح، بل ويسألون عن أفضله، طمعًا في زيادة الأجور، ورفع الدرجات، وتخصيص السؤال عن الأعمال الفاضلة أو المحبوبة إلى الله؛ لأن أجرها كبير، وثوابها عظيم، كما أن سؤال الصحابة -رضي الله عنهم- للنبي -صلى الله عليه وسلم- هو سؤال أدب، واحترام، وإجلال، مع أداء بما علموه.

وبدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بالإيمان بالله؛ لأنه أفضل الأعمال كلِّها، ولأنه متقدم عليها، وشرطٌ في صحتها، فلا يصح عمل بلا إيمان؛ لأن متعلق الإيمان هو بالله -تعالى-، وكتبه، ورسله، ولا أشرف من ذلك.

 وقد وصى النبي -صلى الله عليه وسلم- سفيانَ بن عبدِ الله -رضي الله عنه- حين قال: "يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك. قال: "قل: آمنت بالله ثم استقم"(رواه مسلم).

ثم ثنَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجهاد في سبيل الله، فهو من أفضل الأعمال، وقد ذكر الله فضله بقوله -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التّوبَة: 111].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم، وتوكَّلَ الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالمًا مع أجر أو غنيمة"(رواه البخاري).

وعند مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده! ما من كَلْم يُكْلَم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كُلم، لونه لون دم، وريحه مسك، والذي نفس محمد بيده! لولا أن يشق على المسلمين ما قعْدتُ خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا، ولكن لا أجد سَعَة فأحمِلهم ولا يجدون سَعَة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عنى، والذي نفس محمد بيده! لوددت أنى أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل".

وسأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أي الناس أفضل؟ فقال: "رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه"، قال: ثم من؟ قال: "مؤمن في شعب من الشعاب، يعبد الله ربه ويدع الناس من شره"(رواه مسلم).

وقد قَدَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- بر الوالدين كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- على الجهاد في سبيل الله، وذلك لاختلاف حال السائل، فقد يكون والداه على قيد الحياة، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل حين استأذنه في الجهاد قال: "أحي والداك؟"، قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد"(متفق عليه).

ثم بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الرقاب ذاتَ الغبطةِ والرفعة هي الفاضلة في العتق، والمال النفيس هو المرغَّب فيه في البذل والعطاء، وهو من تعظيم شعائر الله، قال المولى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)[آل عِمرَان: 92].

وقد رغَّب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعتق الرقاب فقال: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار، حتى يعتق فَرْجه بفرجه"(متفق عليه).

بعدها سئل الراوي إذا لم يُؤدِّ الجهاد، أو يعتق الرقاب؛ لأن الإيمان لا بد من تحقيقه، فقال: "فإن لم أفعل؟ قال: "تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق"، فالصانع صاحب الحرفة المتخصص بها، والأخرق الذي لا صنعة له.

ومعنى الحديث: أنك لا بد أن تعمل في يومك وليلتك بالعمل النافع، فإن لم يكن من جهاد، وعتق رقاب؛ فإن المسلم حياتُه دائمًا في خير وتكاتف، لذا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- تعين صانعًا بما تكون الإعانة به، أو تَصْنع لأخرق بما يكفل له من أداء العمل، حتى يكون به كسب قوته له ولعياله.

وفقنا الله لطاعته، وجنبنا معاصيه

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

ختم أبو ذر -رضي الله عنه- سؤاله للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما ذكر الأعمال الفاضلة بقوله: "أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: "تَكُفُّ شَرّكَ عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ففي هذا الحديث أنه أوجب الصدقة على كل مسلم، وجعلها خمس مراتب على البدل: الأولى الصدقة بماله، فإن لم يجد اكتسب المال فنفع وتصدق، وفيه دليل وجوب الكسب، فإن لم يستطع فيعين المحتاج ببدنه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يفعل فيكف عن الشر، فالأُوليان تقع بمال إما بموجود أو بمكسوب، والأُخريان تقع ببدن إما بيد وإما بلسان".

قال القرطبي -رحمه الله-: "فيه دليل على أن الكفَّ فعلٌ للإنسان، داخلٌ تحت كسبه، ويؤجر عليه، ويعاقب على تركه"، ومن آمن بالله حق الإيمان وجاهد نفسه وعدوه، وبذل ماله في سبيل الخير، ومن أفضلها عتق الرقاب، فإن ضعف عن عمل، فلا يمنعه من معونة الآخرين بماله أو برأيه، فإن لم يكن من إحدى الفئتين فليكف شره عن عباد الله، وليعلم أن الله قادر عليه.

عمر الله أيامنا بالطاعات، وختمها بالصالحات.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي