النصر والتمكين للمؤمنين الصادقين

الشيخ محمد سليم محمد علي
عناصر الخطبة
  1. أكذوبة التوازن الإستراتيجي .
  2. قضية فلسطين قضية كل عربي ومسلم .
  3. قيمة العربي المسلم في تمسكه بدينه ومبادئه .
  4. العبرة والعظة من حصارين ظالمين .
  5. النصر لمن ينصر دين الله تعالى .
  6. بعض شروط النصر والتمكين .
  7. ضرورة الالتفاف حول العلماء الصادقين العاملين .

اقتباس

لقد ازداد إيمانُنا ونحن نعيش حالةَ الرباط الحقيقي أن الله مع المسلمين إذا نَصَرُوا دِينَه، ومع المؤمنين إذا اتَّبَعوا أحكامَ شريعته؛ فتمسَّكُوا بكتاب الله، وسُنَّةِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-، ففيهما النجاة، وعودوا إلى دينكم؛ فهو طوق نجاتكم، في الدنيا والآخرة...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي قال: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ)[الرُّومِ: 4-5]، و(يفرح) فعلٌ مضارعٌ، يدلُّ على الأحداث الحاضرة والمستقبَلة، وفي هذا بشارةٌ لنا نحن المسلمينَ، أن النصرَ حليفُنا، في زماننا وفي مستقبلنا.

ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه، وعَدَنا بالنصر والتمكين، فقال مردِّدًا هذا الوعدَ: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غَافِرٍ: 51].

ونشهد أن سيدنا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أُخرِجَ من أرضه، هو ومَنْ معَه من المهاجرينَ، فوَعَدَه اللهُ بالعودة إليها عزيزًا كريمًا، فقال له: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)[الْقَصَصِ: 85]، صلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعينَ، وعلى مَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعدُ، أيها المسلمون: مرَّت علينا في الأسابيع الماضية ذكرى نكبة عام ثمانية وأربعين، ونحن في هذه الأيام نعيش ذكرى نكبة أخرى؛ سمَّاها العربُ بالنكسة، وهي ذكرى ضياع ما تبقَّى من أرضنا المقدَّسة.

أيها المؤمنون: يومًا بعد يوم، نزداد يقينًا أن الفئة المؤمنة الصابرة المحتَسِبة على قِلَّة عددها وعتادها هي الغالبة والمنصورة، وبهذا تبطُل مقولة ما يُسمَّى بالتوازن الإستراتيجي التي أتخَمَنا بها العربُ منذ عقود؛ لأننا لا نُنصَر على عدُوِّنا بكثرة عدد أو عتاد، وإنما ننتصر بقدرِ ما لدينا من إيمان وتمسُّك بأحكام ديننا، وهذا مصداقٌ لوعده -تعالى-: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[مُحَمَّدٍ: 7].

أيها المؤمنون: برباطكم، بثباتكم، انتصر الأقصى، وانتصرت القدسُ، وانتصرت قضيتُنا الفلسطينيةُ، فقد أعاد اللهُ لقضيتنا ولقُدسِنا ولأقصانا هيبتَه، ومكانتَه، فقضية فلسطين لم تكن يوما قضية الشعب الفلسطيني وحده، بل هي قضية كل عربي ومسلم، وكذلك قضية القدس والأقصى هي قضية المسلمين، في كافة أنحاء الدنيا، وكما يحيي الله العظام وهي رميم فقد أعاد لقضيتنا الحياة بعد أن خنقتها أيادي السلام المزعوم، وبعد أن طعنها المطبِّعون بخناجر تطبيعهم وسفاهتهم؛ (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التَّوْبَةِ: 32].

يا مسلمون، يا عباد الله: ومجريات الأحداث التي مرَّت بها القضية الفلسطينية أثبتت لنا أن قضيتنا عاشت وتعيش بين متخاذِل ومطبِّع، أو مفرِّط ومضيِّع، وعليه فإننا نعلن كفرنا بكل متخاذل ومفرط ومضيِّع، ونعلن كفرنا بكل منافق ومطبِّع؛ إنا برآء منهم ومن تخاذلهم، إنا برآء منهم ومن تقصيرهم ونفاقهم، إنا برآء منهم ومن تطبيعهم.

أيها المسلمون: والإنسان الفلسطيني هو الذهب الذي يفتن بالنار فتظهر جودته وأصالته، فهو الذي أبطل المقولة المغرورة: "الكبار يموتون والصغار يَنْسَوْنَ"، وهو الذي رابط ويرابط ويتحمل تكاليف ثباته ورباطه، راضيًا بقدَر الله، ومسلِّمًا له في قضائه، فلله الشكر على هذه النعم، وله -سبحانه- الحمد على دفع النقم.

يا عباد الله يا مؤمنون: هذا زمان انتهاء المقولة المضللة: "العربي المسلم عالة على البشرية، ولا ينتج، وأنه يجب ألا يرفع عنه سياط الظلم والاستعباد"، والعكس تمامًا هو الصحيح؛ فالعربي إذا أحسَن انتماءه للإسلام صنَع العجائبَ، وفي غزوة الخندق لكم عظة وعبرة، فيوم اجتمَع الأحزاب على المسلمين في المدينة المنوَّرة حفَر المسلمون الخندق، وفاجؤوا عدوَّهم بما لم يخطر على بالهم، فالعربي حين يسلم ويحسن إسلامه لو أراد أن يزيل الجبال عن أماكنها لفعل، وأما العرب بغير إسلام فهم قطيع أغنام، همها بطونها وشهوتها، يسوقها الغرب حيث يريد، من المهانة والذل والصغار، فهل يعتبرون، وهل يتَّعظون، فإن الله يقول: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37].

أيها المسلمون، يا عباد الله: وشعبُنا قادرٌ على الوحدة؛ لنصرة قضيته، فكان له يوم مشهود، دالٌّ على هذه الوحدة، بل وزادت الثقةُ بهذه الوحدة حين وقَف العربُ والمسلمون في كافَّة أنحاء الدنيا نصرةً للقدس وللأقصى، متمثلين قول الله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103].

وفي وحدة شعبنا رسالة صارمة غاضبة ومعاتبة إلى القيادات السياسية لشعبنا؛ فمتى يا ترى تتوحد؟ بل ومتى تنهي انقسامها؟!

أيها المؤمنون: ونحن نعيش ذكرى النكبتين، نتذكر حصارين ظالمين؛ محاصرة ومقاطعة النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ومن معه من المسلمين في مكة، لمدة ثلاث سنين، من العرب المشركين، الذين تعاهدوا على صحيفة المقاطعة الظالمة، وأما الحصار الثاني فهو الحصار المفروض على أهلنا، أما حصار قريش للمسلمين في مكة المكرمة فقد أَذِنَ الله -تعالى- بإنهائه بطريقتين: الأولى: أنه -سبحانه- جعَل الأرَضَةَ؛ وهي دودة الأرض تأكل صحيفةَ المقاطَعة، إلا اسم الجلالة؛ تنبيهًا للكفار والمشركين أن الله قادر على كل شيء، وأن الله مع عباده المؤمنين، ينصرهم بأضعف خلقه، والطريقة الثانية: أن مجموعة من العرب المسلمين أخذتهم الحميةُ لأبناء جِلدتهم وأقاربهم فاتفقوا على إنهاء الحصار، وتمزيق الصحيفة الجائرة، وكان لهم ما بيَّتوا وأرادوا، وأما الحصار المفروض على أهلنا فقد حان الوقت لإنهائه، بل يجب أن ينتهي؛ لأنه ظلم وعدوان على الإنسان في أبسط حقوقه المعيشية والآدمية.

يا مسلمون: لقد ازداد إيماننا ونحن نعيش حالة الرباط الحقيقي أن الله مع المسلمين إذا نصروا دينه، ومع المؤمنين إذا اتبعوا أحكام شريعته؛ فتمسَّكُوا بكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ففيهما النجاة، وعودوا إلى دينكم؛ فهو طوق نجاتكم، في الدنيا والآخرة.

جاء في الحديث الشريف الصحيح: "إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنة نبيه".

فيا عباد الله: توبوا إلى الله واستغفِروه، فإنه -سبحانه- غفور تواب رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، جاهَد في الله حقَّ جهاده، حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وعلى مَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعدُ، أيها المسلمون: للنصر والتمكين شروطٌ، يجب على المسلمين أن يستوفوها، فلا يكفي أن نكون مُرابِطِينَ حتى نتصفَ بصفة التقوى؛ ألَا ترون أن الله -سبحانه- جعَل العاقبةَ الخيِّرةَ من النصر والتمكين وغيره لمن آمَن واتَّقى، فقال سبحانه: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الْأَعْرَافِ: 128]، فاستعِينُوا بربكم، وأحسِنوا واتقوا وصابِروا الكافرينَ، وتميَّزوا عن المنافقين، وكونوا من المتوكِّلين، فخذوا بأسباب النصر، وتلبَّسُوا بها، حتى يحلَّ النصرُ في بلادكم، وحتى تكونوا من أهله، إياكم من معوِّقات النصر، سارِعوا إلى نبذها، فالولاء للمخربين، والولاء للمنافقين، والولاء للمطبِّعين، والحمية العشائرية التي تُوظِّفونها في الباطل، وفي الاقتتال الداخلي والتنمُّر على بعضكم البعض، وما نراه من فُرقة وانقسام، عند القوى السياسية الفلسطينية، كلُّ ذلك من مُعوِّقات النصر، فأخرِجوها من واقعكم، واطردوها من صفوفكم.

يا مؤمنون، يا مسلمون، يا مرابطون، يا أهلَ بيت المقدس: احفظوا للأقصى حرمتَه ومكانتَه وقداستَه، لا تُغرُوا سفهاءكم وأعداءكم به، أليس الأقصى من أهم ثغور المسلمين؟! فكيف يرضى أحدكم لنفسه أن يؤتى الأقصى مِنْ قِبَلِه، بل وأعجبُ واللهِ كيف يكون هذا السفيه مِنَ الذين قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرينَ".

أيها المؤمنون، يا عباد الله: وإن من أولوياتنا في بيت المقدس أن نلتفَّ حولَ علمائنا، مقتدينَ بهم، ما داموا ربانيينَ، وأنتم تعلمون أن الذين يقودون الأمةَ هم حُكَّامُها وعلماؤها، ونحن اليومَ فقدنا الثقةَ بالحُكَّام؛ لتفريطهم ولخذلانهم لنا، ونحن نُعلِن من الآن كفرَنا بهم، ولم يبقَ لنا إلا عالِمٌ مؤمنٌ صالحٌ عاملٌ نرجوه، فهذا نسير معه، ونأخذ منه ما قال الحقَّ وعَمِلَ به، ونسير وراءه؛ لأنه هو الذي تبقَّى لنا من قيادة في هذا الزمان، حتى ينصرنا الله بنصره التام، ويعودَ الإسلام حاكمًا ومشرِّعًا، يأخذ الناسَ إلى الأمن والعدل والسلام.

أيها المؤمنون، يا عباد الله: وشعبُنا يتطلَّع إلى أن يحيا في المرحلة القادمة حياةَ النصر الشامل، وقد قال الله في الحديث القدسي: "أنَا عندَ ظنِّ عبدي بي"، ونحن في بيت المقدس وأكنافه ظنُّنا بالله أنه سينصرنا، وظنُّنا بالله أنه سيرفع عنا ما نحن فيه من ابتلاء، وعليه نقول: لقد عاش أجدادُنا زمنَ الهزيمة، وعاشَها آباؤنا، ونحن نعيشها الآنَ، وقد فتَح اللهُ لنا من النصر طاقةً صغيرةً، تُعطينا الأملَ، فمتى يأتي اليوم الذي نعيش فيه حياة العزة والنصر والفخار؟!

أَجَلْ يا مسلمون، سنظل على موعود الله لنا بالنصر، نكابده ونراقبه، فقد بشَّر الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- بنا، فقال: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرينَ إلى يوم القيامة".

فيا أيها الصابرون المحتسِبون: وحتى يأتي ذلك اليومُ، وهو إن شاء الله قريب، فعلينا أن نُبقِيَ عيونَنا على القدس وعلى الأقصى، وأن نُبقِيَ قلوبَنا فيهما.

الله للأقصى، لكل مرابِطٍ *** فهو النصير وخابت الأرباب

اللهم ارحم شهداءنا، واشفِ جرحانا، وحرِّرْ أقصانا وأسرانا، اللهم ارفع الحصار عن المحاصرين، وبارِكْ لنا في رباطنا إلى يوم الدين، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم انصر الإسلام والمسلمينَ، وأعلِ بفضلِكَ كلمتَي الحق والدين، وارزقنا رَجُلًا مؤمنًا صالحًا يوحِّدنا على طاعتك، ويقودنا لمرضاتك، ويرفع رايتَكَ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأهلينا وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

وأنتَ يا مقيم الصلاة أقم الصلاة؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي