التحذير من الغفلة وطرق علاجها

خالد بن عبدالله الشايع
عناصر الخطبة
  1. انتشار داء الغفلة في هذا الزمان .
  2. حقيقة الغفلة والفرق بينها وبين النسيان .
  3. علامات الغفلة وأسبابها .
  4. علاج الغفلة .

اقتباس

ولربما يكون الإنسان من الغافلين وهو لا يشعر!؛ فمن علامات الغفلة: التكاسل عن الطاعات, قال الله -تعالى- في وصف المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى)[النساء: 142]...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

أما بعد: فيا أيها الناس: إن الإنسان في هذه الدنيا يغفل كثيرا, وينسى كثيرا, وقد لا يستفيق إلا في عسكر يوم القيامة؛ ولهذا جاءت النصوص محذرة من الغفلة والغافلين, مبينة أن الغفلة وصف لأهل النار -والعياذ بالله-.

وإن الغفلة لداء عظيم, ومرض خطير, أصيبت به الأمة في هذه الأزمان, حتى فقد الحس الواعي بالأوقات, وقد حذر القرآن من الغفلة أشد التحذير, حتى وصف بها أهل النار الذين خلقوا لها؛ (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[الأعراف: 179].

ولربما يسأل سائل: ماذا تقصد بالغفلة؟

فأقول: إن الغفلة غيبة الشيء عن بال الإنسان, وعدم تذكره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالًا وإعراضًا؛ كما قال -تعالى-: (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)[الأنبياء: 1], وفرق بين الغفلة والنسيان؛ فالغفلة ترك باختيار الغافل, وأما النسيان فهو ترك بغير اختيار الإنسان.

ولقد نهى الله عن الغفلة؛ فقال قال الله -تعالى-: (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)[الأعراف: 205], ولربما يكون الإنسان من الغافلين وهو لا يشعر!؛ فمن علامات الغفلة:

التكاسل عن الطاعات, قال الله -تعالى- في وصف المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى)[النساء: 142].   

ومنها: استصغار المحرمات والتهاون بها, قال عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل, يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه, فقال به هكذا"، فقال أبو شهاب: بيده فوق أنفه. (البخاري، كتاب الدعوات).

ومنها: إلف المعصية ومحبتها والمجاهرة بها, فهذا أكبر دليل على الغفلة ونسيان الله وعقابه.

فهذه علامات الغفلة التي لا يكاد ينجو منها أحد, فمستقل ومستكثر.

وإن للغفلة أسبابا توقع العبد فيها؛ فمن أسبابها: الجهل بالله -تعالى-, وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وبدينه؛ لأن العلم بالله لو رسخ في القلب؛ أدرك العبد قدرة الله وعظمته؛ فعندئذ يخشى ربه ويعبده, قال الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: 9].

ومنها: حب الدنيا والانشغال بالتكاثر في الأموال والأولاد, ولقد صرح الله بذلك في كتابه؛ فقال: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)[التكاثر: 1]، وكما قيل: "إن حب الدنيا رأس كل خطيئة"، والغفلة هي ثمرة حب الدنيا, قال -تعالى-: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[الروم: 7]؛ قال الحسن البصري: "والله ليبلغ أحدهم من علمه بدنياه أن يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، ولا يحسن يصلي".

وإن من الخسارة العظيمة أن تضيع حياة العبد ما بين أمل طويل وعمل سيئ، فتراه في نهاره عاملًا ناصبًا صاخبًا، جامعًا مانعًا، وللفرائض والآداب مضيعًا، فإذا جاء الليل ارتمى على فراشه كالخشبة الملقاة, أو الجيفة القذرة، لا يقوم لصلاة فريضة، فضلًا عن قيام ليل، وعبادة رب كريم.!

ومن أسباب الغفلة: الغرق في المعاصي, أخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد إذا أخطأ خطيئةً؛ نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب؛ سُقل قلبه، وإن عاد زيد فيها, حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله؛ (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[المطففين: 14]".

ومن أسباب الغفلة: صحبة الغافلين وجلساء السوء؛ فالصاحب ساحب إما للخير أو الشر، والمرء على دين خليله، ويخبرنا الله في كتابه عن تبرئ أصحاب السوء من بعضهم يوم القيامة, قال الله -تعالى-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا)[الفرقان: 27 – 29].

اللهم ايقظ قلوبنا من الغفلة, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فيا أيها الناس: الغفلة لا ينفك عنها أحد إلا من رحم الله, وقليل ما هم, خصوصا مع كثرة الفتن والشهوات, وقد جعل الله لمن وقع في الغفلة علاجا:

أولًا: ذكر الله -تعالى-, وقراءة القرآن الكريم، وقد حذر الله -تعالى- من الغفلة عن ذكره؛ فقال -سبحانه-: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)[الأعراف: 205].

ومن علاج الغفلة: حضور مجالس الذكر؛ فإنها تذكر بالله, وتلين القلوب، وتذكر بعقابه وجنته وعفوه؛ ككلمة بعد الصلاة في المسجد, أو خطبة جمعة, أو كلمة في إذاعة.

ثالثًا: معرفة حقيقة الدنيا وأنها لا قيمة لها عند الله؛ فحقيقتها أخبر عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه الترمذي في جامعه, من حديث سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة؛ ما سقى كافرًا منها شربة ماء".

ومن علاج الغفلة: الإكثار من ذكر القبر والموت؛ فكفى بالموت واعظًا, فعن محمد بن المتوكل قال: "بلغني أن خاتم عمر نقشه: كفى بالموت واعظًا يا عمر", وكفى به منبهًا ومذكرًا، فكيف لمن يتذكر الموت, ويحضر الجنائز, ويزور المقابر؛ أن يكون غافلًا عن طاعة ربه وعبادته ولقائه؟!.

ومن علاج الغفلة: قصر الأمل, أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".

فمن علم أنه راحل في الصباح أو المساء؛ استيقظ من الغفلة, واستعد للرحلة.

اللهم أيقظنا من الغفلات.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي