خيرُ الرجالِ وخيرُ والنساءِ

محمود بن أحمد الدوسري
عناصر الخطبة
  1. الثبات على الطاعة من خير الأعمال .
  2. نماذج لطاعات تنال بها الخيرية .

اقتباس

وخير النساء هُنَّ اللائي يَبْتَعِدن عن مُخالَطَةِ الرجال, ولو كان ذلك في العبادة؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا, وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"(رواه مسلم)؛ قال النووي -رحمه الله-: "أَمَّا إِذَا صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَاتٍ, لَا مَعَ الرِّجَالِ؛ فَهُنَّ كَالرِّجَالِ, خَيْرُ صُفُوفِهِنَّ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد: فإنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بلَّغ الرسالةَ, وأدَّى الأمانةَ ونَصَح الأمة, وما من خيرٍ إلاَّ ودلَّ الأُمَّةَ عليه, وما من شرٍّ إلاَّ وحذَّرها منه.

وإنَّ خيرَ الأعمالِ والعباداتِ والأحوال هو العمل على مرضاة الله -تعالى-, في كُلِّ وقتٍ بما هو مُقتضى ذلك الوقت ووظيفته.

فخير الرجال وخير النساء هم الذين يُحافظون على سُنَّة الفجر؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(رواه مسلم)؛ والمقصود بهما: سُنَّة الفجر, يدل عليه قولُ عائشةَ -رضي الله عنها-: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَي الْفَجْرِ"(رواه البخاري), فيُستحبُّ تعاهُدُهما ويُكره التَّفريطُ فيهِما؛ لِمَا فيهما من الأجر العظيم, فما ظنُّكُم بالأجر المُترتِّب على صلاة الفريضة؟.

وخير الرجال هم الذين يُحافِظون على الصَّفِّ الأوَّلِ في الصلاة؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا, وَشَرُّهَا آخِرُهَا"(رواه مسلم)؛ لأنَّ الصَّف الأوَّل أكثرُ الصفوف أجراً؛ ولقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الأُوَلِ"(صحيح, رواه أبو داود), وعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ ثَلاَثًا, وَعَلَى الثَّانِي وَاحِدَةً"(صحيح, رواه النسائي).

وخير النساء هُنَّ اللائي يَبْتَعِدن عن مُخالَطَةِ الرجال, ولو كان ذلك في العبادة؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا, وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"(رواه مسلم)؛ قال النووي -رحمه الله-: "أَمَّا إِذَا صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَاتٍ, لَا مَعَ الرِّجَالِ؛ فَهُنَّ كَالرِّجَالِ, خَيْرُ صُفُوفِهِنَّ أَوَّلُهَا, وَشَرُّهَا آخِرُهَا, وَالْمُرَادُ بِشَرِّ الصُّفُوفِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ, أَقَلُّهَا ثَوَابًا وَفَضْلًا, وَأَبْعَدُهَا مِنْ مَطْلُوبِ الشَّرْعِ, وَخَيْرُهَا بِعَكْسِهِ".

والخيِّرون والخيِّرات أَلْيَنُ مَناكِبَ في الصلاة؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلاَةِ"(صحيح, رواه أبو داود)؛ والمعنى: أنه إذا كان في الصَّف, وأمَرَهُ أحدٌ بالاستواء, أو بوضع يده على منكبيه؛ ينقاد ولا يتكبَّر, والمقصود أنهم أسرع انقياداً.

وخيار الرجال والنساء هم الذين يُحافِظون على التَّسبيح والتَّحميد والتَّكبير بعد كُلِّ صلاةٍ مفروضة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ, إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ؛ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ, وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ, وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ, إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟؛ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ"(رواه البخاري).

وخير الرجال والنساء هم الذين يتعلَّمون القرآنَ ويُعلِّمونه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"(رواه البخاري), فالذي يتعلَّم القرآنَ ويَعُلِّمُ غيرَه جَمَعَ بين النَّفعِ القاصر والنفعِ المُتعدِّي؛ ولهذا كان أفضل, ولا يلزم أنْ يكون المُقْرِئُ أفضل مُطلقاً من الفقيهِ, أو الغنيِّ الذي يُنفِقُ في وجوه الخير؛ لأنَّ أساس المسألة في الخيرية يدور على النَّفع المتعدِّي, فمَنْ كان نفعُه متعدِّياً أكثر كان أفضل.

والخيِّرون والخيِّرات يَدُهُمْ عُليا في الإنفاق؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى, وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ, وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ"(رواه مسلم), والمراد بالعلو في الحديث: هو علو الفَضْلِ والمَجْد, ونيلُ الثواب من الله -تعالى-.

والخيِّرون والخيِّرات يُطعِمون الطعامَ, ويُحْيُونَ شعائرَ الإسلام؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-, أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟, قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ, وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ"(رواه البخاري ومسلم), تواضعاً لله -تعالى-, وتعظيماً لشعائر الإسلام, ومراعاة لأخُوَّةِ المُسلم.

 والخيِّرون والخيِّرات هم أحْسَنُ الناسِ أخلاقاً, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا, وَكَانَ يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا"(رواه البخاري)؛ والمُتَفَحِّش: الذي يَتَكلَّفُ الفُحْشَ, ويتعمَّده لِفساد حاله, وحُسن الخلق: هو اختيار الفضائل, وتَرْكُ الرذائل.

وخيرُ المتهاجِرَين هو الذي يَصْفَح ويَعْفُو, ويبدأُ صاحِبَه بالسَّلام؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ, يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا, وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ"(رواه البخاري ومسلم).

 والخيِّرون والخيِّرات هم الذين يَكُفُّون ألسِنتَهم وأيديهم عن المسلمين, عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما-, قال: إِنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"(رواه مسلم)؛ أي: لم يُؤْذِ مُسلِماً بقولٍ ولا فِعل, وعبَّر بلفظ "الْمُسْلِمِينَ" من باب التغليب؛ فإنَّ المسلِمات يدخلن في ذلك.

وخير الرجال مَنْ كان خيرَ الناسِ لأهله؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ, وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"(صحيح, رواه الترمذي), وقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا"(صحيح, رواه الترمذي).

والخيِّرون والخيِّرات هم أحْسَنُ الناسِ قَضاءً للدَّين, عَنْ أَبِي رَافِعٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا, فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ, فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ, فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاَّ خِيَارًا رَبَاعِيًا, فَقَالَ: "أَعْطِهِ إِيَّاهُ؛ إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً"(رواه مسلم), فيُسْتَحبُّ للمُقتَرِضِ أنْ يَرُدَّ مِثْلَ ما اقترضه, أو خيراً منه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ...  

أيها المسلمون: إنَّ خيرَ الرجال وخيرَ النساء هم الذين يجتنبون الفِتَن, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سَتَكُونُ فِتَنٌ؛ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ, وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي, وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي, وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ, وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا؛ فَلْيَعُذْ بِهِ"(رواه البخاري ومسلم), فمَنْ تعرَّضَ وتطلَّع للفتن تُهْلِكْه.

والخيِّرون والخيِّرات هم المُيَسِّرون في المهور والنكاح, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ"(صحيح, رواه أبو داود), وقال أيضاً: "خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ"(صحيح, رواه الحاكم).

والخيِّرون والخيِّرات هم الذين يَبْذلون الشهادةَ قبل السؤال؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ أَدَّى شَهَادَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا"(صحيح, رواه ابن ماجه).

وخير الرجال وخير النساء هم المُكْثِرون لِذِكْرِ اللهِ -تعالى-, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ الْعَمَلِ أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ"(صحيح, رواه أبو نعيم في الحلية).

وخيرُ الصلاةِ في البيوت إلاَّ المكتوبة للرجال؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ"(رواه البخاري), وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ صَلاَةِ النِّسَاءِ فِي قَعْرِ بُيُوتِهِنَّ"(صحيح, رواه أحمد), وفي رواية: "خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ"(صحيح, رواه أحمد).

و"خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ"(حسن, رواه الطبراني في الأوسط), و"خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ"(صحيح, رواه الترمذي).

و"خَيْرُ النِّسَاءِ الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ, وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ, وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ"(صحيح, رواه النسائي), وفي رواية: "خَيْرُ نِسَائِكُمُ الوَدُودُ الوَلُودُ, المُوَاتِيَةُ المُوَاسِيَةُ؛ إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ"(صحيح, رواه البيهقي في الكبرى).

و"خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ, وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ"(صحيح, رواه الترمذي). 

و"خَيْرُ مَا يُخَلِّفُ الْمَرْءُ بَعْدَ مَوْتِهِ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ, وَصَدَقَةٌ تَجْرِي يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا, وَعِلْمٌ يُعْمَلُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ"(صحيح, رواه ابن حبان).


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي